بغداد – 964
حسام السراي
أصدر الروائي خضير فليح الزيدي، روايته الجديدة "بنات غائب طعمة فرمان" التي يحاول من خلالها عبور المحلية العراقية عبر إصدارها بالتعاون مع دار نشر تونسية على أن تصل القارئ العراقي من تونس الشهر المقبل.
الزيدي هو أحد الكتّاب الذين أصدروا مجموعة من الأعمال الروائية التي بدت من عناوينها ومجريات فصولها وهي تساجل أحداث البلاد وتقلباتها في السياسة والحياة الاجتماعية، مثلما تبحث عن أفق آخر كاشف للواقع العراقي المأزوم وتحديات الإنسان فيه، ويمكن تلمس ذلك في روايات "فندق كويستيان" و"الباب الشرقي" و"أطلس عزران البغدادي" و"عمتي زهاوي" و"الملك في بجامته".
شبكة 964 حاورت الزيدي عن عمله الروائي الجديد.
– أيُّ معنى يسعى إليه عنوان كتابك "بنات غائب طعمة فرمان"؟
– في البدء أستطيع القول إننّي مغرم شخصياً بالروائي العراقي غائب طعمة فرمان، فهو يُعد رائد "الرواية العراقية الفنّية" في العراق، وهو من أرسى فنونها الريادية باقتدار وحنكة، لكنني بالمقابل أرى عدم اعتراف بهذا الكاتب كثيراً من الأجيال اللاحقة، ولو تفحصنا هذا الرأي أستطيع القول إنه بمصاف الروائي المصري نجيب محفوظ، لكن الأخير يحظى بسمعة عالمية عظيمة، وقد حصل على جائزة نوبل وأصبح الروائي الأول للناطقين بالعربية، فيما فرمان لا يعرفه إلا نخبة المهتمين بشأن الرواية العراقية وفرمان لا يقل إبداعاً عن محفوظ.
جاء هذا العنوان بعد مناقشة فكرية لمرجعياتي الثقافية ودراسة فاحصة لتاريخ الثقافة العراقية ومؤامراته، لهذا كلّه غدت كتابتي لرواية "بنات غائب طعمة فرمان" لتكون محاولة إحياء الأثر الثقافي، فيما الرواية بُنيت على فكرة استحضار فرمان إلى أمكنته الأولى في رصافة بغداد، كما هو استحضار السحرة لـ"شخصية غائبة" عن الوجود.
هذه الفكرة جاءت بعد أن وصلت "مكتشفاً/ باحثاً/ شغوفاً" إلى هيكل بيته الأول في منطقة المربعة وقد أصبتُ بخذلان كبير على هذا الأسى الثقافي والإهمال، فرمان كان مغرماً بالمناطق الشعبية وبشخصيات القاع العراقي فقلت: (فرمان بلا نخلة ولا جيران)، كان حتى في غربته، والتي أخذت نصف عمره، لم يتخلّص من هيمنة الأماكن البغدادية عليه، فماذا لو عاد فرمان إلى بغداد من جديد؟ تلك هي الفكرة الإسقاطية التي بُني عليها العنوان، والحق أن فرمان لا بنات له، وتلك هي مفارقة الرواية.
– ما الإسقاط الأساس الذي يستحضره هذا العمل الروائي على الواقع العراقي الحالي؟
– ربما بحكم معايشتي الشخصية لكلِّ ما يخص حياة الكاتب أولاً، ثم العيش مع شخصيات رواياته دهراً طويلاً، أستطيع القول إن فكرة عودة فرمان إلى بغداد – كما في روايتي – من جديد في عام 2006، افتراض فنّي جعل الرجل يهرب منها مجدّدا، لأن بغداد الحياة الجديدة ليست بغداد الروايات القديمة، ولأن شخصيات الرصافة البريئة منها لم يعد لها وجود أصلاً. كما أن نهر دجلة لم يعد شاعرياً أو ملهماً بنسائمه كما في الأدب العراقي القديم، هذه الفكرة تنعكس على كل مغترب يعود إلى بغداد وقد طفق به الحنين إليها، فيُصدم بثقل الحياة المتحوّلة، ليهرب منها إلى الأبد.
– صف لنا بغداد بنحو أكثر تفصيلاً في "بنات غائب طعمة فرمان"؟
– بغداد في روايتي تختلف عن بغداد في روايات فرمان من رواية "النخلة والجيران" إلى "المخاض" و"خمسة أصوات" و"المركب" و"آلام السيد معروف"، بغدادي التي أعيش هي بغداد الفوضى العارمة والقتل المجاني والخوف والتلفّت في الظلام وبغداد الألوان المتنافرة والجدران المستفزّة لوجود الكائن المستكفي بذاته، بغدادان متنافرتان بينهما فسحة دم من التاريخ المُزيّف، بغداد في روايتي الأنثى فيها كائن مُستَفز تراها تسير خائفة وهي شخصية ضعيفة بالأساس بفعل تراكم العنف وهي أيضاً مرتبكة بفعل عوامل القسوة والقتل وعدم الاعتراف، فيما بغداد فرمان واضحة بصورتها من دون ألوان براقة وزائفة، كان الهم الوطني والطموح السياسي الغالب على شخصيات فرمان الأمر الذي جعله يتنازل عن بعض ما ذهبت إليه شخصياته في أثناء عودته الافتراضية.
– دار مسكيلياني التونسية هي الناشر لهذه الرواية، ربما أنت من الكتّاب القليلين الذين نشروا في دار تونسية، لِمَ اخترتها؟
– لقد اختارت منشورات مسكيلياني العمل هذه المرة مع كاتب عراقي للمرة الأولى، أستطيع القول إن العمل مع دار متخصّصة في الرواية العربية تحديداً لم يأتِ اعتباطا فهي تجربة غنيّة في الخصوصية والنضج، ربما ثلاث سنوات من العمل المتواصل هي فترة يجدها أيَّ كاتب طويلة نسبياً، لكنها ناضجة من أجل الوصول إلى رواية فنية مكتملة الأطراف، وقد اخترتُها أيضاً لأن العمل فيه تفاصيل فنّية دقيقة لا أستطيع البوح بها الآن، لكنها على العموم تجربة غاية في النضج الفنّي.
– هل وصل الكتاب إلى بغداد، وما رسالتك للقراء عبر هذا العمل؟
– ستصل الرواية إلى بغداد في غضون شهر أو أقل، وهي متوفرة في معرض الرياض كأول مشاركة لها في المعارض العربية، الرواية هذه كتبت لأن تكون عربية، أي يستطيع القارئ العربي من خارج العراق التماهي مع الأجواء الداخلية فيها، لقد بالغ الروائي العراقي كثيراً فيما سبق بمحلّيته مما سبّب نفور القارئ العربي من بعض الروايات العراقية التي ضاعفت من المحليّة العراقية على حساب العربية.