عدوية الهلالي
:قبل ان تبتلع مياه النهر الفتاة التي قررت الانتحار لأنها لم تحصل على المعدل الذي يؤهلها لدخول كلية الطب، كان هناك من يصور المشهد باهتمام ويراقب كيف تصارع الفتاة المياه.. لم يفكر في انقاذها أو طلب النجدة بل ظل يصورها حتى انتهت مقاومتها وسحبتها المياه الى أعماق النهر وهنا صاح: غرقت.. غرقت!
هزني هذا المشهد لسببين، الأول هو العشوائية في قبول الطلبة لدرجة ان معدل 95 لم يعد مجديا لصاحبه ولايساعده على دخول كليات المجموعة الطبية فيضطر بالتالي اما الى دخول كلية لاتناسب معدله او دخول كلية أهلية وهو الهدف الأكبر لفوضى التعليم في العراق او الانتحار كما فعلت الطالبة المسكينة بسبب الإحباط والعجز عن تقبل الامر.. اما السبب الثاني الافظع والأخطر فهو لامبالاة البعض أمام الموت واهتمامهم بتوثيقه للحصول على (لايكات) اكثر من انقاذ حياة انسان..
لنتوقف ونتساءل، ماالذي جعل الانتحار سلوكا مقبولا ومتزايدا لدينا في الآونة الأخيرة؟ ربما يعتبره البعض شجاعة وربما يكون جبنا وهروبا من مواجهة الواقع لكنه في النهاية محاولة الفرد انهاء حياته بنفسه وهو أمر لايخلو من شجاعة فللحياة طعم لذيذ لدى البشر مهما واجهوا من صعاب، كما لايخلو من تخاذل لعجز الانسان عن تحدي آلامه والانتصار عليها.. انه انطفاء ضوء الامل تماما في نفق الحياة لتصبح مظلمة ورهيبة ولايعود للتمسك بها ضرورة.. وأنا اعتقد انه رديف لليأس المطلق من تغيير حياة المرء أو تحسينها والا لماذا يقدم أب عشريني على حرق نفسه وولديه لأنه يعاني من عوز شديد ويعجز عن اعالة اسرته ولايملك سقفا يأويه او عملا مناسبا يسد معيشته؟..
صارت الدوافع كثيرة للانتحار لكن النتيجة واحدة وهي وصول المرء الى نقطة اللاعودة واختيار قرار صعب مثل انهاء الحياة للتخلص من ضغوطها.. هل يعني هذا اننا فقدنا القوة على مواجهة الصعاب وان الهشاشة صارت سمة غالبة على شخصياتنا أم ان الصعاب بلغت حدا لايمكن مقاومته وان ضغوط الحياة تزايدت بشدة بسبب تفاقم المتاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفوضى القرارات والتحكمات والتناحرات السياسية التي تقود البلد تدريجيا الى طرق مسدودة وتفقد الناس الشعور بانسانيتهم وكيانهم بل تفقدهم حقهم في الحياة الطبيعية لدرجة تفكيرهم في الانتحار!
كان لينشين الذي ابتدع أسلوب (الإعدام من دون محاكمة) لمعاقبة العبيد يقول (ابقوا العبيد أقوياء جسديا ولكن ضعفاء نفسيا ومعتمدون على السيد) وكان يقول أيضا (ابقوا الجسد وخذوا العقل).. وربما ماحدث معنا يشبه ماحدث مع العبيد في الماضي، فنحن أجساد بلا عقل ولا روح، نفوسنا باتت ضعيفة أما بالصفات السيئة التي اكتسبناها او بالعجز واليأس، ولازلنا ننتظر الحلول والحياة من السيد –أي الحكومات-..
نحن ضعفاء جدا لأننا نعتاش على وعود الساسة ويبدو ان الضعفاء لايرثون سوى الوعود الزائفة لهذا ينعدم لديهم الأمل بتغيير الواقع أو النجاة منه فيلجأون أحيانا الى الانتحار وتصبح فكرة الانتحار لديهم حلا سحريا.. ولكن، كيف يمكن ان تصبح هذه الفكرة المهلكة مقبولة لدينا وتحقق اكبر عدد من (اللايكات)؟..هذا هو الخراب الحقيقي!