اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سياسية > هوية العراق التراثية في مهب الاندثار

هوية العراق التراثية في مهب الاندثار

نشر في: 11 سبتمبر, 2023: 11:16 م

المدى/ إيناس فليب

تعتبر النصب والتماثيل رموزاً تمثل هوية البلدان الثقافية، وتخبئ في تفاصيلها الكثير من حكايات الناس وتراثهم، لاسيما عندما تكون جزءاً من "الهوية البصرية" لأي بلد.

ولكن في العراق انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة يسميها مختصون بـ"النصب المشوهة"، وصارت حديث الشارع العراقي، فمن الأيقونات التي شكلت ذاكرة العراق الجمالية مثل كهرمانة ونصب الحرية، إلى نصب ملك الغابة "الأسد" في محافظة النجف، الذي صار في وقتها مادة لـ"السخرية" بمواقع التواصل الاجتماعي.

وفي محافظة البصرة تم عمل نصب في ساحة الحرية، وكان من المفترض أن يكون رمزاً للنفط، وهو عبارة عن نقطة نفط تدور حولها الخيول، لكن عراقيين أطلقوا عليه اسم "الباذنجانة" تعبيراً عن السخرية والغضب، رغم أن إنشاءه كلف أكثر من 7 مليارات دينار، وقامت بإنشائه شركة زراعية "لا علاقة لها بالفن".

بين الحديث والقديم

لم يقتصر تشويه الهوية التراثية على النصب والتماثيل، حيث يعاني العراقيون من تغيير معالم البلد المعمارية، ولم يعد غريباً أن يرى الناس منزلا تم بناؤه من ما يسمى بـ"الساندويش بنل" يجاور منزلاً بغدادياً قديماً، إذ أنّ الجاهز والسريع صار ملازماً لحياة الناس وسبباً في ضياع الهوية البَصَرية، إضافة إلى آثاره الخطيرة على أرواح المواطنين، كما انهارت ـ على سبيل المثال ـ بناية المختبر الوطني في الكرادة قبل نحو سنة، وراح ضحيتها العشرات.

وبينما تعطي السلطات، الموافقات على نصب وتماثيل ومباني تشكل تشويهاً مفزعاً للهوية البَصَرية في العراق، تشرع بهدم أماكن تراثية، كما حدث مع جامع السراجي في البصرة، بالإضافة إلى "سوق الحويش" التراثي في مدينة النجف القديمة بذريعة "توسعة الطرق".

مثقفون عراقيون اعترضوا على هذه الإجراءات ووصفوا الأمر بـ"طمس هوية النجف"، حيث قال فارس حرام في حديث متلفز تابعته الـ(المدى) إن "أهمية سوق الحويش كونه شارعاً قديماً لتداول الكتب اعتاش عليه الكثير من العلماء والأدباء"، مضيفاً أنّ "المدن تتسابق فيما بينها للحفاظ على هويتها العمرانية"، لكن إذناً لم تسمع الاعتراضات التي يبديها الكثير من المهتمين بهوية البلاد البَصَرية، ودائماً ما يأخذ الهدم طريقه.

يرى مختصون أن جزءاً من هذه النصب المشوهة، يعود إلى ما يصفونهم بـ"الدخلاء على الفن، فضلاً عن أنها تشكل جزءاً كبيراً من عملية الفساد السياسي في العراق".

الدكتور مهند الداود وهو فنان عراقي، قال لـ(المدى) إن "العراق يمر بمرحلة مخاض عسير منذ العام 2003 إلى يومنا، فهو مشوه ويراد له أن يشوه على كافة المستويات".

وعملية التشويه بالنسبة للداود، "تبدأ من السياسة التي هي تدير البلد بكافة قطاعاته، إلى الفن الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من السياسة، حيث أن التشويه ليس بالنصب والتماثيل، ولكن النظام السياسي يريد له أن يشوه بالطريقة هذه".

وفي مسار الانفتاح الثقافي على العالم، نشهد الكثير من التنوعات الفنية في الساحة العربية عامة والعراقية خاصة، لكن "بسبب النظام السياسي وما يريده الجبروت السياسي العالمي ضمن نظام العولمة هي أن يكون العراق مشوهاً"، على حد تعبير داود، الذي يؤكد أن "التشويه على كافة المستويات، ناهيك عن السفسطة في الفن الحديث".

ومن خلال متابعاته، يجد الناقد التشكيلي فهد الصكر وخلال حديث لـ( المدى) الكثير من النصب والتماثيل الشاخصة في بغداد ومدن أخرى "لا تمت بصلة إلى الواقع التاريخي إطلاقاً وتدرج ضمن (البعد التجاري) المتفق عليه سلفا"، إذ أن "الفضاءات المفتوحة هي التي تمنح العمل النحتي بعده الجمالي المضاف إليه".

وإدخال مَن يطلق عليهم العديد من المختصين بـ"الطارئين"، أدى عموماً إلى إهمال الفنانين الحقيقيين في شتى المجالات، وعلى سبيل المثال، ظهر في العام 2019 وفي انتفاضة تشرين، العديد من الفنانين التشكيليين الذي عبروا عن رفضهم من خلال فنونهم ورسموا جداريات وغرافيتي ترتبط بهوية العراق البَصَرية، وزينت نفق ساحة التحرير، حيث جسدوا من خلالها حكايات وقالوا أشياء كثيرة بقيت عالقة في "النفق"، لكنهم أهملوا فيما بعد ولم ينظر لمنجزهم.

ولا يبرئ العديد من المختصين المؤسسات الثقافية من المسؤولية، حيث هناك أهمية لأن تدافع عن الهوية البَصَرية التي تكاد تندثر، إذ يقول الصكر إنّ "على المؤسسة الثقافية أن تتعامل مع التماثيل والنصب على النمط الجمالي، وإلا فقد قيمته الجمالية والحيوية كعمل نحتي يحمل أبعاد حضارية تدلل على تاريخ وثقافة البلد".

والبلاد وفقاً للصكر بحاجة إلى "لجان متخصصة بالعمارة والنحت والجمال لاختيار النصب والمنحوتات لسببين، أولاً كعمل فني خالص وثانياً موقعه الجغرافي كمكان، لا كما حصل مع أعمال الراحل محمد غني حكمت"، وهذا "كي نوجد ونبني هوية بَصَرية تدلل على بعدنا التاريخي والحضاري".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

الهجمات الجديدة على عين الأسد
سياسية

الهجمات الجديدة على عين الأسد "بلا توقيع".. ما الهدف والانسحاب الأمريكي وشيك؟!

بغداد/ تميم الحسنبدأت عمليات استهداف جديدة على القواعد الامريكية "بلا راعي رسمي" حتى الان، في وقت تشهد قضية انسحاب قوات التحالف من العراق التباساً شديداً.يوم الخميس، كان هناك هجوم بعدة صواريخ على معسكر عين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram