ترجمة: عدوية الهلالي
بعد ثلاثة أشهر من حصوله على السعفة الذهبية في مهرجان كان، عُرض فيلم "تشريح السقوط" للمخرجة الفرنسية جوستين تريت في دور العرض في اواخر شهر آب الفائت، والفيلم مقتبس من فيلم للمخرج أوتو بريمينغر بعنوان (تحليل جريمة قتل) في عام 1959.وهكذا أصبحت جوستين تريت ثالث مخرجة تفوز بالجائزة المرموقة، بعد جين كامبيون عام 1993 وجوليا دوكورنو عام 2021.
ويروي الفيلم قصة محاكمة امرأة متهمة بقتل زوجها، حيث يتم العثور على جثة الاب ملقاة على الثلج بالقرب من شاليه بعيد، ويتم اتهام الام الألمانية المولد ساندرا بقتل زوجها. وقد تم تصوير الفيلم بين وادي جبال الألب وقاعة المحكمة. ويُظهر الفيلم تحقيقًا للشرطة ولكن قبل كل شيء يغوص في عذاب الزوجين ويعمل على تشريح ادق المشاعر المشرقة منها والمعتمة. وتعكس شخصية ساندرا في الفيلم صورة لبطلة مؤثرة وغامضة. كما ان أداء الممثلة يترك مجالا للشك، ويبقى للمشاهدين مهمة تجميع قطع اللغز المليئة بالفروق الدقيقة.
تعيش الكاتبة من أصل ألماني ساندرا (ساندرا هولر) معزولة في الجبال لمدة عام مع صموئيل (صموئيل ثيس)، مدرس جامعي وابنهما دانيال البالغ من العمر 11 عامًا والذي يعاني من ضعف البصر. وبعد أن ينبهها ابنها، تكتشف وفاة زوجها بعد سقوطه من الطابق الثالث من الشاليه الخاص بهم. وعلى الرغم من الشك بين الانتحار والقتل، فقد تم اتهامها، لكنها تركت حرة مع ابنها، تحت إشراف موظف العدل، وتم تسمية دانيال كشاهد. وأثناء المحاكمة، يتم تشريح الحياة الزوجية لساندرا وصموئيل. وتقوم جوستين تريت بكتابة سيناريو الفيلم بالتعاون مع آرثر هراري، وهو أيضًا ممثل ومخرج، والذي شارك في كتابة سيناريوهات فيلميها السابقين،(فيكتوريا) في عام 2016 و(سيبيل) في عام 2019.
ويمكن تفسير عنوان الفيلم(تشريح السقوط) بتشريح حياة الزوجين في المحكمة حيث يلعب انطوان رينارتز دور المدعي العام بمواجهة سوان أرلود، صديق ساندرا المحامي،ويسلط الاتهام الضوء على إحباطات صموئيل وتوبيخه لرفيقته الكاتبة المتعثرة بينما تنشر بانتظام. وتعد خيانات ساندرا مصدرًا للصراع وقد تبرر جزئيًا عملها الإجرامي.
وتتمتع جوستين تريت أيضًا بالذكاء اللازم لإخراجنا من قاعة المحكمة، خلال مشاهد أكثر حميمية، وهو الاختلاف الرئيسي مع فيلم أوتو بريمينغر حيث تكون المحاكمة عمليًا هي المكان الوحيد في الفيلم. ويحيط بنا التشويق من البداية إلى النهاية حتى الحكم النهائي، وذلك بفضل السيناريو الجيد والممثلين الموهوبين والاخراج الديناميكي.
وقد اجرى موقع فرانس انفو حوارا مع المخرجة جوستين تريت جاء فيه:
"تشريح السقوط" هو فيلم بوليسي وفيلم تجريبي ودراما عائلية. ما هو التصنيف الأصح له؟
- إنه قبل كل شيء فيلم عن زوجين. فالمحاكمة هي ذريعة لتشريح الجوانب المشرقة والقاتمة من حياة الزوجين. وهذا الفيلم ليس فيلماً متشائماً بل يتحدث أبطاله مع بعضهم البعض، ويحاولون فهم بعضهم البعض، وهذا ليس هو الحال عندما لا يكون هناك حب.. ربما يكون العيش معًا وإنجاب الأطفال أمر معقد، لكني أؤمن بالحب والشهوة، ولا أقول أن هذا أمر مقزز. أحب أن آخذ المشاهد إلى أفق معقد ومعذب، حيث نغوص في أعماق الموضوعات. فالسينما هي المكان الذي نقول فيه الأشياء التي لا يمكن تلخيصها في تغريدة.
أثناء المحاكمة، غالبًا ما تتخذ جلسات الاستماع نبرة معادية للنساء ضد المتهمة ساندرا. هل يجب أن يُنظر إلى هذا على أنه نداء نسوي؟
- الفيلم نسوي لأنني امرأة، انا أكتب قصصًا عن النساء وأناصرهن. كما إن ساندرا، شخصية الفيلم الرئيسية، تتحكم في حياتها. إنها تعمل بشكل جيد ككاتبة ولاتعتمد على زوجها. وبما أننا لا نملك أدلة لاتهامها، فإننا نلاحظ طريقة حياتها. والقضاء هو المكان الذي يفرض الأخلاق على البشر. فعندما يكون هناك عنصر أو دليل مفقود في سياق المحاكمة، فإن طريقة حياة الناس هي التي يتم الحكم عليها هناك ولذلك أظهرت هذا الانجراف السائد تجاه هذه المرأة التي تتعرض للانتقاد لكونها حرة أكثر من اللازم.
فهل هذا أيضًا انتقاد للنظام القضائي؟
- عندما كنت أصغر سناً، اعتقدت بسذاجة أن الحقيقة تظهر أثناء المحاكمات. ثم من خلال حضور جلسات الاستماع، أدركت أن هذا نادرًا ما يحدث. إنه بالأحرى مكان لسرد القصص، حيث يتولى الآخرون حياتنا ويغيرونها.
يعتمد وقت المحاكمة بأكمله على أداء الممثلين. كيف اخترتهم؟
- عرضت الدور على سوان أرلود (الذي يلعب دور محامي الدفاع) لأنه يعكس الهشاشة على عكس النموذج الأصلي للمحامي الرجولي الذي نراه غالبًا في السينما. على العكس من ذلك، يجسد أنطوان رينارتز (الذي يلعب دور محامي الطرف المعارض)شخصية الشرير، الذي سيعذب بطلتي وهولايترك فريسته أبدًا. كما أضاف الفكاهة إلى شخصيته في نفس الوقت وكان ذلك واضحا.وهناك ساندرا هولر التي تحمل نفس اسم شخصيتها والتي يثير تمثيلها الشكوك حتى النهاية وقد كتبت لها هذا الدور لأن ساندرا هي الممثلة الأكثر مراوغة التي أعرفها، ولا أعرف من، باستثناءها، كان بإمكانه إعطاء هذا البعد لهذا الدور. فالشك جزء من الفيلم بأكمله. ولكي يستمر الأمر ولا نشعر بالملل، يجب أن نسأل أنفسنا باستمرار: هل هي مذنبة؟ هل يمكنها أن تفعل ذلك؟ لذا تقدم ساندرا أداءً مزدوجاً، ومثاليًا.