اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > جاسم عاصي: الرواية سيرتي ومدونتي التي أترك على صفحاتها مفاهيمي

جاسم عاصي: الرواية سيرتي ومدونتي التي أترك على صفحاتها مفاهيمي

نشر في: 21 أغسطس, 2023: 11:40 م

يرى أن الأُسطوري والحدث في التاريخ خضعا، ويخضعان إلى الإضافات ومن ثم تداخل معناهما وحركتهما

حاوره/ علاء المفرجي

- 2 -

الروائي والناقد جاسم عاصي، ولد في كربلاء، وتخرج من دار المعلمين عام 1964،وعمل في التعليم إلى عام 2008حيث أُحيل على التقاعد.

أسس دار ثقافة الأطفال في مدينة كربلاء. أسس مكتبة تابعة إلى وزارة الثقافة العراقية / دار الشؤون الثقافية العامّة. بدأ النشر منذ عام 1966 في الصحف والمجلات العراقية والعربية.

له من المؤلفات ما يقرب من خمسين مؤلفا، بين القصة والرواية، والنقد التشكيلي، والنقد الفوتوغرافي، ومنها:

الخروج من الدائرة، ــ قصص ـ وخطوط بيانية، ــ قصص ـ والحفـــــــيد، ــ قصص ـ و مساقط الضوء. ــ قصص ـ وليالي المنافي البعيدة. – رواية - وما قيل وما... ــ رواية ــ انزياح الحجاب ما بعد الغياب. ــ رواية - والحلم والأسطورة/ مقاربات في الفن التشكيلي، هو الذي روى سيرة نص محمود عبد الوهاب، وأنساق المعنى / ــ دراسات في الرواية الفلسطينية.

التقته المدى في حوار وقفت فيه عند أهم محطات سيرته الإبداعية.

* حصلت على عدد من الجوائز الأدبية.. ما الذي تراه في هذه الجوائز؟ وهل تراها ضرورة لتحفيز المبدع على النتاج الأفضل أم تراها تكريما ليس إلا؟

- أعتقد أنها في وقت تكون دافعاً للمثابرة من منطلق رجاحة رأي لجنة المنح، وبالمقابل هي نوع من التكريم والتقدير. وحين حصلت على جائزة مؤسسة (ناجي النعمان) للرواية، كان شعوري أني أضع قدمي على الطريق الصحيح، فرواية (انزياح الحجاب ما بعد الغياب) وهي رواية فائزة، فيها اشتغال مغاير، خاصة ما هو متعلق في المكان. فقد وطأة أمكنة لم تستعملها السردية كمغتسلات أجساد الموتى، والمدافن (المقابر) وشعيرة الكتابة على الأكفان وغيرها. ما أُريد تأكيده أن الفوز يؤكد معتقدك في مضمار الكتابة، لأنه شهادة على منطق المتحقق الجديد. وفعلاً حصلت الرواية على جائزة اللإبداع أيضاً. فالحصول على الجائزة باعتقادي محطة للتأمل في الذات قصد اختيار الأكثر تحقيقاً للابتكار والتأمل. وهذا ما حصل عندي في رواية (ذاكرة القصب، ومكتبة السيد جوهر)، هاتين الروايتين تعاملتا وغيرهما مع التاريخ والمعرفة الصاعدة بالنص، ومنها الحكايات على سبيل المثال. كنت أُحاول استدراج الشخصيات وسمات تاريخها نحو النص بتلقائية وتحقيق للأُلفة بين الشخوص، بما فيها الأمكنة.

* كيف تتمكن التوفر على تعدد اهتماماتك؟

- التوفر دافعه الحاجة، سواء كانت للقراءة أو الكتابة، لا أتذكر أني أرغمت نفسي على الكتابة دون توفر احساس ودافع لعمل ما،خاصة أني أُفكر بمشاريعي خارج أجواء طقس الكتابة. بمعنى أتحاور في ما أنا مستمر في كتابته نصاً أو نقداً. فثمة مختبر يدور فيه نشاط يهيئ مستلزمات البدء بالكتابة.ومن بعد ذلك تنضج لدي ملاحظات مكملة للنص الذي أعمل عليه. وهكذا يستمر التعامل مع هذه الأجواء، خاصة أنا متفرغ للكتابة.

*ما الذي يجعلك تنساق الى الفوتوغراف خاصة وأنك وثقت نقديا أهم التجارب الفوتوغرافية في العراق؟ هل لك أن تحدثنا عن اسهاماتك في هذا الجانب ولماذا؟

- بدأت اهتماماتي في التبصر في هذا المجال منذ ستينيات القرن المنصرم، ولكني لم أُمارس الكتابة عن هذا الفن. فقد كنت مراقباً لنتاج الغير، أذكر مرة وأنا أمر على ستوديو الشاعر والمصور المبدع (رشيد مجيد) في مدينة الناصرية، شاهدت صورة كبير سدت الواجهة الكبيرة للأستوديو من الخارج. كانت الصورة تمثل رأس الإمام (الحسين (ع). لم أستوعب وقتها المفاجأة، بل ابتعدت حتى المقترب (الرصيف) المقابل، فاتضحت تفاصيل الصورة أكثر، كان أثر الدم والجرح على الجبين واضحاً ويُشير إلى الحدوث الآن. والرقبة تعكس حيوية الذبح.ثم استرسال شعر الرأس وشعر الذقن والشارب قليل الشعر، كانت الوجنتين بارزتين بينا متقعران أسفلهما. شعرت بقشعريرة مفاجئة عكستها بالإسراع للدخول إلى الأُستوديو، هب رشيد لاستقبالي وأدرك مبلغ سؤالي، حيث انبرى حصلت على (النيكَتف) من متحف في ايطاليا وقمت باستنساخه وتكبيره. ولم تبرحني تلك الصورة. كذلك لم أعرض عن مراقبتي لما ينتجه المصورين من نماذج (وهم كريم المصور وجبار المصور وغانم المصور وناصر عساف) وغيرهم، هذه المراقبة استمرت ونمّت فيَّ ذائقة الميل إلى الصورة الفوتوغرافية. حتى حان وقت قراءتها بعد حفنة من السنين. كانت حصيلتي كتاب تحت عنوان (العصا والضوء) طُبع في السويد، ضم تجارب المصورين (كفاح الأمين، ناصر عساف، عادل قاسم، فؤاد شاكر). بعد ذلك صدر لي كتاب (العين والضوء) وهو يرصد تجارب المصورين الكُرد، صدر عن مؤسسة سردم في السليمانية. تلاهما كتاب عن تجربة الفنان (هادي النجار) طُبع في مؤسسة الأديب في عمّان. ولدي أكثر من عشر كتب في دراسة تجارب المصورين العراقيين. وكما ذكرت لكم إن جهدي هذا هو استكمال لسد فراغات معرفية في شخصيتي الثقافية والمعرفية.

كانت إجابتي عن سؤال تعدد الاهتمامات، وكان ضمنها الاهتمام بالفوتوغراف. فأنا لم أنساق إلى الفوتوغراف، بقدر ما لبيت حاجتي إلى معرفة معينة. وفعلاً عملت على تصعيد معرفتي النظرية ــ النقدية في هذا الجنس. هذه المعرفة خضعت إلى الاطلاع على النماذج الكثيرة من المنجز الفوتوغرافي لفنانيين عراقيين منهم (ناظم رمزي / لطيف العاني/ عادل قاسم/ فؤاد شاكر/ إحسان الجيزاني/ علي طالب/ أكرم جرجيس)وغيرهم. تناولت أعمالهم في كتب مستقلة، أو ضمن كتاب تحت الطبع تحت عنوان (فضاء الصورة الفوتوغرافية). من كل هذا الجهد استطعت الإجابة على سؤالي لذاتي؛ ما الذي تريده من فن الفوتوغراف. وما زلت أُلاحق ذلك كملاحقتي لفن التشكيل والمسرح، بدليل انجازي لكتاب عن الفنان المسرحي الراحل (مهدي السماوي) مقابل كتاب عن جماعة (تخاطر)في كربلاء، وهو يؤرخ لأربعة فنانين أصدروا بياناً كما فعل الرواد والفنان (شاكر حسن آل سعيد) في بيانه التأملي. كذلك كتاب تحت عنوان (مسيرة التشكيل في مدينة كربلاء) وهو كتاب جامع لفنانين من مختلف الأجيال. ثم هناك كتاب تحت الطبع عن الفنان(صاحب أحمد).

* قراءاتك للأعمال التشكيلة تتعاطى مع المادة التشكيلة برؤية الأدب؟ كيف ترى ذلك؟

- النص الأدبي والنص التشكيلي، وجهان لصيغ مختلفة ومعنى مقترب من بعض. فالنظرة المعرفية للنص المكتوب لا تختلف عن النظرة الفنية للوحة. في دراساتي عن التشكيل أستند على المعرفة ووعيى الضرورة، إضافة إلى آلية الفن التشكيلي المعروفة. أنا أتعامل مع الخطوط والألوان والحركة على السطح مهما كان توجه اللوحة الفني، فهو يصب في ذات الرؤية المستندة إلى المعرفة. لا يمكن فصل المعنى عن الشكل،لذا تجدني أدرس اللوحة عبر النظرة الشمولية للفن، معتمداً على حرفة القراءة للوحة ومحتوياتها. فالعلاقة على السطح مجسدة بأبجدية خطية ولونية، ومهمتي هي دراسة تآلف الألوان وانسجامها، بما يحقق معنى صاعداً وسارداً لفكرة معينة.إذ ليس من الممكن فصل الحس الثقافي عن مجريات سطح اللوحة. لكني لا أخفي طبيعة كوني أديب يقرأ فناً تشكيلياً، وفق رؤية ونظرة تحتكم إلى المنهج وليس إلى خارجه.

* ماذا تعني عندك الكتابة لديك، على ضوء ما تقدم من كلام؟

- الكتابة هي نوع من وسيلة الخلاص والتحرر من شوائب الزمن ومتعلقات التاريخ بتنوعاته السلبية والايجابية. ثم أنها الوسيلة للتعامل مع الوجود،وما اختيار الأنماط سوى كونها جزء من تاريخي كإنسان وأديب يمارس حريته بالكتابة. لقد أصبحت الكتابة بعد أكثر من خمسين سنة من التواصل هي الجزء الأكبر المكمل لوجودي، والتخلص من أزماتي التي يُسقطها على كاهلي الزمن المر، مقابل ذلك أجدها جزءاً كبيراً من مسؤوليتي في الحياة. لذا لا ملاذ عندي سوى خيمة الكتابة وأنماطها. فحين أدخل إلى أي حقل معرفي للكتابة عن رموزه، كأني أدخل حقل مليء بالزهور والفراشات والطيور الملونة. إنها بمثابة التطهير بكامله، مثله مثل التعامل مع المقدس وطقوسه.

* والرواية تحديداً، هل تشكل مثل هذا النمط من الخلاص؟

- الرواية هي الفضاء الأكبر والأوسع الذي يحقق لي الحرية المفقودة، والتعامل وفق مناخها يعني التعامل مع الآخرين الذين يوسعون مجالات وجودي. فأنا بالتأكيد أتعامل في الرواية على العكس من كتابة القصة والمقالة، لأنها تشكيل جامع للزمان والمكان والفضاء والشخصيات مختلفة الخصائص.لذا أجد في الرواية مجالاً لإيجاد صلة مع العالم بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والثقافية. فالرحلة التي تطول تطرح أمامي مهمات ليست سهلة بسبب إقامة الصلة مع نماذج مختلفة من الشخصيات والأزمنة والأمكنة والتاريخ والتأريخ الأُسطوري. صحيح أن التعامل مع الرواية كتابة قد تطول كما ذكرت لك، إلا أن هذه الإطالة تمنحني فرص التفكير والتأمل والمراجعة بما هو موجود في فضاء الرواية. فهي تُزيد من معارفي خلال ما تقدمه من استنتاجات غير متوقعة في التخطيط للنص غير المتحقق أثناء الكتابة. الرواية ولادات لمواقف ونوع من طرح النماذج وحركة للزمن وتلون الأمكنة، وعطاءها المستمر. ولنا في رواية (غائب طعمة فرمان/ النخلة والجيران) درساً وفق هذا المنظور،حيث منحتنا درساً بليغاً في مثل هذا التعامل الصبور والممتحن. ما كذلك سطره(دستويفسكي) من تنوعات هي بالأساس فكرية.فحين أطلق(راسكيلنيكوف)عبارته في رواية(الجريمة والعقاب).. إني لم أقتل عجوزاً شمطاء ـبل قتلت نظاماً....ويعني به نظام الربا والجشع والذي يولد نمط الاستغلال في المجتمع.

أعتقد هكذا تكون القراءة وبمثلها تكون الكتابة. فالنص السردي مبطن بألغاز يتوجب تفكيكها.والكتابة الجادة،هي من يحقق معنى بليغاً ومستعاداً عبر الأزمنة، كما قرأنا ما طرحه(نجيب محفوظ) عبر سلسلة رواياته، منذ الروايات التي تناولت الحقب القديمة في المجتمع المصري،وحين لم يسترد شهيته في رواية (أولاد حارتنا) كتب رواية(الحرافيش)،لم يكن متأثراً بغابريل كما أكد،وإنما خضع لصورة التعبير بهذا المتن من السرد عن رؤيته لعالمه المضطرب.

* ما طبيعة مشاركة المثقف العراقي في الحياة العامة، هل كان للمثقف دور في ما يجري الان في العراق.

- يبدو لي أن المثقف يعيش مرحلة مهمة،سواء كان هذا على صعيد منجز القراءة والكتابة وسط بيئة مضطربة وواقع مترد،تقع مسؤولية معالجته على المثقف والأديب وبطرق مختلفة يجدها مناسبة لتاريخه في الكتابة الذي يجب المحافظة على نقائه،لأن المثقف من الطليعة المشرقة والمغيرة، وهي نتاج كد وتعب ومثابرة حيث صُقلت شخصيته وتدربت ذائقته على مبادئ رصينة وذات مساس بالواقع العراقي والإنساني.وقد توفرت قنوات الثقافة ونشطت تجمعات ساهمت في تصعيد وتيرة المساهمات في نقد الواقع وعرضها بموضوعية دون خسارة القيمة العليا للأدب ورسالته النبيلة.ولعل نشاطات اتحاد الأُدباء المركز العام وفروعه في المحافظات، تأكيد على كونه نشاط متعدد الأوجه، ومنطلق من إرادات راكزة وذات خبرة وتأريخ خالي من الشوائب،لعل التوفر على سلسلة الاصدارات للكتب خير مثال ايجابي،حيث أتاح المشروع للأدباء غير المتمكنين مادياً على ان ترى مؤلفاتهم النور بدعم من الاتحاد.ومن هذه الأنشطة. ما درج عليه الاتحاد من نشاط تحت لافتة(منبر العقل) خير مثال على مثل هذه المساعي، لأن مخاطبة العقل عبر نتاجه وعطائه الفكري يمنحنا قوة صاعدة، ويؤشر بشكل بليغ للذي يجري خارج العقل في تنظيم الحياة العراقية.ثمة مواقع راكدة في الحياة،وأُخرى نشطة سلبياً،بينما المتحقق الإيجابي يضمحل وتتوارى فعاليته.وهذا مرهون بالبنية السياسية ومنهجها في الاقتصاد كالزراعة والصناعة والتربية والتعليم.هذه الميادين هي من يشكل الحياة الصاعدة ويولد الأفكار الوطنية لتراب الأرض والتاريخ،وليس العزل بين المستقر والمتغير،الثابت على الفقر والصاعد في الثراء.هناك شرك صعب في الحياة العراقية، لا يمكن تفكيكه إلا بثورة العقل،والعقل بما يمتلكه من إرادة وصفاء ونبذ الغامض والمشوه. الخديعة أن تغيّب العقل.وأعتقد أن هذا يشمل ما تتعرض له الحياة التربوية بكل مراحلها،خاصة منح الشهادات العليا دون المستوى النوعي الذي يؤهل الممنوح في مجال يتطلب زرع الحيوية العقلية والقيّم الوطنية لدى الأجيال.نحن كمثقفين في اشتباك مع الحياة،والتضحيات جسيمة كما نراها.

* هل يعني هذا السكوت والانطواء والانزواء؟

- لا أرى هذا والدليل كما ذكرت من أمثلة على صعيد التطبيق، كذلك ما حفلت به المكتبات سواء كتب فكرية وإبداعية كانت على تماس مع هذه الظواهر السلبية،ولن بتحكم العقل أيضاً،الأمر يتطلب المثابرة عبر كل القنوات الممكنة.أن تأخذ هذه القنوات ذات الهوية الثقافية على عاتقها وضع البرامج التي من شأنها معالجة ما يجري بأسس علمية،وباقتدار وشجاعة.

* على ضوء هذا، ما نوع النماذج (الشخصيات) التي تعالجها في رواياتك؟وهل هي حاملة لمثل هذا الحس المعرفي؟

- النماذج مستله من الواقع الذي عشت ضمن حراكه، وأصبح تاريخاً بالنسبة لي. وهو تاريخ الجماعة. أُحاول عبر ذاكرة متمكنة من استعادة وتكييف وجودهم في النص وفق رؤية حديثة.فكل الذين عشت بين ظهرانيهم أضافوا إلى حياتي النوع، فهم نتاج بيئات مختلفة مائية وصحراوية وظروف عمل.لذا فوجودهم في رواياتي اغناء لتجربتي في الكتابة من جهة ووفاء لهم من جهة أُخرى. خاصة تلك التي عشت معهم في بيئة الريف والمسطحات المائية.إن الذين أعنيهم هم نتاج بيئتهم التي حمّلتهم إرث عبر جينات معرفية خبرت الحياة وأعطت نتائجها بجملة من الأفكار المعنية بصياغة الحياة.هم استطاعوا تنظيم حياتهم على أُسس فرضها عقلهم النيّر،فكيف لا أقتدي بهم،وأُجسدهم في ما أكتب. فهم لو عاشوا إلى الآن لكانت لهم آراء لا تختلف عن آراءنا، لأننا رضعنا من ثدي معارفهم ووعيهم للحياة.هم نماذج مائية سليلي حضارة عريقة.

* هل يمكن تحديد هوية نماذجك في الروايات؟

- نماذج رواياتي قريبين مني وحضورهم في الروايات تطلبته الضرورة المرتبطة بالتاريخ الخاص والعام. فشخصية (مردان) في رواية (مستعمرة المياه) مثلاً، هو نموذج روائي لشخصية من الواقع، علمتني كثيراً كيف اتمسك بالصبر والتأني في الفعل، كذلك (السيد يوسف) في محطة (لقيط) جنوب العراق. وهو حكّاء تدرب على خلق الحكايات ويحسن رويها ضمن مجالسنا في مقهى المنطقة.لذا فقد فوضته في البحث عن(حفيظ) لتحقيق مراد قومه في الخلاص. حيث أصبح الايشان رمزاً للخلاص.

كذلك شخصية(أبو زهير) في رواية (ما حفظه الجدار من أسرار).هذه الشخصية التقيت بها في محطة (أُور) وكانت شخصيته عبارة عن كتاب مفتوح لي. تناولتها في رواية(المكعبات الحجرية) التي كانت شخصياتها لا تلتقي مع بعض سوى وجودها في ذاكرتي التي عكستها على الورق. ولم استكملها بسبب نهايته المفجعة، حيث كانت طعاماً للذئاب في الصحراء التي اختارها ملاذاً وخلاصاً له.يومها قلت(لقد أكلت الذئاب علمه فجسده لم يكسه لحم وافر لأسنانها الجارحة.بينما أتعاطف كثيراً مع شخصية رواية (العائد من غفوته) نزيل مستشفى الرشاد. فقط استوطن المستشفى منذ ستينيات القرن المنصرم بسبب توجهه السياسي وأُودع في المستشفى بعد فقده الذاكرة بسبب التعذيب. ارسل من قبل دائرة الأمن آنذاك ونسي اسمه بين الملفات الكثيرة سيئة الصيت.الرواية تطول مع هذه الشخصية المحورية، وتظهر من خلالها علامات من التاريخ العراقي المتضمخ بظاهرة المصادرة لحقوق ووجود المغاير.

هذا ما أستطيع ذكره، لأن الحديث يتطلب التفاصيل.فما زلت أتعامل مع التاريخ بحيوية ونشاط،وأحث وأُدرب ذاكرتي على الاستعادة الحيّة.

* وأخيراً.. ما الذي يشغلك الآن؟

- يشغلني الكثير، لكني وبسبب نظام الكتابة في حياتي، أنشغل بنصين روائيين يعملان وفق مبدأ التناص الحذر، بمعنى أستل ما يؤكد هوية التوظيف فقط،وأدرج على تأليف ما أجده ضرورياً في حياتنا.

النص الأول تحت عنوان(في حضرة الأب زوسيما)، وهي شخصية مستلة من رواية(دستويفسكي/ الأخوةكارامازوف)،أي شخصية الراهب، وأليوشا من أُسرة كارامازوف ذو الميل الديني، الذي تربى بشطري الحياة؛حياة الأٍسرة الرافض لها وشخصية الدير الذي تعلق بوجود المقدس روحياً، وتعاطفه الواضح مع شخصية(سميرداكوف)أخوه غير الشرعي، والناتج عن نزوة الأب الجنسية مع الخادمة المسكينة. والذي دفعني أكثر مع أليوشا هو الإقدام من قبل سميرداكوف على قتل الأب وشنق نفسه بحبل نصبه وسط بهو البيت، وقد كتب (فرويد) نظريته (جريمة قتل الأب). الرواية تدور في فترة اعتراف الأب وهو يحتضر أمام اليوشا؛ حيث تتكشف حياة طويلة وحافلة بالأحداث، تلك التي عاشها الأب زوسيما، والتي كانت بمثابة درس لاهوتي لأليوشا، تدرب عليه وتجلد من أجل أن يكون راهباً بديلاً بعد الأب زوسيما.

والرواية الثانية كانت تحت عنوان(حانة سيدوري)، وفي الرواية تحويل المركزية من حاضرة أوروك وسلطة المعبد، نحو الحانة،حيث الحكيمة (سيدوري) المستقبلة كل من ينوي الذهاب إلى شعاب الأرض، والدخول في تجارب صعبة كرحلة (جلجامش وأنكيدو)إلى غابة الأرز، ثم رحلة(جلجامش) إلى بحر الظلمات، حيث الجد (أتونبشتم) للحصول على الخلود. كما وأن الحانة تأوي(أنكيدو) وإلغاء حادث موته، بسبب دلالة فعله في التغيير الذي لاقى معارضة من قبل جمع المعبد. تكتشف سيدوري أن أنكيدو يكتب الشعر، بعد أن كانت تتركه ساهراً في بهو الصالة.لقد عثرت على أوراق تركها سهواً على المنضدة، فهي تستيقظ مبكراً لإعداد مستلزمات الحانة. راحت تقراً ما كتبه من الشعر، وفي معظمه شعر كوني وداعي إلى البحث عن الخلاص..وهو نوع من الانحياز لشخصه وفعله الهادف إلى التغيير لصالح رعايا أُوروك.

يدخل الحانة الملك (جلجامش)بعد عودته من رحلته، وفقدان عشبة الخلود وسرقتها من قبل الأفعى.هذه الأجواء، مكاناً وزماناً تشكل هذه الرواية التي أعمل على انجازها على نار هادئة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram