TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > من قتل ديمليو؟!

من قتل ديمليو؟!

نشر في: 22 أغسطس, 2023: 11:34 م

محمد حميد رشيد

(لكن لا يبدو أن هناك حاجة ملحة لإخراجه. مُنعت من محاولة العودة إلى الداخل). الموقع الرسمي -Carolina Larriera السكرتيرة الخاصة لسيرجيو دي ميلو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق والذي وصل إلى بغداد في 1 يونيو/حزيران 2003م وزوجة ديمليو المدنية ورفيقته في العمل في أكثر من مكان في العالم ضمن مهام الأمم المتحدة

وهي تتحدث عن معاناتها أثناء تفجير مقر الأمم المتحدة في فندق القناة في بغداد يوم 19/8/2003 والذي قُتل فيه ما لا يقل عن 22 شخصًا وجرح اكثر من 100 شخص. يعتقد المحققون أن القنبلة صنعت من ذخائر قديمة من ترسانة العراق قبل الحرب، بما في ذلك قنبلة جوية تزن 500 رطل!.

وكان على ديمليو التعامل مع (سلطة التحالف المؤقتة) بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت فعالة ومسؤولة في العراق. كانت (السيدة لاريرا) عضوًا في بعثة صغيرة مؤلفة من 20 شخصًا برئاسة (سيرجيو دي ميلو) ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة في العراق. كان الواجب هو تنفيذ التفويض الذي كلف به قرار مجلس الأمن رقم 1483/2003، والذي يتضمن:

"تمكين العراق في أقرب وقت ممكن من استعادة السيادة الكاملة للعراق والعودة إلى المجتمع الدولي " ومنذ اليوم الاول بدأ ديمليوا بالألتقاء بالعراقين ودراسة الأوضاع في العراق ليخرج بأربعة محاور (تحديات) تمثل رغبة العراقيون:

أولاً: أراد العراقيون أن يروا أنفسهم مرة أخرى في قيادة بلدهم.

ثانياً: أرادوا تحقق الأمن وسيادة القانون.

ثالثًا: أرادوا إعادة الخدمات الأساسية (كهرباء، ماء، مدرسة)، إلخ.

رابعًا: أرادوا أن يروا إستقراراً دائماً في العراق.

وبداء ديمليوا العمل لتحقيق هذه الأهداف المعلنة ولكنه حذر (سيرجيو دي ميلو) مجلس الأمن من أن وجود الأمم المتحدة في العراق معرض للخطر وهناك أشخاص يمكن أن يسعوا لاستهداف الأمم المتحدة!.

فهل كانت البعثة مهددة من الإرهاب فقط؟!. (السيدة لاريرا) خلصت إلى أننا بحاجة إلى قوة الامم المتحدة لحماية الضعفاء من الطغيان. فمن هم الطغاة التي تقصدهم السيدة لاريرا؟

كان سيرجيو ديمليو يحرص على أن الأمم المتحدة يجب أن تكون مستقلة في العراق ولا تكون خاضعة لقوات الإحتلال وكان حريصاً على تطبيق القوانيين الأممية الحاكمة في العراق ولو تعارضت مع الإرادة الأمريكية المحتلة هناك.

- وهو رجل إنساني وصانع سلام يعمل في الأمم المتحدة –كونه وضع نفسه في قلب أهم الأزمات الجيوسياسية في نصف القرن الماضي. لقد أبرم صفقات مع القتلة من الخمير الحمر في كمبوديا، وواجه بالقوة قتلة الإبادة الجماعية من رواندا، واستخدم فكره وجاذبيته لمحاولة ترويض المتطرفين في لبنان وأفغانستان. نجح فييرا دي ميلو في كل مكان عمل فيه! ولكنه قتل في 19/8/2003 في (أول هجوم انتحاري كبير بالعراق) قبل أن ينجز مهمته!

كان التساؤل الأكبر الذي طرحه في العراق (وغير العراق أيضاً) متى تكون القوة العسكرية مبررة؟.

وأياً كان وراء مقتل ديمليوا فإن النتيجة المؤكدة والأخيرة إن مقتل ديمليوا إنهى دور الأمم المتحدة في العراق وتخلصت الإدارة الأمريكية هناك من أكبر وأخطرمعارض لسياستها في العراق ولسياسة برايمر على وجه الخصوص؛ حيث برز التناقض بين سياسة (ديمليو) التي أراد أن يكون للأمم المتحدة دوراً في سياسة العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وأن تبقى ولاية الأمم المتحدة على أموال العراق (صندوق النفط مقابل الدواء) لحين تأسيس نظام وطني معترف به من قبل الأمم المتحدة وبعد التصويت على ذلك وكان (ديمليو) حريصاً على إستقلال العراق بأسرع ما يمكن وخروج القوات المحتلة منه لكن كل ذلك كان بالضد من سياسة (برايمر) في العراق الذي كان حريصاً على السيطرة على أموال العراق وثرواته وتسيس نظام حكم وتجربة سياسية برعاية أمريكية وأن لا سلطة فوق سلطته وخروج القوات الأمريكية وقوات التحالف يكون وفق الإرادة الأمريكية وقرارها الخاص وأن يحجم من دور الأمم المتحدة وحصرها في الجوانب الإنسانية فقط..!

وفعلاً أستطاع بريمر أن يحجم دور الأمم المتحدة بل أنه استطاع منع السياسيين العراقيين المشاركين في العملية السياسية آنذاك من سماع حتى صوت الأمم المتحدة ورغم كل (عبقرية) (سير جيو فيبرا دي ميلو) وخبرته الدبلوماسية والسياسية في معالجة الأزمات، ورغم كل النشاط والمساعي الدؤوبة واللقاءات والتحركات التي قام بها داخل وخارج العراق والتقى خلالها بكل شرائح المجتمع العراقي ومع كل الجماعات السياسية والمرجعيات الدينية وزعماء القبائل وكبار الموظفين المدنيين ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والروابط النسائية والصحفيبن والمهنيين ورجال الأعمال وكل السياسيين دون استثناء، وزار محافظات البصرة وأربيل والنجف والحلة.وحرص على ترتيب عدة أجتماعات تجمع بين الأمم المتحدة وممثلي الشعب العراقي وممثلي الائتلاف. وأتصل مع ممثلي الدوائر الدبلوماسية في العراق ولم يترك وفدا دبلوماسي أو برلماني يزور العراق إلا والتقى به. ورغم حرصه الشديد على تعزيز الجهود لإعادة وإنشاء المؤسسات الوطنية والمحلية اللازمة للحكم الممثل للشعب. ورغم حرصه الكبير على تعزيز وتنشيط وتطوير دور الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والسياسية في العراق. ورغم إعلانه المتكرر على لسانة أو لسان الأمين العام (الذي كان على صلة مباشرة ويومية معه) وفي أكثر من مناسبة وأكثر من مكان ومن داخل العراق وخارجة ومن على منصة مجلس الأمن:

]حرصه الشديد على مصالح الشعب العراقي ولا سيما مطالبته بالتبكير بأستعادة السيادة العراقية ودعى إلى ضرورة أن تضطلع الأمم المتحدة بدور نشط وتحديداً في تيسير ودعم عملية التحول السياسي في ظل الأمم المتحدة كي تكسب العملية السياسية الشرعية العملية[.

رغم كل هذا لم يحظ (ديمليو) بما حظى به (بريمر) من اهتمام ودعم ولم يلتف حوله السياسيون العراقيون كما التفوا حول (بريمر) إلى درجة أن بدأ يتهرب منهم، ومن تملقهم وتقربهم الشديد منه، وكلما سخر منهم أو هددهم أقتربوا أكثر.

كانوا يلهثون وراءه رغم علمهم بأنه يمثل الاحتلال وأنه كان (حاكما) بأمره (وأنه كان يفرض عليهم ما يريده وأنه يمثل مصلحة بلده القومية وخاضعاً لها. ولم يكن هناك من يعترض عليه وكان الجميع تبع وأمعه لأرادته وقراره، غير مستعداً لمراجعة مايأمر به [الحاكم بأمره].. إلا مايأمر هو بمراجعته، مدركين أن مصلحتهم الشخصية أو الحزبية أو الطائفية معه متناسين أن مصلحة وطنهم تقتضي على الأقل معاملة الند أو الاستعانة بالأمم المتحدة لتقوية موقفهم. بينما كان (ديمليو) المعارض الوحيد والند لسياسته في العراق.

وكان هذا المبرر الكبير لإزاح (ديمليو) من المشهد فكان التفجير المروع الذي حدث في مقر الأمم المتحدة في العراق وتركز الإنفجار على المكان الذي كان مقرراً ان يجتمع فيه (بريمر مع ديمليوا) إلا أن (بريمر) أجل الإجتماع في اللحظات الأخيرة! في أول تفجير إرهابي بهذا الحجم وهذه الإمكانيات المتطورة في مكان حصين لا يدخله أحد إلا بتصريح خاص ولا يمكن أن تدخله سيارة إلا سيارة ممثل الأمين العام في العراق! وكان هذا التفجير باكورة للأعمال الإرهابية التي تلتها ومنها (على سبيل المثال) تفجير السفارة الأردنية في العراق.

أستطاع برايمر أنشاء مقاومة تقتل اهلها وتحارب نفسها وتصفي قادتها لغرض تكليفها بواجبات خاصة وتشويه سمعتها وتبرير وحشية قوات الاحتلال! ولبرايمر تجربته السابقة في الهندوراس.

ثلاث ساعات ونصف تحت الانقاض وبدون محاولات جادة حقيقية لإنقاذه والوسيلة الوحيدة حقيبة اسعافات اولية صغيرة جداً كان الجيش الامريكي قادراًعلى اتخاذ تدابير أكثر جدية لإنقاذه وكانت آخر كلمات دمليو وهو راقد تحت الأنقاض في إنتظار الموت

"لا تدعهم يسحبون الأمم المتحدة من العراق. لا تدعهم يفشلوا في هذه المهمة". وبعدها مات الإنسان وبقي سر تصفيته يحتاج إلى دراسة وتمحيص وسأفصل أسرار ذلك في كتابي القادم (من قتل ديمليو!) إن شاء الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Khattab

    معلمومات خطيرة ومشوقة في أنتضار الكتاب

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

فشل المشروع الطائفي في العراق

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram