حميد الأمين
قررت الحكومة العراقية الاحتفال بيوم الثالث من اكتوبر عام 2023 واعتباره عطلة وطنية, ففي مثل هذا اليوم من عام 1932
نال العراق الأستقلال ودخل عصبة الأمم المتحدة التي انهارت عند قيام الحرب العالمية الثانية, هذا اليوم المزمع الأحتفال به عيداَ وطنيا كان أسود الأيام وأكثرها ظلما للفلاح العراقي, فتحت ضغط النضال الوطني خضع الأنكليز للموافقة على نيل العراق استقلاله ودخوله عصبة الأمم.
كان المستعمر الأنكليزي يخشى خروج الملك فيصل الأول عن السير في ركاب سياستهم الأستعمارية. وكان الملك فيصل الأول ينتهز الفرص للقيام بأصلاحات وطنية بعيدة عن مطامع الأنكليز. وحين فـرض عليه المحتل الأنكليزي معاهدة عام 1922 اصر الملك فيصل الأول الذي كان وطنيا ان تتضمن المعاهدة بندا يشترط المصادقة عليها أو ألغائها بواسطة مجلس النواب العراقي المرتقب تشكيله والذي شكل اعوام 1924-1925. وحين تم أنتخاب اول مجلس نيابي أرسل الملك فيصل الأول الرسل سرا الى أعضاء مجلس النواب طالبا منهم افشال المعاهدة وعدم الموافقة عليها الا ان أغلبية النواب كانت من شيوخ العشائر التي تربطهم بالأنكليز علاقات وثيقة أمتثلوا لأأوامر الأنكليز وصادقوا على المعاهدة, فمنذ اول أيام الأحتلال سارع الأنكليز الى الغاء الضرائب والديون المترتبة على الأراضي والتي فرضها العثمانيون. وأجروا مرتبات شهرية مجـزية لشيوخ العشائروخلعوا عليهم الهدايا.
ولما حان موعد رحيل الأنكليزعام 1932 اتفقوا مع حلفائهم من شيوخ العشائر ان يفـرض الأنكليز قبل رحيلهم على الملك فيصل الأول قانون ((التسوية)) الذي اعطى الحق القانوني للشيوخ في الأستيلاء على الأراضي التي كانت قبل ذلك ملكا مشاعا للعشيرة أي لجموع الفلاحين وتسجيلها بأسماء شيوخ العشائر فقط واعتبار الدين على ذمة الفلاح دينا ممتازا يجب ان يسدد قبل العمل أو الأنتقال الى مزارع أخرى, الأمر الذي جعل شيوخ العشائر الذين كانوا قبل هذا القنون لايملكون غير أرض صغيرة حالهم حال فلاحيهم الى طبقة اقطاعية ترتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية مع أثرياء المدن وتجارها وكبار موظفي الدولة وقد عزا بعض الباحثين اصدار هذا القانون الذي صب في مصلحة شيوخ العشائر بداية النظام الأقطاعي واختلال العلاقة التي كانت سائدة قرونا مابين الفلاح وشيخ العشيرة وكان من بين الباحثين الذين تبنوا هذا الرأي الدكتور علي الوردي وكذلك الدكتور ابراهيم كبه. وأن هذا التحول أدا الى ترد كبير في أحوال الفلاحين أكثر مما عليه حال أيام الدولة العثمانية, عندما كان الأنتاج الزراعي يوزع بشكل اقرب للعدالة على الفلاحين.
كان ثمن هذا ألأجراء الذي قام به الأنكليز لمصلحة شيوخ العشائر ان تعهد لهم الشيوخ باسقاط أي مشروع قانون يمس مصلحة الأنكليز في المستقبل أي بعد عام الأستقلال في 1932.
وفي عام 1933 تم سن قانون من قبل البرلمان العراقي يمنع بموجبه الفلاحين المدينين لملاك الأرض من مغادرتها او مغادرت المقاطعة ومنع تشغيلهم من أي شخص مالم يكن لديهم مستند من مالك الأرض يؤيد بانهم غير مدينين ويمكن ادراك مضامين هذا القانون أذا ما أخذنا بعين الأعتبار حقيقة ان هناك قلة فقط من الفلاحين في العر اق ممن لم يكونوا مدينين لمالك الأرض لعلمنا ان الفلاحين أصبحوا بعبودية حقيقية. هي ماوعد به قانون رقم 28 لسنة 1933.
ويمكن ملاحظة الحـزن الذي خيم على حياة الفلاحين من خلال سماع أغانيهم فالبيت الشعري التالي شائع جدا في ريف جنوب العراق
مالج يايمه جبتيني للضيم والدنيا بس وياي تمطر بلا غيم
وحين يشاهد الفلاح تردي حاله يغني
يارب هيج وياي ما بيها معنى ينتفع بيه الغير مو حق تعبنا
ارد اشرد لبغداد من هلفلاحه لا تشبع الجوعان ولابيها راحه
ولكن ما ان مات الملك فيصل الأول بعد اقل من عام على صدور قانون التسوية الأ وتحالفت الحكومة مع شيوخ العشائر واصبحوا من الداعمين لها وألتف معظمهم حول نوري السعيد الذي قال في أحدى خطاباته الصريحة النادرة عام 1943 مايلي:
((ألتمسكم العذر, هل يمكن لأي شخص مهما كانت منزلته في البلاد أو خدماته الى الدولة أن يصبح نائبا أذا لم يجظ بدعم الحكومة؟ اتحدى أي شخص هنا يفتخر بنفسه وبمنزلته وبوطنيته ان يقدم أستقالته ويترك المجلس ونعيد الأنتخابات لنرى ان كان سيشرفنا بحضوره في هذا المجلس ثانية أذا اسمه لم يرد في قائمة الحكومة)).
علينا التذكير ثانية أن اليوم الوطني الذي سوف نحتفل به بعد واحد وتسعين عاما كان يوم شؤم وحزن وفقر وعبودية على فلاحي العراق قاطبة.