TOP

جريدة المدى > سينما > كلاسيكيات: الفيلم البولندي (مخطوطة سرقسطة) (1965)

كلاسيكيات: الفيلم البولندي (مخطوطة سرقسطة) (1965)

نشر في: 20 سبتمبر, 2023: 10:17 م

يعد فيلم"مخطوطة سرقسطة"علامة فريدة في تاريخ السينما البولندية وفي سيرة مخرجه"فويتشيك هاس"، الذي قدم في ثلاث ساعات سينمائية، معالجة بصرية جمالية لرحلة مليئة بالفنتازيا والمغامرات تسرد بطريقة غير خطية حكاية ضابط بولندي نبيل يسافر عبر اسبانيا ويلتقي اشباحه في مواقف غريبة تعيده في كل مرة الى نقطة البدء، فتتداخل الاحلام بالحقيقة واطيافها.

يستثمر المخرج جماليات الرسم الكلاسيكي في تأطير لقطاته ببعد بصري يهتم بعمق المجال في الصورة وتشكيل زواياها وعناصرها بلغة فنية مبدعة يثريها على الشاشة تكامل اللونين "الأبيض والأسود" وتدرجاتهما الدالة.

هذا الفيلم الذي يعتبره "ديفيد لينش ولوي بونويل" من بين افلامهما المفضلة، مأخوذ في الأساس عن رواية رعب قوطي للرحالة والانثروبولوجي البولندي الكونت "جان بوتوكي(1761 - 1815) المسماة "مخطوطة وجدت في سرقسطة". في حياته كان "بوتوكي" قد زار بعض مدن الشرق خلال القرن الثامن عشر وكتب كتابا عن رحلته الى المغرب، وبسبب انغماسه في كتابة مخطوطته هذه تدهورت صحته فقرر الانتحار بشكل غامض في قلعته المنعزلة، وذلك بصنع رصاصة فضية هي حصيلة صهر طبق كانت والدته قد اهدته إياه، فوضع بذلك نهاية غريبة لحكايته مع الاشباح.

تمزج هذه الرواية مغامرات البيكارسيك مع التصورات الصوفية للكابالا اليهودية والحكم الأخلاقية وحكايات المشردين والنبلاء والصعاليك والغواني في اجواء كوميدية وايروتيكية يلمح بعضها ايضا الى سرديات عربية قديمة نراها على نحو خاص في حكاية فتاتين مسلمتين من تونس يتكرر ظهورهما في سياق قصتهما مع الفارس التائه.

عمل بوتوكي من هذه الزاوية البنائية يعيد الى الاذهان أجواء نصوص سردية كلاسيكية كبرى من قبيل (الديكاميرون وحكايات كانتبري) إلا ان صيغة التشابك والتداخل القصصي في الرواية والفيلم على حد سواء تحيل بشكل اساسي الى البناء الحكائي لكتاب(الف ليلة وليلة) وتأثيره الخالد.

كل حكاية تلد أخرى، وتلك الأخرى تلد سواها بتناسل سردي لانهائي. فاذا كانت الزوجة مثلا تسرد حكايتها عن العشيق فللاخير حكاية ثانية تعيده الى شياطين الحانة ومنها ندخل الى حكاية نبيل متنكر يسرد هو الاخر حكايته مع صديقه الجبان، وللصديق أيضا حكاية طريفة عن عشقه لامراة متزوجة واختها..وهكذا تتناسل الحكايات الى درجة ان نفقد احيانا خيط الحكاية الاساس.

ولنا ان نتساءل هنا: هل للحكي نهاية أساسا، اذا ما كانت ثمة بداية معلومة له؟

ربما كل شخصية ثانوية عابرة في قصة بليغة ما، يمكن لها بوحي الخيال ان تصبح شخصية رئيسية في حكاية أخرى نستطيع ابتكارها في سرد عجيب هو ضرب من صناعة الكذب المنظم اسوة بالسينما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

السحب المطرية تستعد لاقتحام العراق والأنواء تحذّر

استدعاء قائد حشد الأنبار للتحقيق بالتسجيلات الصوتية المسربة

تقرير فرنسي يتحدث عن مصير الحشد الشعبي و"إصرار إيراني" مقابل رسالة ترامب

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

ترشيح كورالي فارجيت لجائزة الغولدن غلوب عن فيلمها (المادة ): -النساء معتادات على الابتسام، وفي دواخلهن قصص مختلفة !

تجربة في المشاهدة .. يحيى عياش.. المهندس

مقالات ذات صلة

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر
سينما

فيلم (أنورا).. ذروةُ مُهَمَّشي سينما بيكر

علي الياسريمنذ بداياته لَفَتَ المخرج الامريكي المستقل شون بيكر الانظار لوقائع افلامه بتلك اللمسة الزمنية المُتعلقة بالراهن الحياتي. اعتماده المضارع المستمر لاستعراض شخصياته التي تعيش لحظتها الانية ومن دون استرجاعات او تنبؤات جعله يقدم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram