اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مدارات العشق المحموم حول مجرات الكتب

مدارات العشق المحموم حول مجرات الكتب

نشر في: 3 سبتمبر, 2023: 12:01 ص

حنان علي

"أُطلقُ سراح المشابك النحاسية المحفورة كأعمدة مصرية، المتوهجة في ذروتها كأشجار النخيل الملكي، فتهمس الصفحات ببحةٍ مكتومةٍ لا تختلف كثيراً عن هسيس راية جافةً بعد أمسية عاصفة.

عبقٌ خشبيٌّ آسر يفوح، مزيجٌ من العراقة و الحلاوة المتآمرة مع كتب الأجداد العتيقة. أقوم دائمًا بمزجِ أريجِ أي كتاب قديم مع العصر الذي خُطّ فيه، كما لو أن شذاه فاح مباشرة من تفاصيل حكاية قطعت أشواطًا عبر الزمن طويلة.. طويلة "

بهذه المقدمة الرائعة استهلت الكاتبة الأمريكية أليسون هوفر بارتليت روايتها "عاشق الكتب" المأخوذة عن قصة حقيقية للصّ محتال مهووس بالكتب يدعى جون جيلكي أراد امتلاك مكتبة للأثرياء بأسوأ السبل، وسرعان ما حصل على طبعات أولى باهظة الثمن بأخطر الطرائق الملتوية في كتاب يعتبر مقدمة رائعة عن عالم الهوس بالكتب و قراصنة الكتب الأثرية و بائعيها. هيامُ جيلكي بالكتب وسعيه الملحّ لاقتنائها ساقني للخوض في غمار عشق الكتب للبحث عن عناوين لافتة تخصّ عوالمها الرائعة والخفايا العميقة لتعلق الناس بالكتب، ذلك لتمييز الخيط الرفيع الفاصل بين الولع و الهوس، فهل للجرم مسوغ بمسمى الشغف؟ أم للعدالة عينٌ مغمضة عن الوله؟ لدى "سارقة الكتب" بعض الإجابات حملها ماركوس زوساك في روايته عن ليزل ميمينجر، الفتاة التي نشب داخلها حب عميق للكتب لدرجة دفعتها لسرقتها. حين أدركت ليزيل قوة الكتابة وتأثير الكلمات لم تتوان عن كتابة قصصها الخاصة في رحلة اكتشافٍ للذات كسارقة للكتب.

ثمّ توافدت حكايات العشق تباعاً محاصرة المشهد أمام ناظريّ بـرواية "ظل الريح" تلك المحتفية بسيرة صبي كلِفه كتابٌ غامضٌ، فأطلقه كارلوس رويز زافون (كاتب الرواية) في رحلة لكشف الحقيقة عن المؤلف والأسرار التي يواريها. تقودنا الأحداث إلى عالم ساحر وقعت أحداثه بين فرنسا وأسبانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، واشياً بعددٍ لا حصر له من الاقتباسات الساحرة.

لم تتوان جمالية الافتتان بالكتب وبهجة القراءة عن إعلامي بمدّ رسائل غرامية على مدار عشرين عامًا عبر المحيط، لتحطّ أخيراً بين دفتي كتاب "84 شارع تشارينغ كروس" تورد مراسلات حقيقية جالت بين الكاتبة هيلين هانف كاتبة في مدينة نيويورك، وتاجر كتب مستعملة في لندن في 84 شارع تشارينغ كروس خاضت عباب تفاصيل حياتهما الشخصية من جهة، مؤرخة لتاريخ بلديهما من جهة ثانية. كما طالعتُ مراسلات مماثلة في رواية "نادي القراءة الأدبي في جزيرة جيرنزي" بقلمي الكاتبتين ماري آن شافر وآني باروز. حيث تدور أحداث الرواية في إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية، متتبعة حياة كاتبة تبدأ بالمراسلة مع أعضاء نادٍ للقراءة على جزيرة جيرنزي بخطابات تعرّف جولييت على أعضاء الجمعية و جزيرتهم وذوقهم في الكتب، إضافة إلى تأثير الاحتلال الألماني الأخير على حياتهم. ولشدة افتتانها بقصصهم تبحر الفتاة إلى غيرنسي، وما تجده سيغيرها إلى الأبد.

لا ريب (أن يمسي الكتاب فأساً للبحر المتجمد فينا) لعل كافكا بمقولته اختصر ما احتاجته شخ صية ج. فكري بعد موت زوجته، وخسارة مبيعات مكتبته، وسرقة ممتلكاته الثمينة المكونة من مجموعة نادرة من قصائد بو. الانعزال والانهيار ما أنهاهما سوى ظهور حزمة غامضة في المكتبة منحت فكري الفرصة لرؤية كل شيء من جديد، ذلك كله ضمن رواية "حياة آي. جي. فكري المسرحية" لكاتبها غابرييل زيفين. عدوى السعادة المنشودة ذاتها أصابت كلاي جانون الشاب العامل في مكتبة غريبة، حينما استكشف أسرارها المكرسة لحب الكتب وسعيها للخلود، ذلك في رواية كتبها روبن سلوان بعنوان "مكتبة السيد بينمبرا ذات الـ 24 ساعة"

لم يهدأ بحثي الحثيث عن دواعي التعلق المجنون حتى حطّ برحالي على أعتاب منزل كاتبة انطوائية، تدعى فيدا وينتر استدعت مؤرخة شابة لكتابة سيرتها الذاتية. فما إن فتح الباب أمامي حتى رأيتُ مارغريت الملوّعة بأسرار وألغاز ماضي فيدا، تستكشف قوة السرد وحب الكتب الذي يجمع بينهما. "الحكاية الثالثة عشرة" لديان سيترفيلد رسالة حب للقراءة تبقيك في حالة تخمين وتساؤل، تدفعك إلى البكاء والضحك، لتعيدك لاهثًا وراضيًا إلى ضفاف حياتك اليومية.

لم أخرج تماماً من منزل فيدا الدافئ، حتى حملني على متن مكتبته العائمة، صاحب مكتبة في باريس يدعى جان بيردو، ذلك في رحلة بحث عن الراحة بعد فقدان حبه الكبير، ليقوم و كتبه بمساعدتي والآخرين على التئام جروحهم عبر قوة الكتب والأدب. "المكتبة الصغيرة في باريس" أبدعتها نينا جورج.

ولأن الكتاب كما يقول الجاحظ هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ولا يعاملك بالمكر ولا يخدعك بالنفاق ولا يحتال لك، فماذا أخبر بصراحته الملكة العظمى؟ ذلك ما ناشدتُ رد ألان بينيت عليه في كتابها "القارئة الغير عادية " وماذا سيحدث حين تطوِر حب القراءة لدى الملكة إليزابيث الثانية وما يثيره من شغب في حياتها وتأثير على علاقاتها بمن حولها.

ولم تلبث يوميات القراءة: تأملات القارئ الشغوف في عام من الكتب أن تبزع بصورة الكاتب والناقد ألبرتو مانغويل أثناء ترتيب مكتبته، والتحدث مع الكاتبين مافيس جالانت وروهينتون ميستري. ليشرع لاحقاً بقراءة انتقائية لـ كونان دويل، مارغريت أتوود، كيبلينغ وغوته. ثم يقوم بالاقتباس من كتّاب أمثال: شاتوبريان، وفيرجينيا وولف، وتشيسترتون، ذلك أثناء الاستمتاع بإعداد القوائم، سواءً لروايات بوليسية مفضلة، أو عن علماء مجانين، أو لأبطال من عالم الأدب ضمن مذكرات تعد منجماً من الذهب، أما شخصيته اللطيفة والمثقفة ستجذب كل من يحبون القراءة والتأمل.

و في الختام حطتّ رحالي عند سفوح رواية "تاريخ الحب" لنيكول كراوس فإذا ما أردتم استكشاف مواضيع الحب والفقدان وقوة الأدب المتجددة فهذا ما تقدمه لنا حكاية داخل حكاية عن كاتبين عاشقين يناضلان للحياة بعدما عاشا فقدان حب كبير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram