اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > جوليا ساندرز ودراسات الأقلمة

جوليا ساندرز ودراسات الأقلمة

نشر في: 26 أغسطس, 2023: 11:56 م

د. نادية هناوي

جوليا ساندرز باحثة وناقدة بريطانية وأستاذة اللغة الانجليزية في جامعة نيوكاسل، لها كتاب (الأقلمة والمصادرة)

ويعد من أوائل ما ألف في دراسات الأقلمة، ولاقت طبعته الأولى الصادرة عام 2006 اهتماما خاصا من لدن باحثين ونقاد في جامعات غربية كثيرة وجامعتي هونغ كونغ ونوتنجهام ننغبو الصينية وفي جامعات ماليزيا أيضا. ثم صدرت لهذا الكتاب طبعة ثانية عام 2016، وفيه تقدم المؤلفة كشفا لما واجهته دراسات الأقلمة قبلها من إشكاليات، وأهمها إشكالية فك الاشتباك بين الأقلمة والتناص.

ومنذ المقدمة تؤكد ساندرز أن الأقلمة ليست هي التناص الذي يعني ارتباط النصوص بشبكة من نصوص أخرى ذات أشكال فنية مختلفة، وحددت تعريفات الأقلمة وما لها من سياسات ثقافية وجمالية، تنطلق من دوافع العالمية والمحلية وتأثير التقنيات الرقمية الجديدة. وفرقت بين الأقلمة والمصادرة التي تعني التغاضي عن حق الملكية الفردية في الابتكار الشخصي والتجاوز على نص هو أصل ومصدر من دون إذن في أن يكون معتمدا أدبيا، كما في تعابر نصوص الادب المعاصر الى المسرح والتلفزيون والفيلم. وبذلك تستكمل ساندرز القول في التناص وما تناولته النظرية البنيوية وما بعد البنيوية وما بعد الاستعمارية وما بعد الحداثية من دراسات حول النسوية والجندر(الجنوسة).

أما مجالات دراسة الأقلمة والمصادرة فحددتها جوليا ساندرز بالنصوص الكلاسيكية كمسرحيات شكسبير وروايات ديكنز والنماذج الادبية القديمة مثل الحكايات الخرافية والاساطير والفلكلور.

ويتألف كتاب ساندرز الذي يعد مصدرا مهما لدارسي أقلمة الادب والافلام والاعلام والثقافة، من مقدمة وثلاثة أقسام، اهتم القسم الأول بتحديد مصطلحي الأقلمة والمصادرة، وتناول القسم الثاني تطبيقات كما يأتي: 1) هنا تغيير غريب: مصادرة شكسبير، 2) انها قصة قديمة جدا: اسطورة استعارة، 3) أشكال أخرى من الحكاية الخرافية والفلكلور.

وتكمن قيمة الكتاب برأينا في القسم الثالث وفيه طرحت ساندرز مفهوم(وجهة النظر البديلة) وناقشت طرائق بنائها في ثلاثة مباحث هي: 1)نحن الفكتوريين الاخرين أو استعادة فكر القرن التاسع عشر، 2) التاريخ الممتد أو مصادرة الوقائع 3) سرديات مخصوصة: حق النشر والعمل الفني في عصر استنساخ التكنولوجيا.

واستهلت المؤلفة كتابها بقولين: الاول نقدي لجيرار جينيت(من يحب النصوص عليه أن يتمنى من وقت لآخر أن يحب في الأقل النصين معا) والآخر سردي(كانت هناك كما هو الحال في جميع الأعمال التجارية الملتوية، رزمتان من الكتب) من رواية(Jack Maggs1997) للاسترالي بيتر كاري.

ولان مقولة ت. س. اليوت (لا يتغير الفن أبدا لكن مادة الفن هي التي لا تبقى على حالها) تصب في باب ما أرادت ساندرز تأكيده، وشحت بها مقدمة كتابها المعنونة(مستمرة وتعمل). وفيها وضحت كيف أن المادة الادبية موجودة في مختلف الأشكال وعديد الوسائط والاجناس مما يجعل أمر التواصل أو الاتصال مستمرا. وهنا مكمن الخطورة فأي تداخل تناصي سيكشف عن مظاهر محددة من الأقلمة أو الاستيلاء من ناحية ابتداع الفن للفن أو صناعة الادب للأدب وسيظهر أن مثل هذه النشاطات ستخدم الذات القارئة أو الباحثة وتحفزها على إعادة الحياة للنصوص الأدبية ومن خلال ذلك تعيين هوية هذه الذات.

وكان باختين قد درس انتاج النصوص من نصوص أخرى، لكن ساندرز تركز على هذه الانتاجية من ناحية أقلمة النص الأصل أو مصادرته والاستيلاء عليه. وهذا ما يجعل من مفهومي(الاصل) و(المصدر) محورا يدور حوله هذا الكتاب.

وتؤكد ساندرز أن ادوارد سعيد كان قد تناول إعادة كتابة الأصل وأن جاك دريدا تحدث عن اعادة الكتابة كرغبة داخلية في التحرر من الاشياء التي تعود ملكيتها الى الذات، لكنها تستدرك على اعادة الكتابة بمفهوم يقترب كثيرا منها هو مفهوم الانفتاح النصي الذي جاءت به ما بعد البنيوية في ستينيات القرن الماضي وتحديدا في فرنسا، وما وسعه ليفي شتراوس في هذا المجال بالانتقال من دراسة النص إلى دراسة هياكل الثقافات. وهو ما تراه ساندرز قد أثر في جوليا كرسطيفا فاجترحت في مقالها الموسوم (النص المقيد) مصطلح(التناص) ويعني العملية التي من خلالها يكون النص حصيلة تشكل فسيفسائي من نصوص سابقة. وأن كرسطيفا أفادت من السيميائية في شرح أنماط جديدة من التناص هي نتاج تغلغل النصوص كإشارات ودلالات وألفاظ داخل ثقافة عصر الويب. وهذا ما تراه ساندرز يفتح المجال لإبداعات جماعية وشخصية في صناعة منصات ومواقع تعيد مزج مفرداتنا اليومية وتأليف الافكار وابتداعها بشكل حر، وما من ملكية فكرية تؤخذ بالحسبان في عملية الوصول المفتوح كما لا تواريخ أو علاقات متماسكة توجب أن يكون هناك التزام أخلاقي أو فني في الأخذ من المصدر.

وتأخذ ساندرز على كرسطيفا نظرتها غير الحصرية للأدب، كونها لم تول اهتماما للأصول التي شكلت الدراما والرقص والموسيقى وعلوم الكومبيوتر والرقميات. في حين كان للأصل أهمية في العصر الفكتوري، فكثر استعمال مفردات الاختراق واعادة الرؤية واعادة التشكيل والنص التشعبي والطرس واعادة الكتابة وغيرها من المفردات التي تزعزع تنظيرات بارت وكرسطيفيا وتعيد الاعتبار لحقوق النشر والتأليف والملكية الفكرية.

وتؤكد ساندرز أنه وبالرغم من صعوبة دراسة المصادرة مع سيادة مقولة (موت المؤلف) لبارت وفوكو، فإن قدرة هذه المقولة على زعزعة سلطة النص الأصل/ original text ليست تامة وأحيانا متضاربة المعنى وهو أمر جدير بالتأمل، يشجع على الاستمرار في دراسة التناص بشكل موسع من ناحية العلاقات النصية وشبكة التواصل وأنظمة القيم في التفكير في النصوص التي لها تاريخ بعيد وتطورت عبر العصور وبالتدريج في أشكال وأنواع مختلفة. ويعد مفهوم " المصدر" الأول في التسلسل في دراسة الأعمال الكلاسيكية. ومثلت ساندرز عليها بقصة أليس في بلاد العجائب ومسرحية روميو وجوليت لشكسبير وأفلام والت دزني.

ومن يعد الى روايات جورج اليوت وتوماس هاردي والاخوات برونتي، فسيجد اقتباسات شكسبيرية، لكنها ليست تناصات لإنشاء كائن نصي جمالي جديد على الطريقة الفرنسية(افعل ذلك بنفسك) بل هي بحسب ساندرز تفاعلات تدل على استمرار المصدر في التأثير وأن من غير الجائز مصادرة ملكيته والاستيلاء عليه بطريقة البريكولاج. ومن الروايات التي تأقلمت مع الاصل روايات ديفو وديكنز وكذلك رواية يوليسس لجيمس جويس 1922 الملحمة الايرلندية التي باستعمالها أسلوب المحاكاة الساخرة تمكنت من اقامة علاقة هيكيلة مع ملحمة هوميروس فاختزلت عشر سنوات بيوم واحد من أيام دبلن.

ومن مصادر الأقلمة عمليات الترجمة، ونقلت ساندرز عن سوزان بانسيت قولها:(إن الترجمة شكل من أشكال الإعادة والتشكيل الثقافي) واذا كانت الأقلمة ذات دلالة على شرعية الاقتباس عن أصل أدبي أو ثقافي راسخ، فإن للمصادرة دلالة عدائية في استملاك الأصل وتغييره توافقا أو تعارضا، ولتوضيح مغبة هذه العدائية استعملت ساندرز عبارة(عندما أيقظنا الميت: الكتابة بوصفها اعادة نظر) وهي عنوان كتاب لادريان ريتش، صدرت طبعته الأولى عام 1971.

إن ما تسعى اليه ساندرز هو توضيح الفارق بين(الأقلمة والمصادرة) فالكاتب يملك الحق في إعادة الرؤية والنظر الى الوراء ويمكنه من ثم أن يكتب عن أصل ماض بروح جديدة مختلفة، لكن ذلك ينبغي أن يكون من أجل التحرر أو تقليد الأصل وليس تناسيه أو القطيعة الجذرية معه، فاليوت يستدعي الماضي الادبي لتعزيز إبداعه الحاضر، ولكنه كان يصر على الفهم التاريخي لذلك الماضي كي لا يناقض نفسه وهو يتبع الأصل. وهذا ما تراه ساندرز واجبا على كتاب النسوية وما بعد الكولونيالية أن يلتزموا به، لا أن تكون العلاقة مشحونة بالمغالبة بين الكاتب والميراث الادبي كمثل صراع اوديبي بين الابناء والاباء.

وترى ساندرز مشكلة رئيسة في تركيز هارلود بلوم على المبدع الفردي والعبقرية الادبية واعادة صيغتها في سياقات جديدة، وذلك من ناحيتين: الأولى هي القدرة على التعرف على اولئك الذين يشكلون الأصل والثانية هي إمكانية تخطي التقاليد في إعادة كتابة رواية او مسرحية أو قصيدة أو فيلم، تكرارا أو توسعا أو انكماشا أو استنساخا أو تضمينا.

إجمالا، فان لمفهومي الأصل والمصدر أهمية كبيرة، لانهما الدليل على بطلان مشاعية التناص فللنصوص الأدبية ملكية فيما يجري من عمليات تغذي بعضها بعضا مما يصنع مزيدا من الادب الذي معه تكون المتعة مضاعفة كما تقول ليندا هيتشون. وما دامت المتعة موجودة، فإن الكتابة ستستمر في القراءة وبالقراءة وعبر القراءة أيضا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram