TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لماذا تكره الدول المال السليم؟

لماذا تكره الدول المال السليم؟

نشر في: 27 أغسطس, 2023: 11:04 م

دانيال لاكال

ترجمة: المدى

في جميع الاقتصادات المتقدمة، تختفي الطبقة الوسطى بسبب عملية تآكل مستمرة لقدرتها على تسلق السلم الاجتماعي. ويحدث هذا وسط محاولات تحفيز ضخمة وبرامج حقوق شاملة وإنفاق لا نهاية له وبرامج "رفاهية".

في الواقع، يجب على أولئك الذين يلومون الرأسمالية والأسواق الحرة على مسؤولية التآكل المطرد للطبقة الوسطى أن يفكروا ملياً فلاعلاقة لطباعة النقود الضخمة والتمويل المستمر للدول الأكبر بعملات جديدة بالرأسمالية أو بالسوق الحرة؛ إنه فرض شكل جذري من الدولة في صورة اقتصاد مفتوح. ويفشل المواطنون الذين يشيدون بأحدث حزمة من الحوافز الحكومية في فهم أنه لا يمكن منحك أي شيء لم يتم أخذه منك بالفعل فقد تتلقى شيكًا بمبلغ 1000 دولار وتدفع ثلاثة أضعافه بسبب التضخم وتدمير الأجور الحقيقية. وهذا هو السبب الذي دفع مجموعة من الاقتصاديين والخبراء إلى إطلاق مبادرة "المال السليم". إنها مسألة وضع حد لتدمير النسيج الاقتصادي والطبقة الوسطى والشركات من خلال الانحطاط المستمر للعملة التي تحتكرها الدول.

ويحدث التضخم بسبب استخدام عدد أكبر من الوحدات النقدية لنفس العدد من السلع والخدمات. وطباعة النقود فوق الطلب هو الشيء الوحيد الذي يرفع الأسعار وإذا ارتفع السعر لسبب خارجي ولكن كمية المال ظلت متساوية، فإن جميع الأسعار الأخرى لا تزيد.

إن تضليل المواطنين بشأن التضخم ليس من صنعهم إذ يحاول جيش من الخبراء المزعومين المتحالفين إقناعهم بأن التضخم ناتج عن أي شيء وكل شيء باستثناء الشيء الوحيد الذي يمكن أن يرفع الأسعار العالمية في نفس الوقت وهو انخفاض قيمة شراء العملة. وللسماح للدول بتضخيم حجمها في حالة حدوث أزمة، يجب أن يقتنع المرء بأن النظرية الكمية للنقود غير موجودة. فكلما زاد المال، ارتفع معدل التضخم.ولإقناعك بعدم وجود النظرية المذكورة أعلاه، سيتم إخبارك أنه بين عامي 2009 و 2018 لم يكن هناك تضخم، لكن المعروض النقدي زاد بشكل كبير. وتتجاهل هذه الحجة حقيقة أنه خلال نفس الفترة، زادت الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والإسكان والسلع والخدمات الأخرى غير القابلة للاستبدال بمعدل 57 ٪، كما كان تضخم أسعار الأصول الهائل ناتج عن العقارات، الأسهم والسندات، حيث انخفضت سرعة تداول الأموال.

هناك دائمًا المزيد من وحدات العملة للسلع والخدمات النادرة نسبيًا فإذا ارتفع سعر النفط فجأة بسبب عامل خارجي، مثل الحرب، وظلت كمية المال كما هي، سيكون لدى المواطنين أموال أقل لشراء سلع وخدمات أخرى. والطريقة الوحيدة لوصول التكلفة إلى السعر النهائي للسلعة هي زيادة الوحدات النقدية الصادرة بشكل أسرع من الناتج الاقتصادي.

التضخم إذن هو أكثر الضرائب مثالية وغير أخلاقية، لأن الدول والسياسيين يلقون اللوم على المتاجر الكبرى أو محطات الوقود أو الشركات أو المنتجين الأجانب ويقدمون أنفسهم على أنهم الحل للمشكلة التي خلقوها. فالتضخم هو الخسارة المستمرة في القوة الشرائية للأموال التي تصدرها الدولة. ولايفهم المواطنون التضخم لأن معظمهم لا يستطيع تخيل سبب رغبة الدولة في جعلهم أكثر فقراً، فالتضخم هو تحويل الثروة من المدخرين والأجور الحقيقية إلى الدول المدينة وهو يزيد من حجم الدولة في الاقتصاد ويقوض ثروة القطاع الخاص.

ويعد الإنشاء المصطنع لوحدات نقدية جديدة ليس محايدًا أبدًا فهو يفيد بشكل غير متناسب المستفيدين الأوائل من الوحدات الجديدة، والإنفاق الحكومي والعجز، ويؤذي بشكل كبيرالمستفيدين من المال لذا فإن الأجور والمدخرات الحقيقية في جوهرها هي عملية تأميم خفي للاقتصاد. ويزداد حجم الحكومة بشكل كبير في أوقات الأزمات لأنها "يجب أن تنفق" وتزداد أكثر في أوقات التعافي لأن الضرائب ترتفع وخطط الإنفاق "غير العادية" يتم توحيدها واستمرارها مع تزايد إسفين الضرائب واستمرار الضغوط التضخمية.

ويريد البعض الاعتقاد بأن إنشاء الأموال المصطنعة يأتي من البنوك الخاصة وليس من البنوك المركزية فمن السهل إزالة الغموض عنها. اجعل البنك المركزي يتوقف عن شراء السندات الحكومية، وتضخيم ميزانيته العمومية، وطباعة النقود من فراغ، والتلاعب بسعر النقود (سعر الفائدة)، وسنرى جميعًا كيف لا تزيد البنوك الخاصة المعروض النقدي بشكل كبير. وحتى البنوك المركزية تتحدث عن "آلية انتقال" السياسة النقدية، وهذا هو السبب في أنها ترى نمو الائتمان على أنه تطور إيجابي، بغض النظر عن المخاطر المتراكمة.

يقال إن لينين قال إن أفضل طريقة لتدمير النظام الرأسمالي هي سرقة الأموال. فمن خلال عملية تضخم مستمرة، يمكن للدول أن تصادر، سراً، جزءًا كبيرًا من ثروة مواطنيها. وبهذه الطريقة لا يصادرون فحسب، بل يصادرون بشكل تعسفي، وبينما تؤدي العملية إلى إفقار الكثيرين، فإنها في الواقع تثري البعض. إن مشهد إعادة الترتيب التعسفي للثروة لا يقوض الأمن فحسب، بل يقوض الثقة أيضًا في عدالة التوزيع الحالي للثروة ويُسلب المواطنون قدرتهم على تسلق السلم الاجتماعي بسبب القمع المالي المستمر والزيادات الضريبية.

بالطبع، يقال لنا دائمًا أن جميع الزيادات في الإنفاق سيدفعها "الأغنياء"، وهي الأسطورة الحديثة عن الوفرة التي من المفترض أن تغطي جميع اختلالات الدولة وتمول جميع خطط الحقوق إلى الأبد. وبالطبع، فإن أولئك الذين ينخدعون بالوعد بالمال الأبدي المجاني الذي يدفعه "الأغنياء" يواجهون الواقع القاسي وعليهم أن يدفعوا مقابل "مكافأة" الدولة عدة مرات، في شكل أجر حقيقي أقل مايؤدي الى انخفاض الدخل المتاح وارتفاع التضخم.

لقد تم إنشاء مبادرة "المال السليم" لتذكير المواطنين بأنه لا توجد وفرة في اموال الدولة. وسبب أهمية هذه المبادرة اليوم هو أن المجتمع يبدو عاجزاً في مواجهة خطة إنفاق أخرى بمليارات الدولارات ممولة بعملة مطبوعة.

وفي نظرية المال والائتمان، يشرح لودفيج فون ميزس قائلا: "مبدأ المال السليم له جانبان. من الإيجابي تأييد اختيار السوق لوسيلة تداول شائعة الاستخدام. وهناك أمرسلبي في إعاقة ميل الدولة للتدخل في النظام النقدي ".فالمال السليم هو أداة حاسمة لـ "حماية الحريات المدنية من التوغلات الاستبدادية من قبل الدول، وهي لاتقل أهمية عن الدستور والمؤسسات المستقلة ونظام الضوابط والتوازنات التي تحمي المواطنين في مجتمع ديمقراطي".ولا تريد الدول مصارف مركزية مستقلة لأنها تفضل زيادة العجز والسيطرة على الاقتصاد على حساب مدخرات المواطنين وأجورهم، معتقدة أن ذلك لمصلحتهم. فالتلاعب بالعملة ليس أداة للنمو، ولكنه أداة للسيطرة والمحسوبية. وهذا هو السبب في أن الدول تعتمد على حلفاء أقوياء في عملية السيطرة الكاملة والدولة. فالفقر يجعل المرء ضعيفًا ويعتمد على دولة متنامية باستمرار تعد بالثروة والحرية ولكنها تنشر الفقر والقمع.

إن تدمير العملة أمر لا مفر منه إذا لم يضع المرء عملة سليمة. والعملة السليمة لا تقل أهمية عن المؤسسات المستقلة. إنها تحمي المواطن من الحوافز الضارة للدول، ومن الضروري ضمان جوهر الحرية، أي الحرية الاقتصادية.

· خبير اقتصادي اسباني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حدثنا نور زهير!!

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

فشل المشروع الطائفي في العراق

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

 علي حسين إذا افترضا أن لا شيء في السياسة يحدث بالمصادفة، فإنه يفترض أن نوجه تحية كبيرة للذين يقفون وراء كوميديا نور زهير الساخرة ، فبعد أن خرج علينا صاحب سرقة القرن بكامل...
علي حسين

باليت المدى: الرجل الذي جعلني سعيداً

 ستار كاووش كل إبداع يحتاج الى شيء من الجنون، وحين يمتزج هذا الجنون ببعض الخيال فستكون النتيجة مذهلة. كما فعل الفنان جاي برونيه الذي أثبتَ ان الفن الجميل ينبع من روح الانسان، والابداع...
ستار كاووش

صحيفة بريطانية: قائد اركان الجيش الأمريكي يزور دولتين عربيتين لاقامة "تحالف" ضد ايران

متابعة/ المدى كشفت صحيفة تريبيون البريطانية، اليوم السبت، عن وصول قائد اركان الجيش الأمريكي الجرنال سي كي براون بزيارة غير معلنة الى الأردن لبحث إقامة "تحالف إقليمي" لحماية إسرائيل.  وذكرت الصحيفة، ان القائد الأمريكي...

كلاكيت: ألان ديلون منحه الطليان شهرته وأهملته هوليوود

 علاء المفرجي في منتصف السبعينيات شاهدت فيلمه (رجلان في مأزق) وهو الاسم التجاري له، في سينما النجوم في بغداد، وكان من إخراج خوسيه جيوفاني، ولا يمكن لي أن انسى المشهد الذي يوقظه فيه فجرا...
علاء المفرجي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram