علاء المفرجي

ماذا لو كانت الحياة التي أعطيت لك هي الحياة الخاطئة؟.. هذا هو السؤال الفلسفي الذي بنيت عليه رواية (التذكرة الزرقاء) لصوفي ماكنتوش، والتي صدرت عن المدى بترجمة (علي عبد الامير صالح).

تضيف الرواية ما هو جديد وغير سائد في الرواية الديستوبية، الذي أرساه أورويل 1984. فالرواية ديستوبية تسبر غور مجتمع يكون فيه قرار انجاب الاطفال شيئًا ليس بأيدي النساء، كالا بطلة الرواية تنشأ في عالم يختلف عن عالمنا في عالمها، حين تختبر النساء دورتهن الشهرية الاولى، يؤدين طقساً يصطحبهن خلاله آباؤهن حيث يتعين عليهن ان يخترن تذكرة صغيرة في جهاز اليانصيب والتذاكر اما ان تكون زرقاء او بيضاء، التذكرة الزرقاء يعني انه سوف يدخل جهاز تحديد النسل بشكل قسري في جسمك طوال ما بقي من حياتكِ هو بشكل رئيس جهاز دائم يوضع في داخل رحم المرأة كي يحول دون الانجاب، اما التذكرة البيضاء فتعني انك سوف تنجبين الاطفال ومن خلال احداث الرواية نفهم انه لا توجد فرصة اخرى بشأن اليانصيب والنساء لا يستطعن ان يغيرن تذكرتهن الى الابد ومن غير الواضح كيف ولماذا يحصل الدور التالي.

عندما تبدأ كالا، وهي امرأة ذات تذكرة زرقاء، في التشكيك في مصيرها، يجب عليها الهروب. لكن بقاءها سيعتمد على الصفات ذاتها التي علمها إياها اليانصيب أن تشكك فيها وفي النساء الأخريات التي حرضها النظام ضدها. يجب على كالا الحامل واليائسة أن تتعامل مع ما إذا كان اليانصيب يعرفها أفضل مما تعرف نفسها وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لطفلها.

تحقيق عاجل في الإرادة الحرة، والتوقعات الاجتماعية، ومساحة الأمومة المشحونة، فإن Blue Ticket مثيرة في استحضارها الخام للرغبة وتثبيتها في ألفتها التي لا يمكن إنكارها.

في مرحلة البلوغ المبكر، يأخذها والد كالا إلى محطة اليانصيب، حيث تختار تذكرة زرقاء من آلة غامضة. بمجرد تحديد مصيرها، يجب على كالا أن تشق طريقها إلى المدينة بمفردها وعلى الأقدام. إذا تمكنت من تجنب مجموعات الأولاد والرجال المتجولين الذين يجوبون الغابة والطرق، فستبدأ كالا حياتها البالغة كـ "تذكرة زرقاء". في المدينة، تم تجهيز كالا بلولب نحاسي ومن المتوقع أن تساهم في المجتمع فقط من خلال منصبها ككيميائية في المختبر. "التذكرة الزرقاء: لم أكن أمومة" تفكر كالا. "لقد تم الحكم على أنه ليس مناسبًا لي من قبل شخص يعرف أفضل مني." تمتلئ أيامها بالعمل والزيارات للطبيب المقاتل "أ"، الذي يراقب التذاكر الزرقاء مثل كالا. أمسياتها مليئة بالشرب والجنس العرضي. ومع ذلك، سرعان ما لا تستطيع كالا مقاومة جاذبية "الشعور الجديد والمظلم" بداخلها، "شبح غريب ومدمر". طمعًا في الحياة المحرمة لعدد قليل من النساء اللاتي يحملن تذاكر بيضاء، تقوم بإزالة اللولب بنفسها باستخدام الملقط وكمية كافية من الخمر لتخدير الألم المسببة للعمى. عندما تكتشف الطبيبة حمل "كالا" الحتمي، تُطرد من منزلها وتُترك مرة أخرى لتتدبر أمرها بنفسها. يقدم ماكنتوش صراع كالا الداخلي بدقة غنائية بارعة. ماذا عن ولاية كالا التي تم تحديدها بشكل غير أمومي؟ كيف ستعتني بطفل دون حماية الأسرة أو المجتمع؟ هل يمكنها أن تثق بالنساء الأخريات اللاتي تقابلهن على الطريق، والذين قرروا أيضًا أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم؟..

المخبرون السريون يتعقبون نساء التذكرة الزرقاء اللائي يحملن الاطفال في احشائهن، يتعقبوهن بسياراتهم اللامعة مع انهن يقطعن مسافات طويلة في اثناء هربهن من السلطات التي حظرت عليهن الحمل والانجاب ويتجهن في النهاية نحو الحدود.

كالا تسحب تذكرة زرقاء وبعد ان تصل بنجاح الى مدينة ما وتعمل في مختبر على مدى اعوام، تدرك انها باتت ضجرة من حياة كهذه، وترغب في حقيقة الامر بانجاب طفل على الرغم من لون تذكرتها وتسمي هذه الرغبة المتنامية بسرعة "الاحساس الكئيب".

تقول كالا: "اريد ان تشرق مني غريزة الام. معصومة من الخطأ، لا يمكن نكرانها كالنور. كان ينبغي لي ان افعل ما لا يمكن وصفه من اجلها، أليس هذا دليلاً على شيء ما؟" وهذه ليست امنيتها هي وحدها، بل امنية سائر النسوة اللاتي تقرر مصيرها سلفاً، وتعين عليهن أن يخضعن لعملية وضع جهاز منع الحمل في رحم كل واحدة منهن بعد حيضها الاول، وهي فتاة في سن المراهقة.

رواية صوفي ماكنتوش هذه تشكل إضافة جديدة لتقليد الرواية الديستوبية الذي وضعه الكاتب الايرلندي جورج اورويل في روايته (1984) والكاتبة الكندية مارغريت أتوود في روايتها (حكاية الجارية)، وما سطره الكاتب الروسي يفغيني زمياتين في عمله الروائي (نحن).

(التذكرة الزرقاء). هو العمل الروائي الثاني الذي انتجته صوفي ماكنتوش وصدر في العام 2020 بعد عملها الاول (العلاج بالمياه) الذي ادرج ضمن القائمة الطويلة لجائزة (المان بوكر) العالمية لسنة 2018 وهو ايضاً لقي اطراءً بالغاً من قبل الفقراء والنقاد على سواء.