ثائر صالح
قصة لينا كودينا مع الموسيقي الروسي سرغي بروكوفييف تصلح لأن تكون سيناريو لفيلم ناجح من أفلام هوليوود. سرغي بروكوفييف (1891 - 1953) هو من موسيقيي القرن العشرين الكبار وأكثرهم أصالة وموهبة.
ألف عدداً من الأعمال الخالدة في الكثير من الأغراض، منها باليه روميو وجوليت أو قصة بيتر والذئب. غادر الاتحاد السوفيتي في 1918 بموافقة لوناتشارسكي واستقر في الولايات المتحدة أولاً، ثم في ألمانيا ففرنسا قبل أن يعود نهائياً إلى الاتحاد السوفيتي حيث استقر حتى وفاته في نفس يوم وفاة ستالين.
كان بروكوفييف واعياً بعبقريته معتداً بنفسه، علاوة على وسامته، مما جعله محبوباً بين النساء اللائي فُتنّ بمهاراته في العزف على البيانو وعبقريته الموسيقية. تعرف على المغنية الأوبرالية الجميلة كارولينا (لينا) كودينا (1897 - 1989) في قاعة كارنيجي في نيويورك وعاشا معاً وقاما بجولات فنية غنت فيها لينا أغاني بروكوفييف (خمس قصائد، عمل رقم 23) بينما صاحبها هو على البيانو. شكل الإثنان زوجاً مميزاً في الوسط الثقافي والاجتماعي وقتها، وكانا نجوم الصالونات الفنية والأدبية. لكنها بدأت تشكو خشونته بعد فترة، ولم يتزوجا إلا بعد أربع سنوات بسبب حملها بطفله الأول سنة 1923. مع ذلك استمرت في إخلاصها له رغم مغامراته وعلاقتهما الزوجية المتوترة.
رافقته في زياراته إلى الاتحاد السوفيتي واستقراره فيه بعد قراره بالعودة سنة 1936. كان العيش هناك صدمة لها، إذ لم تتوقف مغامرات زوجها العاطفية، وتزامن انتقالها الى الاتحاد السوفيتي مع اشتداد دكتاتورية ستالين وبدء حملات التصفيات الواسعة التي طالت رفاقه وأعدائه على حد سواء. أما بروكوفييف فقد بدأ علاقة غرامية مع الكاتبة ميرا مندلسون (1915 - 1968) بحدود سنة 1938، هجر على إثر ذلك زوجته وأولاده في 1941 ليعيش مع ميرا. حاول بروكوفييف الطلاق من زوجته لكن المحكمة أعلنت أن عقد الزواج باطل لأنه عقد خارج الاتحاد السوفيتي ولم يتم تثبيته في السجلات السوفيتية بصورة صحيحة، بذلك تمكن بروكوفييف من الزواج بميرا في شتاء 1948.
أما لينا فقد اعتقلت بعد بضعة أسابيع بتهمة التخابر مع الدول الأجنبية بسبب محاولاتها الحصول على إذن لمغادرة البلاد التي لم يربطها بها شيء سوى زوج هجرها، وحُكم عليها بالسجن 20 سنة في سيبيريا.
لم يطلق سراحها إلا في صيف 1956، وقضت حياتها الباقية في رعاية وحفظ تراث زوجها، خاصة بعد مغادرتها الإتحاد السوفيتي في 1974 (على ما يبدو بمساعدة من يوري أندروبوف رئيس الكي جي بي وقتها، وسكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي بعد وفاة برجنيف).
لم يكتب بروكوفييف مذكراته للنشر لذا كانت صريحة في تقييم الآخرين. وقد ترجم أنتوني فيليبس ونشر المذكرات بين 1924 - 1933 في 2008، عبرها عرف العالم علاقاته بالآخرين ومنهم زوجته لينا من خلال نظارات بروكوفييف الذي يضع مصالحه فوق كل شيء. ولم تتوضح العلاقة بينهما على أسس أكثر موضوعية إلا بعد صدور كتاب سيمون موريسون "حب وحروب لينا بروكوفييف" (2013) الذي وضعه استنادا إلى أرشيف العائلة.