اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مُخْتَارَات : رِفْعَةُ الجادِرْجي

مُخْتَارَات : رِفْعَةُ الجادِرْجي

نشر في: 20 أغسطس, 2023: 11:40 م

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

أستمراراً لسلسلة المقالات المكرسة لمهمة إدراك العِمَارَة المتحققة عند "الآخر" من خلال التصميم والتعبير؛

نواصل نشر مقالنا هذا المتضمن، كالعادة، اصطفاء نموذج معماري مصمم من قبل معمار معروف و التذكير بأقواله، لجهة تحقيق حضور <الافعال والاقوال> جنباُ الى جنب.

وفي هذة الحلقة نتناول سيرة المعمار "رِفْعَةُ الجادِرْجي" (1926 - 2020) وبما صرح به من أقوال، مع نشر احد اعماله المميزة.

ولد "رفعة كامل رفعة الجادرجي" في 6 كانون الاول (ديسمبر) 1926 في بغداد / العراق. ودرس العمارة في مدرسة العمارة والحرف في "هامرسميث" بانكلترة ما بين 1946 -1952.مارس العمارة بالعراق، حالما انهي تعليمه المعماري، واسس مع عبد الله احسان كامل واحسان شيرزاد مكتب "الاستشاري العراقي" في عام 1953. شغل مناصب ادارية في الدولة العراقية، كما صمم مكتبه العديد من الابنية المعمارية اللافتة في لغتها التصميمية سواء في بلده العراق ام في خارجه، وبعضها عُدّ من كنوز العمارة العربية المعاصرة. استمر ممارساً للمهنة المعمارية منذ ايلول 1952 ولغاية 1978، عندما اودع التوقيف في دائرة المخابرات العامة ببغداد ابان الحكم الديكتاتوري الشمولي السابق. التحق بجامعة هارفرد سنة 1982 لاجراء بحوث في التنظير المعماري، كما انضم الى معهد "ام. اي. تي" بامريكا و"يونفرستي كولج" بلندن / انكلترة. حائز على جائزة الاغا خان "جائزة الرئيس" سنة 1986، كما حاز على جائزة زايد للكتاب عام 2008. حاز على جائزة "تميز للانجاز المعماري مدى الحياة" من جائزة "تميز للعمارة" في بداية عام 1915. منح شهادة دكتوراه فخرية من "جامعة كوفنتري" البريطانية في اكتوبر 2015. كما الف عدة كتب تتعاطى مع الشأن المعماري والانثروبولوجي، مارس التصوير الفوتوغرافي واجرى مسحا تصويريا للعمارة والتطور الاجتماعي بالعراق وفي بعض الدول العربية. توفي في 10 نيسان/ابريل 2020 بلندن/ بريطانيا.

يجادل "رِفْعَةُ الجادِرْجي"فى كتبه ويناقش فى سردياته مختلف القضايا التنظيرية التى تمس العمارة، وسعى وراء تقديم رؤيته المعمارية الى المتلقي. انها لمتعة كبيرة ان تصغى الى هذا الانسان المتنور وما يطرحه من قضايا وما يقدمه من رؤى. ليس شرطا ان تتفق معه فى كل ما يكتبه، لكنك لا يمكنك الا وان تحترم ارائه التي يسردها بوضوح واختزالية وبـ "ذاتية" عميقة تشى بصدقيتها وصراحتها.. وجرأتها ايضا. فى النصوص التى اخترتها، اشعر بقصور واضح باني لا اتمكن (بباعث محدودية المكان المتاح لهذة الزاوية) من الاستطراد كثيراً في سرد ما كتبه "رِفْعَةُ الجادِرْجي" ويؤمن به، وهو سرد جدير بالاطلاع والتمعن في مداليله ومغازيه.

في نصوصه السردية، يتوق "رِفْعَةُ الجادِرْجي" الى اصطفاء كلمات خاصة به و ايجاد تعابير مميزة، "ينحتها" شخصيا، مزاوجا، احياناً، بين <لفظها> الاجنبي و"اختياراته" اللغوية والمفاهيمية لتلك الكلمات ويكتبها بحروف عربية. ولعل مفردة "كلتشر" التى يستخدمها دوماً كمرادفة لكلمة Culture، واجدا في كلمة <ثقافة> المعرّبة مفهوما قاصرا عن التعبير عن <كلتشر> ـه

وعن اهتماماته النظرية ورؤاه الاسلوبية يتحدث "رِفْعَةُ الجادِرْجي" بصراحة واعتراف نادر في كتابه "الاخيضر والقصر البلوري <1991>، الصادر في لندن" (الكتاب المميز بطروحاته الجريئة واللافت في مجمل أدبيات الخطاب المعماري العربي، هو الذي لا اخشى القول، بانه من اهم الكتب الصادرة عن العمارة في منطقتنا العربية)، في ذلك الكتاب يشير المعمار العراقي الى ما يؤمن به وما يتصوره عن مستقبل العمارة، فيكتب ما يلي ".. بيد انى لا اميل فى الوقت الحاضر، الى تصور لمستقبل العمارة، فموقفي اليوم، لا يقر بامكانية التنبؤ. أي لا اقر بموقف الطوباي الذي يتصور ان لديه نظرية، او مكنة ريادية فى استشفاف عملية التصميم المستقبل. وبهذا يتعين ما تقوم به المهنة في المستقبل. قد لا يكون لهذا التصور الفكري أية جدوى فى مختلف مجالات التعاملات الاجتماعي. بما فى ذلك العمارة والفنون عامة، وفى التطور التكنولوجى، وحتى فى التكوين الاجتماعى. موقفي بالدرجة الاولى، يتحدد بالآنية. فاذا ما تمكنا من التعرف، على ماهية واقعنا، وعل تفسير الاحداث والظواهر، تفسيرا يقارب واقعها، فسنتمكن إذن حقا، من ادارة شؤون ذلك الواقع بطرائقية انجح وافضل، وبالتالي نتمكن من تهيئة غطاء وسقف افضل، منشأ ما يحتمي به، للفرد خاصة والمجتمع عامة." (الاخيضر والقصر البلوري، ص. 11).

وفي مكان آخر من الكتاب، يفسر المعمار العراقي رؤاه عن التنظير المعماري، فيقول ".. وجدت النظرية التى اعتمدها كلا الطرفين: اليساري واليمينى، المادي والمثالى، قد افترضوا مسبقا بان الفن يستند عموما على عنصرين هما المحتوى والشكل. ولكن حين خضعت هذة الفرضية للتمحيص والتدقيق والبحث، وجدتها قاصرة عن تفسير الواقع. وهذا بالضبط ما قمت به اثناء الدراسة بلندن. فطرحت بديلا عن تلك الفرضية، وفحواه: أن مقوم العمارة كجسم مادي، لا يتألف من عنصرين متجانسين، أو متناقضين، اي المحتوي والشكل كما قال به الموقفان المادي والمثالى، بل انه جسم مادي حقيقي تولد حصيلة لتفاعل جدلى بين مقررين هما: المطلب الاجتماعى والتكنولوجية الاجتماعية، وما الشكل إلا مظهر ذلك الجسم المادي، بعد أن يتم التفاعل ويركد، وما المحتوى الا أحد مقومات المطلب المتفاعل" (المصدر السابق، ص. 11).

وفي الكتاب اياه ينزع "رِفْعَةُ الجادِرْجي"الى توضيح ما يعتقد به من قيم فكرية معينة، استطاع بها أن يبلور مفاهيم فكرية خاصة به، فيكتب في هذا الشأن: ".. مار ست العمارة، على ضوء نظرية جدلية العمارة، وكانت دليلى الفكري الذي استرشدت به، فى المجالين: التطبيقي العملي، وفي تفسير كل من الاحداث التى تعرضت لها خاصة، وفي تفسير العمارة، كظاهرة اجتماعية عامة... فإني أن تمكنت، بهذا العرض، أن أبين بعض ما تم في التطبيق العملي في مجال العمارة والتنظير في العراق، وفي حقبة الممارسة، فأنني قد أكون بهذا قد سجلت بعض أحداث إحدى المهن الجديدة التى تسعى الى مد جذورها في القطر. قلت جديدة، لأن الانتاج بالعراق- والعمارة كالفنون الآخرى والصنائع – كان في تلك الحقبة في دور أنتقال، من العلاقات الاجتماعية الحرفية، الى العلاقات الصناعيةالمعاصرة. وهي لما تزل في هذا الدور، بل اذهب أبعد من ذلك فازعم بأن كيان المجتمع وبنيته، في حالة انتقال من تلك الوسيطية، ولم يصل بعد الى المعاصرة، اما التطور الذي طرأ على العمارة، فما هو إلا احد مظاهر هذا الانتقال. " (مصدر سابق، ص. 21).

نعرف ان المعمار "رِفْعَةُ الجادِرْجي" له إهتمامات ثقافية كثيرة، فبالاضافة الى ولعه بالتصوير الفوتوغرافي، فان ولج ايضاً حقل الدراسات الانثروبولوجية، وسعى وراء الاحاطة بهذا الحقل المعرفي أكاديمياً بدرسها في جامعة هارفارد عندما كان باحثا زائرا فيها في سنين الثمانينات من القرن الماضي. ولعل كتابه الممتع (مقام الجلوس في بيت عارف آغا: دراسة انثروبولوجية للعلاقة بين تكوين الهوية وأستعمال مُصنعات الجلوس"، الصادر سنة 2001، عن دار رياض الريس بلندن، يٌعتبر من الكتب الشيّقة في هذا المجال، والذي فيه يتناول المعمار شرح المفاهيم الانثروبولوجية من خلال مثال بغدادي واقعي. فنقرأ: ".. وبما أن هناك علاقة جدلية بين الوعي بوجودية الذات، وبين تسخير البدن في الجلوس والتعامل مع أداة الجلوس كالأثاث، فإن العلاقة بينهما- بين الوعي وتسخير البدن – تتغير وفق مفهوم المجتمع نحو مختلف مراتب الهويات التى يمارسها ذلك المجتمع. وهكذا تؤلف سلوكيات البدن نحو الأثاث ومواضع جلوسه دلالات عن حالات متنوعة من مرتبيات مقام الفرد وجاهته في المجتمع. وتبعاً لذلك تتغير أهمية هذة المرتبات أو المنزلة (status) وفق نوع الأثاث المستعمل في هذا التعامل، لما يدل عليه هذا الأثاث من قيم وعلى مرتبة اجتماعية تكون مقترنة بها. فمثلاً، تعامل البدن مع الكرسي والوجاهة التى تحصل بسببه وتأثير ذلك على هوية الجالس تختلف تماماُ عن حالة هوية الجالس أو المتربع على تخته، وهذا في مجتمع يمنح مقاماً أعلى للكرسي من التختة (والتختة هي مسطبة واطئة). ("مقام الجلوس في بيت عارف آغا"، ص. 14).

وعن مفهوم "المركزية الاوربية"- المفهوم الذي "قاد" شعوب القارة الاوربية يوماً (.. وما برح يقودها.. احياناً!)، الى اظهار نوع من التعالي والغطرسة والاقصاء تجاه "الآخر" المختلف، يسجل "رِفْعَةُ الجادِرْجي" رأيه فيها معكوسا على النشاط المعماري، عندما يفند "ادعاءت المركزية الأوروبية، وانتقاصها للكلتشريات المحلية" فيقول ".. فظهر الاستعمار الأوروبي الذي يّدعي بأن كلتشرياته وقيمه تتميز عن الحضارات الآخرى، ولذا فهو يتمتع بموقع حضاري مركزي يتفرد فيه. فانبنى على هذا الموقف رؤى تفوقية هدفها تحقيق عالم جديد، تفترض أن تلغى الكلتشريات والتقاليد الآخرى، وتسود الحضارات الاوروبية. روج البعض هذة الرؤى الاستعمارية، من خلال التبشير الخلاصي.." كتاب: (دور المعمار في حضارة الإنسان (2014)، بيروت، ص. 718).... ثم يقول ايضاً: ".. لا تأخذ هذة الكلتشريات المركزية المتشددة، بنظر الاعتبار واقع خصوصيات ظروف الكلتشرية المحلية، مقوماتها الإيجابية، وإمكانات تطورها وإغناء الحضارة المحلية بتوافق مع العالمية عامة. فأصبحت في الكثير من الحالات مركزية متحيزة، تخلو من رؤية واقعية لتعددية الحضارات، وخصوصياتها المنوعة، وإمكان ظهور بدائل تجعل تطور الحضارة الإنسان أغنى وأمتع" (مصدر سابق، ص. 719).

وفي مكان اخر من الكتاب يذكر المعمار العراقي حول ظاهرة <عولمة العمارة> فيكتب ما يلي ".. إن موقف المركزية الغربية، من العالم الآخر، يتصف بموقف متعال، واضح أحيانا ومصرح به مباشرة، ومستتر ومخفي أحيانا أخرى. وقد استمر هذا الموقف المستتبع للحضارات الأخرى، متعاليا ومتغطرسا أحيانا، عبر الاجيال، وتبلور الى أن ظهرت العولمة في عصرنا، بعد الحرب العالمية الثانية. وكان هذا الموقف المركزي والعالمي للغرب هو الذي حفز الفكر القيادي لمفهوم الحداثة بصيغتها العالمية، الذي يهمل مسألة ظروف المحلية ومتطلباتها في مختلف أرجاء العالم. فلم يراع متطلبات شبكة الكلتشريات المحلية، بما في ذلك التعليمية للمتطلبات التكنولوجية عندها. فعجزت كثير من الشعوب المحلية المستتبعة عن قدرة استيعاب متطلبات التعامل مع التكنولوجيا الممكنة المستوردة. فاقم ذلك تأثير النواحي السلبية المتضمنة في موقف العمارة الدولية وبخاصة في صوع ترجمتها وتكييفها لتتوافق مع البيئة المحلية، من النواحي الكلتشرية والمناخية، وهو ما سبب تلوث البيئة المعمرة بصريا وسيكولوجيا وأفرغها من وظيفتها الإنسانية" (المصدر السابق، ص. 723).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram