باتريك كارول

ترجمة: المدى

خلافًا للاعتقاد الشائع، فإن هدف الرأسمالية والاقتصاد ليس الاستهلاك من أجل الاستهلاك، ولكن تمكين كل فرد من تحقيق مفهومه الخاص عن الحياة الجيدة. ومن وجهة نظري، فإن الهدف النهائي للاقتصاد هو إنتاج المزيد من السلع الاستهلاكية وصنع الأشياء للمستهلكين.

وتشير آني ليونارد إلى أن ثقافتنا الاستهلاكية تخرج عن نطاق السيطرة، وتجادل بأن الشركات الكبرى والاقتصاديين الذين ينظرون إلى إنتاج المزيد من السلع الاستهلاكية على أنها وسيلة "لإعادة تشغيل الاقتصاد"، هم المسؤولون إلى حد كبير عن هذا الوضع.

فبدلا من ان يكون هدفنا هو توفير الرعاية الصحية أو التعليم أو النقل الآمن أو الاستدامة أو العدالة، يكون الهدف هو انتاج بضائع للمستهلكين فقط؟ وبالنسبة لها فهناك أشياء كثيرة أهم من السلع الاستهلاكية، ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن نكافح الشركات الكبرى ونستعيد حكومتنا، بحيث تكون حقًا منتخبة من قبل الشعب ومن أجل الشعب.

لقد أصبح من المقبول على نطاق واسع أن الاقتصاد يدور حول إنشاء واستهلاك السلع المادية. من هنا نفهم سبب ادعاء الكثير من الناس أن الرأسمالية تدمر الكوكب،والإنسانية معا.ولكن هذه النظرة مشوهة للاقتصاد والرأسمالية.

الاقتصاديون إذن مخطئون في قولهم بإن الهدف النهائي للاقتصاد هو إنتاج المزيد من السلع الاستهلاكية، فالهدف النهائي للاقتصاد هو تلبية رغبات واحتياجات الأفراد، مهما كانت. وهذا يشمل الأشياء المادية، ولكن أيضًا أي شيء يساهم في نوعية حياة جيدة، من الرعاية الصحية إلى بيئة نظيفة إلى مجتمع آمن.

وفي أطروحته التي تحمل عنوان "الإنسان والاقتصاد والدولة" الصادرة عام 1962، وضع الخبير الاقتصادي موراي روثبارد الأمور في نصابها بقوله: "يجب أن يكون واضحًا أن نهاية عملية الإنتاج - السلعة الاستهلاكية - تحظى بالتقدير لأنها وسيلة مباشرة لإرضاء الغايات البشرية. اذ يتم استهلاك سلعة المستهلك، ويشكل هذا الفعل إشباع حاجات الإنسان. ويمكن أن تكون سلعة المستهلك هذه شيئًا ماديًا مثل الخبز، أو غير مادي مثل الصداقة. والشيء المهم ليس ما إذا كان ماديًا أم لا، ولكن أن يقدره الإنسان كوسيلة لتلبية احتياجاته. وتسمى هذه الوظيفة لسلعة المستهلك خدمة من حيث أنها تلبي احتياجات الإنسان. وبالتالي، لا يتم تقييم الخبز المادي لذاته، ولكن للخدمة التي يقدمها لتلبية الاحتياجات، تمامًا مثل الأشياء غير المادية، مثل الموسيقى أو الرعاية الطبية، فمن الواضح أنها ذات قيمة لتلك الخدمة.و يتم استهلاك كل هذه الخدمات لتلبية الاحتياجات فالمصطلح الاقتصادي لا يعادل بأي حال من الأحوال المصطلح المادي".

من المهم أن نفهم أنه عندما يتحدث الاقتصاديون عن الاستهلاك، فإنهم لا يقصرون أنفسهم على الاستهلاك المادي، مثل الأكل أو شراء هاتف جديد. يمكنك أيضًا الاستفادة من الخدمات مثل زيارات الطبيب أو صالون تصفيف الشعر. (ربما يكونوا قد أشاروا ضمنيًا إلى "السلع والخدمات" عندما تحدثوا عن "السلع الاستهلاكية"، على الرغم من أن ليونارد تعكسها بالتأكيد وفقط على الأشياء المادية). الحقيقة هي أنك تستخدم موردًا نادرًا. يمكن أن يكون المورد المستهلك شيئًا ملموسًا تم استخراجه من الأرض وينتهي به المطاف في مكب النفايات، ولكن هذا ليس مطلبًا بأي حال من الأحوال.

وبالتالي، فإن الاقتصاد الذي يعمل بشكل جيد يوفر أكثر بكثير من مجرد الكماليات البسيطة، كما يوفر خدمات يقدرها الناس، مثل تلك التي ذكرتها آني ليونارد كالرعاية الصحية والتعليم والنقل الآمن والاستدامة والعدالة - فكل هذه الأشياء وأكثر من ذلك هي جزء من الاقتصاد. وإذا أرادها عدد كافٍ من الأشخاص، فيمكنك التأكد من أن روادالأعمال سيجدون طرقًا لتلبية الطلب - بشرط أن تسمح لهم الحكومة بذلك.

ويبقى الاقتصاد مرتبطا برفاه الإنسان، وبصفتي رأسماليًا متشددًا، سأكون أول من يقول بأن الثروة لا علاقة لها بالممتلكات. إنها تتعلق بالأشخاص الذين يشكلون جزءًا من حياتك، وبطريقة حياة تستمتع بها، وجسم صحي، وهدف ومعنى في حياتك.لكن الاقتصاد وثيق الصلة بهذه الأشياء بقدر ارتباطه بالممتلكات المادية. ولايتعلق الأمر فقط بالحصول على المزيد من العناصربل يتعلق بإرضاء القيم الإنسانية - جميع قيمنا.

ويدور الاقتصاد حول تكوين صداقات أكثر وأفضل بقدر ما يتعلق بشراء بضائع أكثروأفضل. فهو يتيح لنا الاستمتاع بالموسيقى والأفلام والهوايات الرائعة، تمامًا مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والسيارات.وفي الرأسمالية، فإن وظيفة رائد الأعمال هي ببساطة مساعدة الناس على تحقيق أهدافهم، مهما كانت. ففي بعض الأحيان يعني ذلك توفير السلع. لكن هذا يعني في بعض الأحيان توفير مساحة حيث يمكنهم مقابلة أصدقاء جدد. وفي بعض الأحيان يتعلق الأمر بكتابة كتاب يمكن أن يساعد في تحسين حياتك. يعني ذلك أحيانًا تقديم خدمات استشارية للمساعدة في تحسين الصحة العقلية، أو برامج العلاج من تعاطي المخدرات للشفاء من إدمان المخدرات.

تحسين الاقتصاد إذن هو بناء عالم أفضل. وهذا لا يعني بالضرورة عالماً به المزيد من الأشياء. إنه يعني عالماً به الكثير من كل ما نعتقد أننا نحتاج إليه.لذلك دعونا لا نستسلم لأولئك الذين يقصرون الاقتصاد على الازدهار المادي. اذ يدور الاقتصاد حول إشباع حاجات الإنسان ورغباته بجميع أشكالها المادية وغير المادية. وبالطبع، لا يمكن للاقتصاد السليم أن يحل جميع مشاكلنا.

إن هذا النوع من الازدهار البشري الذي يرغب به دعاة حماية البيئة والتقدميون في متناول أيدينا. ولكن إذا أردنا الوصول إلى هناك، فعلينا أن نبدأ في رؤية الاقتصاد على أنه أكثر من مجرد حجة يستخدمها رجال الأعمال الأنانيون.

· خبير اقتصادي