حازم رعد
من النادر جداً ان تحضى بانسان يفكر ويحتكر لذاته العمل بمدركات تجاربه العقلية الخاصة، فالاعم الاغلب من الناس يتبع ويقلد ولذا غاب فعل الابداع والتجديد من الحياة بشكل يكاد يكون كلياً سوى نوادر تظهر في كل جيل وجماعة تكون استثناء،
وترسبت في الاذهان تراكمات من افكار وفرضيات فقدت صلاحيتها وما عادت تلبي متطلبات الراهن او تسد حاجة الواقع المعاصر على مستوى الرؤية الكونية او طريقة العيش بل وحتى على مستوى شكل العلاقة بالحياة وبالاخر، والقاعدة تقول "ان تفكر جيداً هو ان تعيش جيداً" فسلوك كل انسان نتيجة الافكار التي حشي بها ذهنه، فلذا ليس بالعجيب ان نلقى اناساً يعيشون بيننا بعقلية القرون الوسطى يصرف سلوكاتهم هاجس الاستقواء على الاخر والغلبة والتنافس المذموم وسيادة شريعة الغاب، وليس بعجيب ايضاً ان تلقى نموذج من الناس يعيشون بأدبيات عقول مجتمعات بدائية اندرست فيتصورون ان الحياة الفضلى تكمن في القديم الغابر ضانين ان الحاضر محض وهم وزيف وكأن الافكار لا يطرأ عليها التطور والواقع لا يتغير مثل هذه العقلية الوقوفية "المتأترثة" لا تفقه معنى الحضارة والتمدن والعيش الكريم والمسالم ولا يريحها الا ضجيج الصراعات، نعم ان الجميع يمتلك ذات العقل فهو اعدل الاشياء قسمةً بين الناس لكن النكتة تكمن في طريقة استخدامه ونوعية مدخولاته من الافكار والالية التي يتم من خلالها ترجمة الافكار على شكل سلوكات في الواقع، وليس الخطأ في التفكير والاتباع لعقول الاخرين هما سبب تردي الواقع وانما قد تكون الاخطاء والفوضى والعبث مردها اسباب نفسية شخصية للانسان واضرب مثالاً من الواقع على ذلك، فحينما تسأل اي انسان عن صحة او خطأ ضرب الاشارة المرورية الموضوعة من اجل تنظيم سير المركبات او المشي بالسيارة عكس اتجاه الطريق فانه مباشرة ستكون اجابته بأن ذلك سلوك خاطئ ولكنه يمارس ذلك الخطأ بل الاكثر من ذلك وهنا تكمن المفارقة حقيقةً اذ نجد ذلك الانسان يكرر ممارسة ذلك الخطأ في الحياة العملية رغم معرفته النظرية بأنه سلوك خاطئ، يستشف من ذلك ان هناك اخطاء سلوكية يمارسها الانسان رغم علمه بخطئها وعدم صوابيتها مع ذلك يصر على فعلها وليس ذلك الا نتيجة ازمات وعقد نفسية ازاء القانون وازاء الاخرين تعصف بالانسان داخلياً يترجمها على شكل اخطاء توضحها تصرفاته، وما ذلك الا نتيجة ان الانسان يعيش ويمارس بعض السلوكات نتيجة تفكيره او نتيجة ازمات نفسية مسيطرة على تصرفاته،
وهذا المسألة من الاشكاليات التي لا تزال تأخذ مساحة كبيرة في حياة الناس لا على مستوى النظر والجهد العلمي وانما تشغل حيزاً كبيراً في سلوك الناس وتؤثر في معيشهم تحرك مشاعرهم وتوجه سلوكاتهم وترفع وتخفض عواطفهم وحماستهم سلباً وايجاباً، واحيانا استطيع تشبيه هذا التحكم القديم بالجديد اشبه ما يكون بحقل الغام فيه استعداد التفجر في اي لحظة.