TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مرساة: هل قرأ جنابُكم...؟

مرساة: هل قرأ جنابُكم...؟

نشر في: 19 سبتمبر, 2023: 11:07 م

 حيدر المحسن

سألتُ فتاةً تعمل في دار نشرٍ سوريّة عن قصص قصيرة مترجمة، وظهرت أمارات التعجّب على محيّاها الجميل، فازدادت حلاوة. أجابتْ:

"أينَ هي دار النّشر التي تدفع مبالغ بالدّولار كحقوق تأليف وترجمة مِنشان (أي لأجل) كتاب لا شيء فيه غير قصص قصيرة؟".

هو زمن أفول نجم هذا الفنّ في عالمنا، وإذا كان للفتاة صاحبة هذه الوظيفة البسيطة في عالم الثقافة الحقّ في التساؤل عن جدوى ومكانة القصّة القصيرة، فإن أديبا بارزا في فنّ المقالة، هو اللبناني سمير عطا الله، يشاطر هذه الفتاة الجميلة الرأي، وأعلن عنه صراحة في عموده اليوميّ في صحيفة الشرق الأوسط ليوم الأحد 8 أيلول الحالي. قال: "صدرت رواية جديدة للفرنسية آني أرنو (نوبل 2022) بعنوان "الشاب". مثل كلّ أعمالها لا يزيد على 77 صفحة، أي أقرب إلى القصة القصيرة. هل تستحق القصة القصيرة هذا التكريم العالمي؟".

تعجّبُ الفتاة يشبهُ سؤالَ شيخنا لنفسه تماما، ونفهم من الاثنين أن القصّة القصيرة لا تحتاج منّا البحث والتقّصي والترجمة والقراءة، وعلى هذا الأساس فإن كتّاب هذا اللّون من فنّ القصّ عليهم أن يكسروا أقلامهم، ويمزّقوا أوراقهم إلى الأبد.

يكتب سمير عطا الله المقالة الأدبيّة منذ عقود، ويدور في عمله مثل يعسوب على أزهار متنوّعة. أيّ كان موضوعها، تخرج المقالة في الأخير من بين يديه مثل رقصة على الجليد يؤدّيها أشهر شابّة وشابّ في تاريخ هذه الرياضة، وتسأل نفسك في كلّ مرّة لمن تقرأ بعد أن تُنهي مقالة شيخنا عطا الله، وليس هناك جواب واضح وشافٍ.

إمامُ سمير عطا الله في فنّ السرد هو يوسف إدريس، يمضي بالشيخ الزمان إلى أمام، أطال الله عمره، أو إلى الخلف حين تعمل آلة الذكريات لديه، ويحدّثنا في الحالتين عن ي. إدريس. وقال هذا في حوار إن القصة لا تستغرق منه أكثر من ساعة، هي المسافة التي يقطعها الأوتوبيس بين البيت ومحلّ العمل. بل هو يكتب أحلامه الشّخصيّة أحيانا قصصا ما إن يستيقظ من النّوم. بين أحلام اليقظة والنّوم توزّع أدب يوسف إدريس القصصي، ومع هذا يدعوه بعض النقّاد "تشيخوف" العرب، وكاتبنا سمير عطا الله من الذين يؤمنون بهذا المعتقد، ويعلنه جهارا نهارا.

تعريفُ القصّة القصيرة أنها نظام تحوّل إلى حدث، وعندما يغيب النّظام لا يوجد فنّ قصصيّ يُعتدّ به ويُذكَر، ومن خصائص المنام أن لا ترابط واتّصال بين أجزائه، ويعرضُ النّاسُ أحلامَهم للبيع خمس مئة بفلس، أو بأقلّ من هذا السّعر، ولا أحد يشتري. ومع هذا وجد القاصّ المصريّ نقّادا ودارسين أعطوه جائزة صدّام للآداب في إحدى السنين، ولا أعرف في الحقيقة مقدار هذه العطيّة، ولا أريد أن أعرف.

النّقاش في كافة أمور الحياة ينمو بالاختلاف في وجهات النّظر، أكثر منه بالتّوافق، ولا يمكن بأيّ حال رفض أو تسفيه وجهة نظر أحد، فهي تحمل قناعة قويّة لدى صاحبها كأنّ جبالا عديدة وراءها، وتبقى المُحاجَجةُ السبيلَ الوحيدَ للتّوفيق بين الفريقين. حجّتُك هنا أنّك لا تطمئنّ كثيرا إلى القصص التي تخلق نفسها في ساعات قليلة، فهي تفضح كاتبها بعد السطر الثّالث أو الرابع، ولا تكملها إذن أو أنك تقرَؤُها على مضض، إن كان مؤلّفها يحمل اسما شهيرا، ثم تهملها بعد ذلك. السّحرُ في القصّة ليس مثله في المقالة أو القصيدة، ولا حتّى في الرّواية، وكلٌّ على كارِهِ بصير.

في البدء (أي في الأربعينات) كانوا يدعون هذا النّوع من القصص (الصّغيرة)، ويبدو أن بعض الكتّاب والنّقّاد ما زالوا ثابتين على هذا الرّأي. سؤالان إلى سمير عطا الله أختم بهما حفلَ القصّة القصيرة هذا:

- أتعدّون أغاني فيروز أناشيدَ قصيرة؟

- هل قرأ جنابُكم قصص فؤاد(نا) التّكرلي؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram