اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > انتزاع السلطة الأبوية

انتزاع السلطة الأبوية

نشر في: 23 سبتمبر, 2023: 11:26 م

د. اسامة شهاب الجعفري

أب أتى شراً على ولده الصغير... ماذا يصنع به المجتمع؟

هل باستطاعة القضاء إنتزاع السلطة الأبوية من هذا الأب او الحد منها؟ وماهو الاساس القانوني في الدستور والتشريع لانتزاع السلطة الابوية؟ وماهي الاسباب التي تبرر للقضاء انتزاع السلطة الابوية ؟ ومن هي الجهة التي تطالب بانتزاع تلك السلطة التي لم تعد صالحة هل هو القضاء من تلقاء نفسه ام بناءً على طلب اطراف اخرى؟ ومن هي تلك الاطراف الفاعلة التي يمكنها ان تتدخل لحماية الاسرة من ابٍ شرير؟

اولاً: الاساس القانوني لانتزاع السلطة الابوية

ليست الاسرة شخصاً معنوياً, ومع ذلك يقيم القانون بداخلها سلطة يسندها الى مناطها الطبيعي «الاب» اسماها القانون «السلطة الابوية» التي هي ميزة يمنحها القانون للاب تتيح له صلاحية اصدار أوامر وتوجيهات لاسرته المكونة من الزوجة والاولاد القاصرين تمكنه من التدخل في نطاقهم القانوني (النفس)و(الاموال). ولم يمنح القانون هذه السلطة باعتبارها حقاً خالصاً للاب للتسلط والهيمنة وانما لاجل قيامه بواجب رعاية اولاده وتربيتهم وتنشئتهم وحمايتهم, فلا يجوز استعمالها في غير صالح الاولاد.وان ممارستها لا تخضع لمحض تقدير الاب وانما هي خاضعة لرقابة القضاء. وهذه الرقابة القضائية ضمانة كافية لردع انحراف السلطة الابوية عن اغراضها النبيلة في تحقيق مصالح الاسرة واقامة العدالة والتوازن بين اعضائها, وضبط مسارها الاجتماعي والاخلاقي ومنع الاب من التعسف في ممارستها. ان السلطة الابوية هي وظيفة أخلاقية يستعملها الاب لصالح أسرته لا لمنفعته الشخصية. لذا كانت في طبيعتها القانونية حق وواجب لايستطيع الأب التنازل عنها للغير او يسقطها عن نفسه ولايستحق اجراً عليها.

مصلحة الاسرة هو الاساس الذي تُسند اليه هذه السلطة وتقوم من اجله, فبهذه الغاية الاخلاقية وحدها تكتسب هذه السلطة شرعيتها,واذا ما كانت السلطة الابوية تمارس خلاف هذه الغاية فانها تفقد الشرعية ويجب انتزاعها من الاب. وتكريساً لهذه الفلسفة القانونية أتجه العراق ومنع دستوره في المادة (29/رابعاً) جميع اشكال التعسف والعنف داخل الاسرة، فغير مسموح للاب التعسف في استعمال سلطته الابوية اوفرضها بالعنف,وأعتمد في قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 انتزاع السلطة الابوية والحد منها كاحد الوسائل القانونية لمواجهة ذلك الانحراف والتعسف اذا ما اقتضت مصلحة الصغير والمجتمع ذلك بموجب المادة (2/ثالثاً) منه والزم القضاء ببسط سلطانه لحماية الاولاد القاصرين من الاباء المنحرفين عن الغاية القانونية والاخلاقية للسلطة الابوية .

ثانياً: الاسباب الموجبة لانتزاع السلطة الابوية والحد منها

حدد قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 الاسباب التي تبرر للمحكمة الحكم بانتزاع السلطة من الاب واسنادها الى اقارب الصغير او الى مؤسسات رعاية الأحداث التي نص عليها هذا القانون, و يمكن تصنيف هذه الاسباب الى ثلاثة اسباب: هي: الانحراف الاخلاقي والاجتماعي للاب, العنف, الاهمال في الرعاية والتربية . ويمكن بحثها وفق الاتي:

الإنحراف الاخلاقي والاجتماعي للأب

الاسرة نظام اخلاقي يغرس القيم الاخلاقية والاجتماعية بنفس الصغير,ويقف الأب على رأس هذا النظام, ومن اجل ذلك اهتم القانون بالمؤهلات الشخصية للاب عند اسناد السلطة الابوية له, فاشترط ان تكون شخصية الاب مستقيمة غير منحرفة اخلاقياً واجتماعياً ليكون مؤهلاً لتولي مسؤولية رعاية صغيره وتحمل اعباء تربيته, والاستقامة هنا ليس خطاً هندسياً في الفضاء وانما رسماً واقعياً لسلوك الاب في اسرته ومجتمعه, ويجب ان يبلغ انحرافه الاخلاقي والاجتماعي درجة خطيرة ومن ثم يبرر انتزاع السلطة الابوية منه ومعيار ذلك هو ارتكابه احدى الجريمتين الاتيتين:

اولاً: جريمة الإخلال بالأخلاق والآداب العامة.

ثانياً:جريمة الجناية العمدية ذات العقوبة السالبة للحرية مدة لا تقل عن ثلاث سنوات.

والقانون افترض وجود الخطر على الصغير واخلاقه افتراضاً غير قابل لاثبات العكس لمجرد ارتكاب الاب احد الجريمتين, فاذا كان المربي الاول وقدوة الصغير منتهكاً للأخلاق والآداب العامة التي تحكم المجتمع ومجرماً معتدياً على حقوق ومصالح الغير, هنا يسدل الستار على الأب وتنتزع سلطته الابوية لانه سيكون مضراً على اخلاق الصغير ومصالحه ومصالح المجتمع الذي يرغب ان ينتمي الصغير اليه كفرد صالح.

العنف الاسري

العنف الاسري هو سلوك عدواني لا يمت للتربية بصلة يمارسه الاب مستغلاً عدم تكافؤ القوة داخل الاسرة, ضحيته الفئة الضعيفة المتمثلة بالصغير والمرأة, ويفرض الاب سلطته مستعملاً العنف غير المشروع للاعتداء الجسدي واللفظي على شخص ولده الصغيرمسبباً له اضرار نفسية وجسدية واجتماعية,واعتداء الاب على صغيره جسدياً ولفظياً يعد اخلالاً لالتزام الاب بحماية الصغير مستغلاًلسلطته الابوية وضعف الصغير, ويعد هذا الاخلال سبباً قانونياً كافياً لسلب السلطة الابوية منه ومنحها لمن يحترم هذا الواجب القانوني, فحق الصغير بالحياة الامنة حق من حقوقه الطبيعية التي يحميها القضاء, واشترطت المادة (32/ثانياً) من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل ان يصدر حكماً قضائياً على الاب بجريمة الاعتداء على شخص الصغير بالجرح او الضرب المبرح او بالإيذاء العمد ومن ثم يكون هذا الحكم القضائي سنداً لاثبات انتهاك الاب لواجب حماية الصغير الذي يبرر سلب السلطة الابوية.

الاهمال في الرعاية والتربية

يلتزم الاب برعاية وتربية ولده الصغير.والرعاية تكون من خلال قيام الاب بتوفير احتياجات الصغير والاهتمام بدراسته وتعليمه وبصحته وامنه,ويلتزم الاب بتربية صغيره ايضاً من خلال تشكيل شخصيته على وفق القيم الانسانية ومساعدته لاكتشاف وتنمية مواهبه وهواياته وثقته بنفسه وجعله فرداً واعياً, مقداماً على الحياة, ويتطلب تنفيذ واجب الرعاية والتربية اشراف مباشر من قبل الاب. الا انالاب قد يخل بهذا الالتزامبإهماله وتقصيره, و لكن القانون لا يقرر سلب السلطة الابوية اذا ما اهمل الاب بتربية ولده الا اذا ترتب على هذا الاهمال «تشرد الصغير» و»انحراف سلوكه», وبموجب (م24- م25 ) من قانون رعاية الأحداث العراقي, ويعد الصغير متشرداً في حالات:(التسول, بيع السكائر او صبغالأحذية, ليس له مربي ولا وسيلة مشروعة للعيش, الاماكن العامة محل اقامته, ترك المنزل دون عذر مشروع, العمل مع غير ذويه). ويكون الصغير منحرف السلوك في الحالات الآتية: (العمل في اماكن الدعارة والقمار وشرب الخمور, خالط المشردين او المشهورين بسوء السلوك). فالأب الذي يدفع صغيره نحو التشرد وانحراف سلوكه يقرر القضاء سلب سلطته الابوية استناداً للمادة (م32/ثالثاً) من قانون رعاية الأحداث العراقي.

ثالثاً: الاطراف التي تطلب انتزاع السلطة الابوية والحد منها:

حددت المادة (32) من قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 الاطراف التي لها الحق في طلب انتزاع السلطة من الاب واسنادها الى اقارب الصغير او الى مؤسسات رعاية الأحداث التي نص عليها هذا القانون, وهي : القضاء – الادعاء العام – اقرباء الصغير.

القضاء

القضاء حامي الحقوق والحريات ويمتلك الولاية العامة على الاشخاص والاموال, وان سلطة ابوية شريرة تمتلك روح اجرامية لا يؤتمن على حق الصغير بالحياة, فتعرضه للعنف اسري واهمال في الرعاية والتربية تهدر حق الصغير بالحياة. وصلاحية القضاء في سلب السلطة الابوية قد تكون وجوبية وقد تكون جوازية,وتكون صلاحية القضاء بسلب السلطة الابوية وجوبية عندما يرتكب الاب جريمة من الجرائمالمخلةبالأخلاقوالآداب العامة او احدى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة البغاء رقم 8 لسنة 1988 وكان الصغير هو المجنى عليه في جميع هذه الجرائم بموجب (م31) من قانون رعاية الأحداث العراقي, عندئذِ لايملك القضاء الا سلب الابوية من الاب.

الادعاء العام

الادعاء العام يمثل المجتمع ويدافع عن المصالح العليا للشعب ومن الاطراف الفاعلة والساهرة لحماية الطفولة والاسرة بموجب (م2/اولاً وسادساً) من قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017, ومنحه القانون قدرة اقامة الشكاوى والتدخل فيها تحقيقاً لاهدافه بموجب (م5) من قانون الادعاء العام العراقي, فهو يتدخل لحماية الصغير كلما تطلبت المصلحة العامة طالباً من القضاء سلب السلطة الابوية اذا ما توفرت احدى الاسباب التي تبرر انتزاعها او الحد منها لكي يسد الثغرة الناجمة عن تخلي احد اقرباء الصغير من تقديم ذلك الطلب. وللمحكمة صلاحية جوازية في ذلك فطلب الادعاء العام يخضع لتدقيقها وتحقيقها, واذا ما تكونت قناعة المحكمة التي تقوم على اساس مصلحة الصغير ومصلحة المجتمع فانها تصدر قرارها بانتزاع السلطة الابوية بموجب (م32) من قانون رعاية الأحداث العراقي.

اقارب الصغير

يعد اقارب الصغير طرفاً اجتماعياً ثالثاً الذي يملك حق مطالبة القضاء بسلب السلطة الابوية اذا ما تحققت مبرراته واسبابه القانونية, ولم يحدد قانون رعاية الأحداث العراقي من هم «اقارب الصغير» الذين لهم حق التدخل امام القضاء لمطالبته بسلب السلطة الابوية من الاب وانما جاء المصطلح مطلقاً دون تحديد, وبالرجوع الى (م38) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 فقد عرفت الاسرة بانها: (اسرة الشخص تتكون من ذوي قرباه, ويعتبر من ذوي القربى من يجمعهم اصل مشترك). فأسرة الفرد هم اقرباؤه ، والأسرة هنا يراد بها معناها الواسع فهي تشمل الزوجين والأولاد والآباء والأخوة والأعمام والأخوال وأبنائهم حيث يرتبط الجميع بأصل واحد مشترك, وهم القرابة النسبية, فالدرجة الاولى (الاب, الام, الزوجة, الابن, البنت,الزوجة) واقرباء الدرجة الثانية هم(الاخ, الاخت, الجد, الجدة, اولاد الابن, اولاد البنت) واقرباء الدرجة الثالثة (العم, العمة, الخال, الخالة) واقرباء الدرجة الرابعة(اولاد العم, اولاد العمة, اولاد الخال, اولاد الخالة). اما القرابة بالمصاهرة فتكون بسبب الزواج ونصت المادة (39/3) من القانون المدني العراقي على انه: (واقارب احد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة للزوج الاخر) فتكون زوجة الابن في الدرجة الاولى بالنسبة لوالد الزوج وكذلك زوجها يكون بالدرجة الاولى بالنسبة لوالد الزوجة, وتأسيساً على ذلك تكون زوجة الاخ تكون في الدرجة الثانية وزوجة ابن الاخ في الدرجة الثالثة. كل اقارب الصغير المتمثلين بـ (الام والجد والجدة والأخوة والأعمام والعمات والأخوال الخالات وأبنائهم) لهم حق اللجوء الى القضاء للمطالبة بسلب السلطة الابوية من اب الصغير اذا ما تحققت اسبابه, والقضاء هنا له صلاحية جوازية قائمة على قناعة القاضي التي تتأسس وفق مصلحة الصغير ومصلحة المجتمع .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram