اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > البحث عن التفوق.. من أميل زولا إلى ستانلي هايمن

البحث عن التفوق.. من أميل زولا إلى ستانلي هايمن

نشر في: 30 سبتمبر, 2023: 11:05 م

د. نادية هناوي

مرَّ النقد الروائي والتنظير السردي في الغرب على مدى قرن وأكثر بمتغيرات كثيرة، تمخضت عنها منجزات لها أهميتها في عالم النقد اليوم لما تركته من أثر وما شغلته من مساحة على مستوى العملية السردية والتمثيل والنمذجة التطبيقية.

ولكن الملاحظ على تلك المنجزات أنها عنيت بالسرد كفاعلية ليست لها قاعدة تستند إليها وكبناء لا تقاليد له سوى محاكاة الواقع تخييليا.

وقد ترسخ هذا الفهم حتى بدت الواقعية هي القاعدة التي عليها تقوم الفاعلية السردية، وساهم في توطيد هذا الفهم ما أسسه أقطاب الفلسفة العقلية الحديثة من حواضن فكرية، فيها نمت بذرة الواقعية وغدت هي نفسها حاضنا فكريا منه تتفرع صور جديدة ثم تنشق مستقلة لوحدها. ونظرة شاقولية في تراكمات الفكر السردي والنقدي في الغرب، ستؤكد ما تقدم بكل ما في التراكمات من معطيات وما رافقها من مدارس ومذاهب وتيارات. فأميل زولا(149ـــ 1902) وهو في مقدمة الروائيين الذين وضعوا تنظيرات في السرد الروائي، كتب مقالات نقدية صب اهتمامه فيها على(الواقعية) التي كان المنظرون السابقون قد أرادوها تقليدا يؤكد أنها السبب وراء ابتكار الجنس الروائي في العصر الحديث. وزولا زعيم تيار واقعي سمي بالواقعية الطبيعية في السرد. وابتكاره لهذا التيار لم يأت من جراء التقدم العلمي وكشوفاته الحديثة حسب، بل من وعي زولا بالعملية السردية وأنها ذات أصول لا يمكن خلخلتها إلا بالتركيز على الواقعية التي ما كان لها أن تكون لولا اللاواقعية كقاعدة عليها أقام الإنسان حكاياته ومروياته منذ سالف العصور، لكن الذي حصل أن اللاواقعية نسيت وصارت الواقعية هي المبدأ والمنتهى، يقول زولا:(في الماضي كان أجمل ثناء يمكن أن نخص به روائيا يتمثل في القول انه يتمتع بمخيلة اما اليوم فقد يعد مثل هذا الثناء انتقادا ذلك ان جميع شروط الرواية قد تغيرت ولم تعد المخيلة هي الخاصية الرئيسة للروائي).

وإذا كانت الواقعية هي دعامة الاحتجاج للرواية بأنها فن أوروبي، فان زولا يبرر هذه الدعامة بدعوته إلى إنتاج ما سماه(الحس الواقعي)(ومثلما كان يقال في الماضي عن الروائي " إنه يملك مخيلة" أطالب أنا اليوم بأن يقال إنه يمتلك الحس الواقعي وسوف يكون هذا الثناء أكبر وأكثر عدلا فموهبة النظر أقل شيوعا من موهبة الاختراع). ويقوم منظور زولا للحس الواقعي على فكرة أن الإدراك العلمي يمكّن من إدخال العلم في الرواية الذي به تولد الشخصية من الهواء والأرض كما تولد النبتة. وأن هذا الإدراك سيؤدي إلى إحداث تغيير في التقاليد التي سار عليها الكاتب الأوروبي في القرن الثامن عشر، وضرب مثلا بروايات مادلين دو سكوديري(1607ـ1701) ثم تطور هذا النهج مع فلوبير فلا انحياز للعاطفة الرعوية ولا اسرافات وصفية للرومانسية ثم أتى ستندال فكان(همزة وصل في الرواية بين التصور الميتافيزيقي للقرن الثامن عشر والتصور العلمي لعصرنا).

ويبدو زولا في آرائه هذه شديد الاهتمام بالبحث عن مسوغات تدعم فكرته في أن الرواية اختراع أوربي قاعدته واقعية، متذرعا بدعاوى كثيرة منها أن الأعمال الموروثة عن القرون السابقة كلها قصيرة نسبيا وأن مسألة المال هي حصيلة ذلك التحول الذي (عاشته الروح الأدبية في أيامنا الحاضرة) وكنتاج لتطبيق المناهج العلمية على الأدب. ويبدو حذر زولا قويا وهو يقول:(لا شك ان للعصور السابقة عظمتها الأدبية لكن من المضر إيقافنا عند تلك العظمة تحت ذريعة انه لن يكون هناك غيرها. فالأدب ليس إلا نتاجا لمجتمع بعينه واليوم شرع عصرنا الديمقراطي بامتلاك تعبيره الأدبي الرائع والناجز. ينبغي قبوله دون ندم أو صبيانية كما يجب الاعتراف بقوة المال وعدالته ونزاهته والتسليم بالروح الجديدة التي توسع ميدان الأدب عبر العلم الذي يحاول الوصول فيما وراء النحو والبلاغة ومن فوق الفلسفة والدين إلى الجمال الحقيقي).

وإذا كان اميل زولا قد اعتد بالعلم الامبريقي كطريق به يتعالى على علوم اللغة والبلاغة، فان الامريكي ستانلي هايمن(1919ـ1970) ركز على ما للنقاد الجدد الامريكان من فضل في إحراز التميز للغة الانجليزية، قائلا:(إن النقد الأدبي الذي كتب بالإنجليزية في مدى الربع الماضي من هذا القرن مختلف من حيث النوع عن أي نقد سبقه وسواء أسميته نقدا جديدا كما سماه كثيرون أو نقدا علميا أو نقدا عاملا أو نقدا حديثا كما يسميه هذا الكتاب، فان صلته الوحيدة بالنقد العظيم في العصور الماضية لا تعدو الصلة بين الخالف والسالف)

وقد لا نجانب جادة الصواب إذا اعتبرنا ستانلي هايمن أول ناقد غربي اتخذ من العلمية أساسا لنشأة نقد معاصر يوصف بأنه علمي وله صلات وثيقة بالعلوم الصرفة والإنسانية وبهذا سيتميز النقد الأمريكي يقول هايمن:(إن النقد النفسي للأدب ليعد في بلادنا نحن متطورا.. كفرع منظم من المعرفة). وإذا كانت العلمية طريقا لتميز المدرسة الأمريكية فان تناول انجازات نقادها هو طريق آخر لتميزها، ومن هؤلاء النقاد الذين أشاد بهم هايمن، الامريكي جون كروانسوم وكان قد طرح فكرة النقد الجديد الذي يفيد من العلوم الاجتماعية والتحليل النفسي والانثروبولوجيا والفلكلور والفلسفة والعلوم الطبيعية والتصوف والأخلاق والميتافيزيقيا.

ووقف هايمن أيضا عند الناقد الأمريكي بروكس، ووجده قام (في سنواته الأربعين وفي كتبه التسعة عشر بتحولات كثيرة.. كان جماليا واجتماعيا وفرويديا وكاتب بيانات.. والخيوط الرئيسة التي تهدينا إلى إنتاج الأديب إنما توجد في دراسة حياته وذاته وشخصيته وقد كتب بروكس يقول في كتابه" أمركة تشب عن الطوق Americas coming of age "1915 إن الطريقة الوحيدة المثمرة هي دراسة الشخص نفسه)

وليس وراء البحث عن التفوق وتجديد الأساليب والمناهج التي تجعل ضروب المعرفة في متناول النقد سوى غاية واحدة وهي تأكيد تفرد مدرسة النقد الجديد وسيكون هذا التوجه هو ميسم النقاد الأمريكان الذين سيأتون من بعد هايمن، ويركزون على ما للنقد الجديد من تميز وسيعمل كل واحد على شاكلته. ومنهم رينيه ويليك الذي أشاد بستانلي هايمن وعد كتابه (الرؤية المسلحة) 1948 (ترنيمة حقيقية لما أنجزته الحركة النقدية الجديدة في هذه البلاد التي بلغت الذروة في أمجاد بلاكور وكينت بيرك) (كتابه الهجوم على الأدب، ص177) وبهذا المسعى، أمكن لهذه المدرسة أن تتوسع وتتحول في أواخر القرن العشرين إلى مدرسة انجلوامريكية. ومعها صارت لغة النقد انجليزية وسيكون لهذه المدرسة القدرة على صناعة مستقبل النقد كمشاريع ومنظورات ومنطلقات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram