د. أحمد عبد الرزاق شكارة
أفتتح السيد محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء المعهد العالي لإعداد، تدريب وتآهيل القادة في الامانة العامة لمجلس الوزراء في بداية شهر آب / أغسطس 2023. مسؤولية وطنية كبرى ولاشك ينتظرها بلدنا بفروغ الصبر كونها – إن تحققت فعليا - ستمثل أحد الروافد المهمة في بناء الدولة المدنية الحديثة – دولة المؤسسات الحقيقة التي تستند لكوادر متخصصة وكفوءة بعيدة عن كل شيء يمت للمحاصصة المقيتة بصلة.
ما يعني اولا وقبل شيئ ضرورة حسن اختيار المؤهلين والمتدربين للدورات الادارية - القيادية مع إهتمام واضح بضرورة إعداد منهج قويم - حديث قابل للتكييف مع متغيرات العصر- للدورة التدريبية الذي يفترض إبتداءا أن يعلن بكل تفاصيله أو محاوره ممتزجا بالمعايير والشروط الاساسية المطلوبة لقبول من يستحق الانضمام إليه فعليا أي أختيار أفضل الكفاءات المتخصصة للاعداد والتدريب والتآهيل لقادة المستقبل بعيدا عن تأثيرات الاحزاب والتكتلات السياسية وغيرها من اشكال المحاصصات. من هنا أهمية صياغة منهج موضوعي - معرفي، تقني، دبلوماسي -سياسي يتوافق مع افضل متغيرات العصر الحديث متضمنا اولإ إمتحان كفاءة: شاملا معرفيا وعلميا وعمليا يهتم بأولوية إعلاء مصلحة العراق الوطنية اولا مع ضرورة استيعاب أحدث التجارب والخبرات الناجحة لدول العالم خاصة تلك التي تتواءم نسبيا ظروفها وإمكاناتها مع العراق. كما أنه طوال مدة الدورة لابد من التأسيس لأختبارات مكملة في الذكاء العاطفي Emotional Intelligence والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وغيره من انواع الإذكاء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي إضافة لإهمية الانتباه لمدى أهمية متابعة أحدث التقنيات العلمية والمعرفية من خلال استيعاب مناسب لانواع المعارف من مختلف التخصصات الانسانية بصورة يمكن معها القول بإن التمكين Empowerment State حالة لاغنى عنها لكل شخص (مواطن ومواطنة) يفترض أن يحيط بكم ونوع مفيد ومناسب من المعلومات الاساسية او الضرورية في بناء الامم والدول تنعش الاوضاع وترفع من أهمية القيمة الحضارية لبلاد الرافدين (العراق).
إن التكامل والترابط والتفاعل المعرفي والعلمي والعلمي بين المعاهد الادارية والدبلوماسية – السياسية لبيوت الخبرة Think Tank Bodiesوغيرها مسألة مفروض منها كون عالم اليوم يشجع على الاهتمام بمحاضرات وورش عمل Workshopsالتي تلم بتخصصات متنوعة ومتداخلة تجمع مابين العلوم البحتة والطبيعية من جهة والعلوم الاجتماعية – الانسانية من جهة أخرى بصورة متوازنة نسبيا. الامر الذي يقتضي أختيار آخر غاية في الاهمية الا وهو أختيار أفضل الكفاءات العلمية من قبل لجنة هي الاخرى تتمتع بالكفاءة والاستقلالية كي يعهد إليها بتقديم البرامج التدريسية المناسبة للعراق تتكيف مع مشاريع التنمية الكبرى التي تتنهجها حكومة السيد السوداني مثل طريق التنمية أي أولوية السير وفقا للتفكير الابداعي الذي لايعتمد على التلقين أو مجرد حفظ المعلومات الجامدة بعيدا عن إعمال التفكير والاهتمام بمتابعة أحدث التقنيات العلمية والعملية بغية استيعاب ما يناسب ظروف وتقاليد ورؤية قادة البلاد لمستقبل بلادهم. ترتيبا على ما تقدم فإن دور المبآداة واهمية طرح المبادرات المهمة جدا إتساقا مع ترجمة المفاهيم والنظريات إلى مشروعات للنهضة وللاعمار والتنمية الانسانية المستدامة تعد محورا اساسيا لبناء الدول والامم وبضمنها العراق بلد الحضارات القديمة التي حققت للعراق طفرات وإختراقات علمية وعملية وفلسفية – فكرية – أخلاقية في عصور إزدهار وليس في عصور الجهل والتخلف المادي والقيمي – الاخلاقي التي انتابت بلادنا في مراحل زمنية مختلفة خاصة عقب سقوط عاصمة حاضرة الدولة الاسلامية" بغداد " في 1258 ومابعدها من عهود إضعف العراق وضعف لاسباب صراعات اقليمية ودولية جعلته ساحة خلفية لمصالح دول كبرى أو اقليمية. حيث تراجعت محركات وقوى التقدم في العراق إلى الخلف كثيرا بدل أن تتاح فرصا كافية للنمو وللتنمية الانسانية المستدامة التي كانت ستعزز دور البلاد وطنيا، اقليميا ودوليا ضمن إطار جيوسياسي يهدف لتقليص مساحات التوتر وحالات العنف والامتناع عن الحروب والاصطراعات العبثية مع دول الجوار وغيرها من جهة مع أهتمام واضح تتوجه رؤية قيادية وطنية وعربية - إسلامية - بل وإنسانية تركز على دور المواطنين في بناء وتعزيز" الانسان " مصدر او لب موضوع الدول الحريصة على التقدم والازدهار بنفس حرصها على التمسك بتأريخها الحضاري -الانساني. من منظور علمي وواقعي فإن ما يعجل ببناء كيان أصلاحي وتنموي إنساني مستدام يرتبط بفهمنا وإدراكنا وتحليلنا السليم للعلاقة التفاعلية المتبادلة بين دور جينات الانسان والبيئة المحيطة.
ما ورد في كتاب عنوانه: "العبقري لدى كل منا - The Genius in All of US" مؤلفه ديفيد شنك David Shenk حيث يبين بما لايدع للشك ان العلاقة بين الجينات من جهة والبيئة المحيطة تكاملية وعضوية ترفد إحدها للاخرى بالمعلومات والافكار والمشاعر المنيرة المتفتحة على عمليات التغيير أي ببساطة تشير إلى ان الجينات لاتعمل لوحدها بمعزل عن بيئة العمل ما يعني انها لاتقرر بإعتباطية او عشوائية وإنفرادية من قبل صناع القرار كونها من الضروري أن تستند إلى سمات وقيم أخلاقية وفقا لروح العدل الاجتماعي - الانساني او إتساقا مع متغيرات العصر غير المتيقن منها ايضا. لاشك إذن بإن عملية التفاعل بين الشعب وحكامه يفترض أن تتميز بسمة داينمية ستنعكس وفقا لطرق استثمارها او ترجمتها عمليا على نتائج الاحكام الصادرة إما سلبا أم إيجابا. من هنا مثلا يمكننا ان ندرك بإن الذكاء الذي يتمتع به بعض افراد مجتمعنا ليس مسألة متصلة بجينات وراثية فقط بل بمجموعة من المهارات التي يمكن تطويرها من خلال عملية تفاعل مستدامة بين المركبات الجينية وعناصر البيئة على مختلف انواعها واشكالها. لايولد الشخص فقط بكمية محددة او مقننة من الذكاء إذ يمكن أن ينمو وتتطور نسبة الذكاء لديه مستقبلا. إن نسب التأثير البيئي الخارجي من المحيط هي أعلى بكثير من نسب المركبات الجينية التي تصدر اوامر للعقل البشري بإتخاذ قرارات معينة على حساب قرارات أخرى. لعل من المناسب الاشارة إلى أن ما ورد في الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس الوزراء تبين بشكل واضح أن الخلل في إدارة البلاد يرجع في جانب رئيس منه إلى عاملين اساسيين: اولهما سوء الادارة والفشل في إتخاذ عدد من الادارات والمؤسسات لعدم وجود أكفاء يستطيعون صناعة قرارات فاعلة ومؤثرة تنعكس خدميا على رفع مستوى ونوعية الادارة وثانيا يرجع الموضوع إذا ما قرأ بين السطور - تحليل المضمون للخطاب الرسمي للسيد السوداني - حتى إلى ما قبل يوم الافتتاح الرسمي للمعهد العالي لبناء القادة إلى ظاهرة الفساد التي استشرت منذ مراحل سابقة لحكومات لم تستطع أن تحقق إنجازات ملموسة حقيقية على الارض يلامسها الفرد او المواطن الامر الذي يستدعي وجود قيادات شابة واخرى ذات خبرة تستطيع أن تعالج الخلل وتصحح أو تجدد بل وتبدع في بناء عراق جديد منتج داخليا وخارجيا.
من هنا، أهمية الاشارة ايضا لسيادته حول مدى وحجم أهمية المسؤولية الملقاة على النخبة التفاوضية التي سينتجها المعهد مستقبلا، نخبة كفوءة متخصصة تجعل الوفود التفاوضية تتمتع بسمات تمكنها من توصل العراق إلى اتفاقات واقعية ومهمة تلبي مصالح العراق اولا مع الالتزام بمعادلة الربح المتعادل المنصف نسبيا للاستثمار المميز في مختلف المشروعات الانسانية. هذا ومن منظور مكمل سيتمكن العراق من عقد وتنفيذ ومتابعة كافة الإتفاقيات الخاصة بالبني التحتية من مياه وكهرباء، نقل ومواصلات وإتصالات رقمية وخدمة عامة كلها يفترض ان تصب في مساحات متسعة لمصالح العراق الوطنية اساسا مع الاهتمام بتأسيس بنيوية جديدة للتفاوض المثمر بالتعاون مع معهد الخدمة الخارجية - الدبلوماسية والمعاهد الاخرى ضمن إطارمؤسسي منظم ومخطط له جيدا بصورة تمكن منظمات المجتمع المدني بل وحتى الشخصيات الكفوءة الحريصة على حفظ وتنمية مصالح العراق الحيوية من رفد خبراتها الثمينة إليها. ترتيبا على ما تقدم يبدو من الاهمية بمكان تشجيع وتعزيز ثقافة التمميز او حالة الامتياز The Culture of Excellence التي تؤسس دورا مجتمعيا - سياسيا او لنقل أستراتيجيا حيويا يقدم لنا افضل النخب العلمية والثقافية التي تتمتع بالكفاءة القيادية المتميزة مقارنة باقرانها او منافسيها تفدم لنا الافضل والانسب من السمات او الخصائص القيادية من منطلق عدم الركون إلى ادوات دبلوماسية تقليدية عفى عليها الزمن ولم تعد تناسب عصر التقنيات الآلية الجديد وعصر الاطاقة المتجددة بعيدا عن ظروف الدولة الريعية غير المستقرة وبصورة معها القضاء على الفساد الذي يعيش في مرحلة ما قبل القرون الوسطى دون إعمال لتغيرات إيجابية تنجح مسيرة العراق في التغلب على أزماته مع جيرانه الذين يجدون في ضعف العراق نسبيا منطلقا مناسبا للحصول على منافعهم الذاتية على حساب تنمية المصلحة الوطنية. أخيرا لابد للجهات والمؤسسات لوزارية - الأدارية أن تتعاون وتنسق مع بعضها وصولا لمواقف سياسية - دبلوماسية (تفاوضية) تحقق لبلادنا الاستقرار والامن والازدهار الاقتصادي - الثقافي بعيدا عن مناخ الازمات المركبة والمعقدة بضمنها أزمة التغيير المناخي القاسية جدا وغيرها خاصة مع تصاعد فرص عدم النجاح المناسب او المتوقع لخطط الدولة عبر سنوات سابقة في إستثمار شريحة خريجي الجامعات والمعاهد في برامج متطورة للتنمية البشرية المستدامة في القطاع الخاص. مسألة إذن تتطلب مزيدا من النضال والصبر والسعي الدؤوب او الحثيث وصولا لإنجاز اهداف الدولة المدنية في كافة حقول الحياة..
