TOP

جريدة المدى > عام > لــوركا وسيميـائية يرمـا

لــوركا وسيميـائية يرمـا

نشر في: 23 سبتمبر, 2023: 11:31 م

ناجح المعموري

سيميائية يرما، مسرحية لوركا، ترجمة حسين نهابة تجربة ثقافية جديدة، تنطوي على فعل مغامر، لأن السيمياء مرتبطة بلحظة بدئية، لها علاقة مع ذاكرة الرموز والعلامات التي انتجها الانسان وكرستها الأم الأولى.

والتفت حسين نهابة الى البدئية، حيث كان الكائن يفسر بعقلانية بعض الرموز الطبيعية التي عاشها لضرورات الحاجات اليومية بمعنى هي ضرورة جوهرية، وعودة المترجم حسين نهابة للعتبة البدئية وعي تجوهرات العتبات الحضارية البكرية. التي جعلت الكائن أكثر خبرة لفك الاشتباك مع الطبيعة وما جاورها من كائنات، حتى أحس باستقلاله في توظيف العلامات والاشارات التي ظلت سابحة في فضاء الطبيعة، وجعل منها آليات اتصال، أصوات / ايقاعات، وتوظيف الاستخدامات غير المدروسة، بل كانت وظلت عشوائية العلاقة مع الجسد وفي هذه التجارب الجوهرية، البكرية، أحس الكائن بامتلاكه سلوكاً سيميائياً بالإضافة الى الأشكال الرمزية والعلامات والاشارات ملموسة وقريبة جداً من الكائن الذي بذل جهداً تجريبياً للتوصل للقيم التعبيرية قبل العادات ومنحها حضوراً قوياً، حتى اضطر الى التشارك معاً بين الانسان وعالمه الخارجي. ومعروف بأن أفلاطون قاد نقاشاً وجدلاً حول أصل اللغة والعلاقات بين الكلمات ومعانيها وهو الذي أكد على أن الأشياء ذات جوهر ثابت، والكلمة وسيلة ربط وما نشأ بين الدال والمدلول هو الانسجام الذي يحلم به الكائن وهذا أهم انجاز حققه الإنسان بوجوده وسط الطبيعة.

كان القديس أوغسطين مهتماً بآليات المعنى في العلاقة اللغوية ويعتبر من أهم رواد السيميائية في العصور القديمة وقال الأستاذ حسين نهابة بأن السيميائية ليست نتاج اليوم بل هي نظرية عرفها الإنسان منذ القدم، لكنها لم تأخذ منهجها كنظرية إلا في القرن العشرين.

تعتبر السيميائية أحد مكونات نظرية الاتصال، لذا يتوجب الاهتمام باللغة التي تعد نظاماً سيميائياً فريداً.

تعامل الأستاذ حسين نهابة مع سيميائية المسرحية، حيث ميّز بين النص والتمثيل الذي يستخدم فيه نظام الاشارات المسرحية بما فيها الصوت والحركة والايماءات وتساهم السيميائية بتقديم كشوف للدلالات الموجودة بالمسرح مثلما تسلط الضوء على جماليات البناء الكاشفة عن المعاني الخفية في تفاصيل النص المتجاور مع الثقافة. ولأن المسرح مجال بنائي وفني لا تنفك علاقته مع الثقافة وكل منهما يعطي للآخر ما يحتاجه من تغذية تعلن بالتآزر جمالاً للعرض الفني. وللمسرح طاقة ثقافية وفكرية وأينما وجد العرض الفني برزت الثقافة طاقة حاضرة وقوية. وللمسرح ذاكرة عظيمة، ابتدأت منذ لحظة البدء الحضارية وحاز كل ما عرفته الحضارات. وهذه الملاحظة ستفضي لإشارة جذرية وهي العلاقة بين البدئية، بطقوسها ومقدساتها ونصوصها الاحتفالية، وبين المسرح الذي تتداوله الجماعات وأكثر الظواهر الفنية تداولاً هي الرقص والغناء بوصفها عناصر فنية جوهرية داعمة للطقوس، وللمرأة دور حيوي في ذلك.

يمثل التشارك في العرض المسرحي اندماجاً بما يجري وتعبيراً متناغماً بين الرجال والنساء من أجل ضبط الرسالة الفنية والثقافية. وهذا ما جعل من المسرح فناً مكوناً من تنوعات، جعلت منه سيداً للفنون. ولعب المسرح عبر سيمياء العرض دوراً ثقافياً قيادياً وبارزاً أعطى للفعاليات الدينية روحاً جديدة، ارتضت بالتشارك والانفتاح على كل ما يجري في الحياة والمعابد، حتى تكرست الطقوس بوصفها احتفاءات جمعية ولعل من الشواهد الدالة على التشارك دخول الأساطير والملاحم ونصوص الاحتفالات مثل الاكيتو. وهذه كلها تلعب السيمياء فيها، قادت الحضور في المناسبات لتأخذ دورها الجمعي الفاعل والذي نقل الرسالة من محدودية السيمياء الى فضاءها الواسع والكبير.

اتضح اهتمام الشاعر حسين نهابة بسيميائية يرما وفعلاً كان للشعر تمظهر بما يتناسب مع المسرح وانفتح حسين نهابة على فروع السيميائية ومنها:

1. سيميائية التواصل.

2. سيميائية المسرح.

3. العلامات المرئية.

4. العلامات الصوتية.

ولم يغب عن ذهنية المؤلف الوظائف والتي أشار لها وهي:

1. الوظيفة الدلالية.

2. الوظيفة الاحالية.

3. الوظيفة الاتصالية.

واجتهد المؤلف بفتح نوافذ عن الشخصيات وهي حسب الاهمية والدور الذي تؤديه في العرض

1. البطل.

2. الشخصيات الثانوية.

3. الشخصيات الجماعية.

4. الشخصيات المجازية.

ساهمت كشوف حسين نهابة للحديث عن سيمياء الشخوص ولذا اضطر الى فحص وقراءة أكثر من 25 شخصية، تحدث عنها بالتفصيل والإسهاب ولعل أهم ما ذهب اليه هو شخصية يرما.

أخيراً لابد من الاشارة الى أن "مسرحية يرما" من أهم المسرحيات في تاريخ المسرح، واستحقت من الأستاذ حسين نهابة الكثير من التأويل والتحليل ولاحق الشخوص كلها وحتى الشخوص ذات الأدوار الثانوية. ولأن الممثل كبير ومهم مما قدمه على المسرح.

ختاماً السيمياء علم على درجة كبيرة من الأهمية وحديث النشأة نوعاً ما، حيث لم تعرف في الوطن العربي إلا منذ وقت قريب، علماً انه قام بترجمة هذا العمل الأدبي في تسعينيات القرن المنصرم ولم ينشرها إلا عام 2014 وسعى في هذا الكتاب لتطبيق علم السيميائية على مسرحية "يرما".

كلما اتسعت القراءة تظل كثير من خفايا النص والالتماعات الجوهرية لشخوصه. الكتاب من المصادر الفنية المهمة جداً عن المسرح وأدعو كل من اهتم بهذا الفن وأراد الاقتراب من السيمياء أن يقتني الكتاب ويتغذى به.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

في مديح الكُتب المملة

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

مقالات ذات صلة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع
عام

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

علي بدركانت مارلين مونرو، رمزاَ أبدياً لجمال غريب وأنوثة لا تقهر، لكن حياتها الشخصية قصة مختلفة تمامًا. في العام 1956، قررت مارلين أن تبتعد عن عالم هوليوود قليلاً، وتتزوج من آرثر ميلر، الكاتب المسرحي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram