اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > هل لأنها تقترن بالوعي الاجتماعي للفنان.. أم أنها تقليد لما رافق تطور الفن الاوربي

هل لأنها تقترن بالوعي الاجتماعي للفنان.. أم أنها تقليد لما رافق تطور الفن الاوربي

نشر في: 18 سبتمبر, 2023: 11:24 م

لماذا اختفت الجماعات الفنية من المشهد التشكيلي العراقي؟

علاء المفرجي

- 2 -

تبلورت الجماعة الفنية في المشهد التشكيلي العراقي كاتجاه له كيانه في مسيرة الفن التشكيلي في العراق كـضرورة تاريخية اقتضاها نضوج الوعي الفني لدى الفنان العراقي الى الحد الذي اخذ فيه يتحمس للممارسة الفنية، بصورة غير فردية..

كما كانت ضرورة اجتماعية وفكرية اقتضاها نمو الجمهور الحديث في مطلع نشأته.. كما يرى الفنان شاكر حسن آل سعيد.

الفنان اسماعيل الشيخلي العضو الاقدم في جماعة الرواد التي تأسست عام 1950 بزعامة الفنان فائق حسن، يرى ان معرفة الدوافع والاسباب التي كانت وراء تأسيس الجماعات الفنية، حيث يرى ان هذه الجماعة تكونت اصلاً من اصدقاء يجمعهم حب الفن.. الموسيقى.. الرسم.. الطبيعة.. يرى جبرا إبراهيم جبرا قد انبثقت بعد ان فكر جواد سليم بتكوين مجموعة ذات اتجاه فكري واحد متميز، حسب ما جاء في أسماعيل الشيخلي في مجلة المثقف العربي، يرى الفنان شاكر حسن آل سعيد، ان انبثاق الجماعة الفنية جاء كرد فعل لوعي الفنان الانساني والاجتماعي.. ومدى اهتمامه بالعالم، وضرورة توظيف ذلك من خلال العمل الفني ذاته.. وان هذا الاهتمام والتوظيف جاء على مستويات مختلفة بحسب توجه الفنان ومرجعياته وطبيعة تفكيره.

يقول شاكر حسن آل سعيد: فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق، ان ظاهرة الجماعة الفنية في تاريخ الفن العراقي الحديث، تقترن منذ بدايتها بالوعي الاجتماعي للفنان، وهي وان بدت كتقليد لما رافق تطور الفن الاوربي في اواخر القرن التاسع عشر من مقتضيات تطلبها انزواء الفنان الى التواجد في مناخات ملائمة لاستمراره في عمله الفني.. الا انها ـ أي الجماعة العراقية ـ كانت تمثل مع ذلك مدى رسوخ (الوعي الاجتماعي) في العمل والفن.. وعلى هذا الاساس اصبح لجماعة الرواد في الاربعينات والخمسينات على السواء مناخها الملائم لها، أي السفرات الى الضواحي او اللقاء في منزل الفنان فائق حسن.. كما اصبح لجماعة بغداد للفن الحديث في الخمسينات ايضاً مناخها الفكري الذي يربطها برباط محكم، وهو شعور اعضائها بانهم يعملون على احياء الطابع التراثي (الحضاري) في الفن التشكيلي.

عن الجماعات الفنية الأولى، يقول الناقد محمد الهجول في مقال له: ربما كانت مبادرة الفنان حافظ الدروبي عام 1942 في تأسيس مرسم حر ببغداد.. اول بادرة تشير الى ظهور فكرة الجماعة الفنية.. حيث تبنى هذا الفنان فكرة تأسيس محترف فني يلتقي فيه نخبة من الفنانين.. الا ان هذه المحاولة لم تدم الا شهوراً قليلة، لتنتهي بالفشل اذ بدت كتقليد لم تتوفر له قابلية الديمومة والتواجد.. الا انه على الرغم من ذلك، لا يمكن التقليل من اهمية المبادرة كنموذج لطموح يحفز العمل تحت روح جماعية. ومهما يكن من امر فقد التفت الفنان العراقي ـ منذ البداية ـ الى العوامل الاساسية، التي يعتقد بانها تساعد على خلق سمة جديدة لحركة فنية مؤثرة.. محاولاً عبر العديد من المبادرات.. تقديم دلالة لا تنفصل عن العمل التاريخي.. بل تعمل على تعميق صلته ـ أي الفنان ـ بالواقع الاجتماعي والثقافي والحضاري، وتفعيل دوره في المحيط الانساني.. لذلك نرى في خمسينات القرن الفائت، ظهور ثلاث جماعات فنية تزعّم كل منها فنان تميز باسلوبه الفني وثقافته وشخصيته الانسانية.

بعد كل هذا الجدل الذي قدمه رواد التشكيل ونقاده في العراق انحسر الان وجود الجماعات الفنية اليوم في واقع الحركة التشكيلية في العراق.. بل أن آخر الجماعات الفنية هي جماعة الاربعة التي ظهرت في اوائل الثمانينات وكانت تضم: فاخر محمد ـ عاصم عبد الامير ـ حسن عبود ـ محمد صبري.. وفي النحت ظهرت في السنتين الأخيرتين جماعة أزميل التي تضم الفنانين رضا فرحان، وهيثم حسن، ونجم القيسي، وأخرين. ولذلك اسبابه الكثيرة.. حارورنا عدد من التشكيليين العراقيين للوقوف عند أسباب اختفاء هذه الحالة في المشهد التشكيلي العراقي، وقبل ذلك ما أهمية هذه الجماعات في التشكيل العراقي.

رضا فرحان: مشكلة التشكيل اليوم ليس الإنتاج بل التقديم والعرض

ان تغير البيئة الحاضنه للثقافة في كل مجالاتها في الأدب والتشكيل والمسرح والسينما بسبب تغير قيم الحياة والقيم التربوية نتيجة التطور في التكنلوجيا والاتصالات هذا غير الكثير من ما كان سائدا في الستينات الخمسينات، كانت هناك جماعات فنيه مثل جماعه بغداد وجماعه البعد الواحد جماعات اخر ي لها رموز وفلسفه وبيان يؤطر وجودها واستمرت بعض الجماعات لغايه االثمانيين، وبعد الحصار وهحره الكثير من الفنانيين توقفت هذه النشاطات وبديلها، تجمعات هنا وهناك تجمعها النساطات والمعارض

اما جماعه ازامييل فقد تأسست في ظروف مختلفة، واطلقت بيانها الأول، وتضمن البيان اظهار النحت العراقي وتقديمه بشكل واعى ومؤثر، وكان معرضها الأول في جمعيه التشكيليين العراقيين، تحيه لصالح القرغلي واكدنا علئ مشكله تقديم النحت للتلقي بشكل واعى ومدروس.. مشكله التشكيل اليوم ليس الإنتاج بل التقديم والعرض.

حسن عبد الحميد: شح او انعدام الجماعات الفنية

ان من المعلوم بان جميع الحقائق في الكون الذي تسكنه هي نسبية،وليس من مطلق فيه سوى الموت والتغيير ما مرد هذا المدخل ودواعيه فيما ينصب ويتعلق بهذا السؤال الاستطلاعي حول اختفاء الجماعات الفنية من المشهد التشكيلي في العراق؟ لب الجواب سيكون بعوامل وفواعل "التغيير" الذي يكاد يجانب او يحاذي او يحايث فكرة و موضوعة "الموت" كيف؟ لعل ما حصل من تغيير في عراق/نيسان2003.

شاء ان ترك ظلالة كثيفة على عموم نواحي ومفاصل الحياة، و ربما كذلك في الاعوام التي سبقت حرب الربيع عليه،جراء تناقص اعداد القاعات الفنية الى حد كبير، مما اثر كثيرا -بدوره- على مثل تلك الجماعات وتقليل دافعية الميول والاستجابات الخاصة بالتشكيليين على نحو واضح، يصاف الى ذلك ان طبيعة التغيير العاصف الذي اصاب العراق بعد احتلاله الامريكي، والذي كان شكلا من اشكال العولمة تم فرضها شىأنا ام بينا علي مجريات ما حصل وتواصل حتى الان من تأريخ عمر اليوم

،حيث ذابت بعض ملامح الهوية المحلية لصالح الهوية العالمية من حيث ندري او ندري بعد التطور المهول والحاصل في معمار بنية الأمبربالية والتي هي اعلى مراحل-هو معروف وشاخص و مدروس- الاستعمار حتى وصلت الان الى ما تسمى ب" الامبريالية الثقافية.

وبما الفن والفن التشكيلي-هنا حصرا- هو من منجزات و محصولات الثقافية- الجمالية- الذوقية الصرفة، وحدث ان اصابته (اي التشكيل)تلك النوبات التغييرية في بنية التفكير الفردي على حساب التفكير الجمعي اوالجماعي،

والرسم والنحت والخزف وكافة متعلقاته،هي نتاج ذات نزعة فردي-اولا واخيرا-.لم نكن نألف مثل هذه الحوامل والعوامل ذات النزعاات التأسيسية الرامية للانضواء تحت خيمة او مظلة الجماعة،الى الحد الذي وصلنا اليه،والذي وصلت اليه من قبل جماعة الفن الحديث وجماعة اصدقاء الفن وجماعة البعد الواحد وجماعة الاربعة وغيرها في دواعي ومناهل ما كان يسكنها وينتج عنها من بيانات وتعليلات وتقديرات تشي بروح الجمع عبر ذوبان روح الفرد وتجربته في نسيج الجماعة،مع حاصل التمييز الاسلوبي والفكري لتجربة هذا الفنان وذاك، عندي تبرز مقولة الشاعر الراحل سعدي يوسف"أسير مع الجمع وخطوتي وحدي" لتنهي ذلك الجدل المقترح والمتوقع حول فردانية الشخص وطبيعة التفكير والتفيذ وصولا للاسلوبه.

ان ما يقع في محيط ودائرة غياب أو اختفاء الجماعات الفنية-وان وجدت، فهي قليلة لحد الشح- بظني وفائض افتراضي يعود لطبيعة الهواجس. التطلعات بل حتى الاحلام ورجاءات الاماني، التي تغامر لتصل الى ضفاف وجودها الفردي،لان عصر الاحلام الجماعية شاء ان انفرض منذ عقود بعيدة في عقليات وتوجهات العقل الاوربي و الامريكي ومن سار منهم ومعهم في ركاب العولمة، عبى تقديم الذات المبدعة على الذوات بهواجسها الجمعية، كما اشرنا وقلنا بان مثل هذه الانواع من الفنون ذات نشاط فردي محض،غير المسىرح والسينما والفرق الاوركسترالية والرقصات الفرقية وغيرها العديد.

ولمن يراوده او يجتاحه سؤال مفاده: لماذا كانت هذه الجماعات،ولماذا اختفت؟!، نقول بجملة ما قلنا؛ لكل زمن..زمنه، ولكل عصر واوان.. عصره واوانه، وما هذه التجمعات والتكتلات بنوازعها الابداعية و كوامل نضج الكثير منها،

عجزت على ان تتطاول و تمتد وتتمدد اكثر، لذا أضمحلت واختفت، ورضيت بان تكون مجرد ذكريات وحواضن أرشيف زها به-يوما- المشهد التشكيلي العراقي، ولم يزل يحتفي،لكنه لا محال أختفى،بسبب الزمن والتغيير وعوامل اسباب اخرى،ن

ستار كاووش: العبور الى جهة أخلرى

كل تجمع فني يظهر، يجب أن تكون لديه أهدافاً جديدة كي يمضي بالفن نحو مناطق تبدو غير متاحة للفنانين الآخرين، عليه أن يقدم رؤية مختلفة تنقل الفن من ضفة الـى أخرى، عليه طرح تقنيات غير مسبوقة، ومصحوبة بأفكار تُضيء شيئاً من العتمة الموجودة في المشهد التشكيلي بشكل عام. وبهذه الحالة تكون الجماعة الفنية أشبه بالنافذة الجديدة التي تُفتح في بيت الفن بشكل عام. أما حين يجتمع ثلاث تشكيليين أو عشرة رسامين لعرض اعمالهم سوية فهذا أشبه بالمعارض الجماعية التي يشترك فيها مجموعة من الفنانين رغم اختلاف أساليبهم ورؤاهم ومعالجاتهم وحتى مستواهم. وهناك بعض الاستثناءات في الفن العراقي، مثل جماعة بغداد للفن الحديث التي أسسها جواد سليم في بداية خمسينيات القرن العشرين، حيث كانت تحمل أفكاراً جديدة وقتها، ولديها تطلعات للإمساك بالمحلية بطريقة معاصرة وجديدة، وكان تأثيرها جيداً فيما بعد. برأيي الشخصي، لأجل تأسيس جماعة معينة لا تكفي بعض العلاقات الاجتماعية وحتى مجموعة الافكار التي تربط بين الفنانين، بل يجب أن تربطهم مجموعة من الحلول التشكيلية والتقنيات والرؤى التي تخرج عن السائد، وتفتح طريقاً جديداً يسير عليه الفنانون فيما بعد. ألم يكن الانطباعيون جماعة من الفنانين، يلتقون في مقاهي باريس لمناقشة تقنياتهم الجديدة، وما أن أقاموا معرضهم الأول سنة ١٨٧٤ أثروا على كل العالم. وحين أسس كريخنر وبعض الرسامين جماعة الجسر سنة ١٩٠٥ في دريسدن، كان غرضهم هو العبور بالفن الى جهة اخرى جديدة تواكب أفكارهم وتطلعاتهم الفنية وتقنياتهم الجديدة، وقد انتشر تأثيرهم بسرعة ووصل الى مناطق غير متوقعة. وكذلك جماعة الفارس الأزرق التي أسسها كاندينسكي مع صديقيه الفنانين فرانس مارك وأوغست ماكه، كان لها تأثير عظيم على الفن، حيث طَوَّرَ كاندينسكي أسلوبه خلال تلك الفترة وأسس الفن التجريدي. وكانت آخر الجماعات العظيمة هي جماعة كوبرا التي تأسست سنة ١٩٤٩ وضمَّتْ فنانين من كوبنهاغن وبروكسل وأمستردام (ومن الحروف الأولى لأسماء هذه المدن إستنبط أسم كوبرا) وظهرت كرد فعل لما تركته الحرب العالمية الثانية، حيث ارادوا العودة لينابيع الطفولة والعفوية في الرسم، ورغم عدم استمرار هؤلاء الفنانين طويلاً كجماعة لكن تأثيرهم كان طاغياً ومذهلاً. في وقتنا الحاضر، بل منذ سنوات بعيدة نسبياً، لم يعد الفن بحاجة للجماعات الفنية، وصار فردياً أكثر من السابق، حيث يبحث فنانو اليوم عن حلولهم ومعالجاتهم الخاصة.

خالد خضير الصالحي: الجماعات الفنية الرؤية الجماعية.. والحرية الفردية

خضع الفن التشكيلي منذ بداياته الى هيمنة فكرية هي متلازمة (ايديو/خارج) بصرية بما تحتويه من موجهات، ولزوميات تسبق انجاز العمل الفني؛ ويتردد صداها فيه بعد إنجازه؛ فلم تكن هنالك أهمية لحرية الفنان، والإحساس بأهمية (القطيعة) واعتبارها الشرط الأهم للإبداع، فكان التفرد الأسلوبي منحسرا الى مستويات متدنية، وهو ما وقع فيه جيل الخمسينيات، وكان ذلك سببا كبيرا لتكريس تأسيس الجماعات التي فهمت العمل الفني التشكيلي باعتباره ضربا من (الرؤية الجماعية) التي تهتم (بمعنى جمعي) للعمل الفني؛ فكانت كما وصفها شاكر حسن ال سعيد "تمثل رسوخ الوعي الاجتماعي في العمل والفن"؛ وطرحت جماعة بغداد للفن الحديث، وهي الجماعة الخمسينية الأكثر نمطية وقياسية في بيانات جماعات الخمسينات، وتبعتها الجماعات الأخرى، في طرح رؤية أسلوبية جماعية يضيع فيها جزء ضخم من شخصية المبدع لصالح تحقق (ايديو/خارج) بصرية كانت ناتج روح التجمع لدى جيل الخمسينات؛ ونتيجة شيوع درجة من التماثل، او التقارب الأسلوبي، وتكريس (متتابعات شكلية) كانت امرا هاما في ظهور الجماعات الفنية في العراق في الخمسينات، وشيوع (نسخ) التجارب التي تلقى قبولاً بمعايير البيانات الخمسينية، كما حدث لتجربة جواد سليم التي لم تفهم كونها مقترحا فاضحت (نمطا شكليا اعلى) مقدسا.

لقد بدأت (المتتابعات الشكلية) بالاختفاء في أجيال ما بعد خمسينيات القرن الماضي، حينما طغت الروح الفردانيةُ في المنجز المتحقق، وساد تمجيد الأسلوب الشخصي الذي يشكل (قطيعة مضافة) من خلال عاملين مهمين: داخلي تمثل بخواء الواقع الاجتماعي والاقتصادي، وفشل التجارب السياسية العربية، وهزيمتها في حرب حزيران، وخارجي تمثل في هيمنة الفلسفة الوجودية التي كرست الفردية، فكانت العملية الفنية تحاول ان تبدأ في كل مرة بداية جديدة، منقطعة عن المنجز السابق، ومضافة إليه، "فالفنان كان يرضى ان تكون له ذرية تتلوه، ولكنه يرفض وجود أسلاف له سبقوه"، كما يقول (ا.ل.سمث)، مما يجعل من الصعب اكتشاف أنماط من تلك المتتابعات المتماسكة، كما وجدت في تجارب الخمسينيين.

ورغم شيوع الفردانية في جيل الستينات فقد تزامن ذلك مع ازدياد الرغبة في تأسيس الجماعات!، التي تجاوزت العشرين عدداً، وهو ما يدخلنا في تناقض كبير، لكن الامر ليس كذلك، حيث لم تعم الفردانية في فن الستينات سوى في الأسلوب الشخصي، بينما ظلت الحاجة الى اصدار البيانات الفنية لتشكل محاولات ردم الفراغ النقدي، والهوة التي حدثت مع متلقي الفن، فازداد اصدار البيانات الفنية للجماعات التي تنوع على فكرة (التعبير عن الروح المحلية)، ولكن تجارب الفنانين كانت تختط اساليبها بتفرد كبير، فتحول بعض الخمسينيين الفاعلين الى تمجيد التفرد الاسلوبي ولكن مع الإبقاء على البيانات كمقاربات مقترحة من الجماعات الفنية لتكون مطروحة اما المتلقين نيابة عن النقد التشكيلي الذي لم يقم بمهمته هذه بشكل كاف، فكان (التعبير عن الروح المحلية)، يعالج بتفرد اسلوبي اكبر هذه المرة كما في تجارب: البعد الواحد لشاكر حسن ال سعيد، وواقعية الكم لمحمود صبري، وتجربة كاظم حيدر التي "كان حافزها معرض (ملحمة الشهيد) من اجل البحث عن رؤيات جديدة"؛ فشكلت بداية الارتداد الاكبر في الستينات.

إن اهم جماعات الستينيات، (الرؤية الجديدة والمجددين) كانت "تمثل ولادة الفكر التقني والرؤيوي الذاتي المعاصر"؛ حيث صار (المجدد) يهدف إلى التعبير عن حريته في ممارسة التجربة الذاتية باتجاه التحول الثوري لجيل الستينات وهو "فهم العمل الفني، وأي عمل فني، من خلال (بنية) نفسها"، الا ان بقاء حاجة الجمهور والجماعات الى مقاربة مفاهيمية (ايديو/خارج) بصرية جعل جيل الستينيات وكأنما كان مصابا بما يشبه (الشيزوفرينيا الثقافية) فحدث انفصال ببين الجهاز المفاهيمي العتيق للجماعات والمستل من خطاب جيل الخمسينيات، وبين تمجيد الفردانية في منجزاتهم المتحققة، وحالما تم حل هذا الامر في جيل الثمانينات، وانتفت الحاجة الى خطاب جمعي ملازم للمنجز المتحقق فقدت الجماعات الفنية اهم أسباب ومقومات وجودها، واضحى تأسيسها نابعا من دوافع اجتماعية ليس الا.

عبد الكريم سعدون: اختفت الجماعات الفنية من المشهد التشكيلي العراقي وما كانت أهميتها؟

اِن اختفاء الجماعات الفنية التي تأسست في العراق في القرن الماضي، يتعلق كما اعتقد بأسباب ظهورها فيه، وهذا الظهور لايخرج عن عباءة أخبار الجماعات التي تشكلت في الخارج وبلغ تأثيرها في الفن في أوروبا والعالم، ولو شكلياً، ففي الأربعينات كانت الأسباب الاجتماعية والحاجة الى نوع من التنظيم الذي يجمع الفنانين والمهتمين بالفن لايجاد أرضية للتداول وتبادل المعرفة الفنية فيما بينهم، هو المحرك لظهور بعضها، وفي الخمسينات فقد تطور الوعي الثقافي والسياسي بشكل عام متمثلاً بسطوة الأفكار القومية واليسارية وكذلك تطور الوعي الفني لدى الفنانين بزيادة الاطلاع على مجريات الفن في العالم، فكان المحرك الاساس ليشكل لدى بعض الفنانين على سبيل المثال، الرغبة في ان تكون هناك ملامح محلية خاصة تميز النتاج الفني وتبتعد فيه عن التغريب وتنهل من تراث الرسم في العراق وفي الستينات كان العالم يعج بالدعوة الى التمرد على ماهو موجود ومنه المنجز الفني، فكان الفنان العراقي وخصوصا من الجيل الثاني بعد الرواد، يتطلع الى اِنجاز أعمال فنية تمتثل لروح العصر وتمثل روح المغايرة والتجديد وكان ذلك بمثابة دافعا لبعض الفنانين لتشكيل جماعات فنية أخرى مغايرة.

ولكن الهدف الأساسي من تأسيس الجماعات كان غائباً فعلياً لاسيما ماهو متعلق بوجود فكر فني محرك وتقنية انتاج يعملان على توجيه النتاج في مسار معين يميز منجز أعضاء الجماعات بالرؤية التي يشترك فيها الجميع، لذلك في الإمكان رؤية ان الجماعات الفنية في العراق كانت منفرطة من لحظة تأسيسها لغياب الاتفاق على مسار موحد بين أعضاءها حيث ينتج الفنان برؤيته الخاصة مايريده وما يجمعه مع الاخرين هو الرؤية المشتركة في البيان التأسيسي وان يكون فاعلاً في معارضها فهو حر في ما ينجزه.

لا تمتلك جماعة الرواد مثلا رؤية محددة خارج النيات الحسنة المتمثلة بتفضيل العمل بشكل جماعي وكأصدقاء، ولم تستطع جماعة بغداد الصمود طويلاً فقد ظلت تأثيرات جواد سليم فقط مهيمنة وتشكل ارثاً لها، أما الجماعات الأخرى فأن أهميتها لاتكمن في رؤيتها التي تشكلت من اجلها فملامح إنجازات أعضاء الجماعة تميزت بطابعها الفردي أيضا بسمته التي تؤشر الى تمرده على نتاج من سبقوه من الفنانين الرواد. ولكني أرى ان الأهمية تكمن في ان الجماعات الفنية الفاعلة كانت دافعاً لان يخرج الفن الى آفاق رحبة وحركت تنافسا مشروعا بين الفنانين وساهمت في تكوين صورة الفن العراقي المميزة التي عرف بها، أما تأثير الجماعات الفنية بقي بلا شك وفي أحسن الأحوال عملا محلياً بالدرجة الأساس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram