طالب عبد العزيز
في الوقت الذي يحتفل فيه الوطنيون العراقيون بذكرى ثورة تشرين العظيمة، الثورة الشعبية الوحيدة التي انبثقت من الروح العراقية المخلصة، ومن معانات وتطلعات الشعب لحياة حرة كريمة، والتي حظيت بتأييد شعبي تجاوز الـ 70% ونخبوي ديني مرجعي،
وهلل لها العالم كله، بوصفها انطلاقة الامل الكبرى، في استعادة البلاد لمكانتها الاقليمية والدولية، واسترداد ما تمرَّغ من كرامة ابنائه، على يد المستعمر الدولي والمحتل الاقليمي.. وسط هذا كله، وأمام بركة الدم واللحم العملاقة التي خلفها شهداء الثورة العظيمة يقف هؤلاء، باعةَ الوطن، ومستبيحو دماء ابنائه معلنين عن انفسهم قادةً لمرحلته القادمة.
لابرزخ بين الوطنية الحقة والولاء للاجنبي، هناك وطني وخائن، وهناك أمين ولص، وهناك قاتل وقتيل، وهناك فاسد وحافظ، وهناك عشرات الثنائيات التي تعطي كل ذي حقٍّ حقه، أكان نبلاً وشهامةً أم قبحاً وقذارة. وسط هذه وتلك،سئمت والله، وأنا أحذف مقاطع الفيديو التي يستعرض فيها زعماء الكتل والسياسيون المرشحون لانتخابات مجالس المحافظات صورهم وأفعالهم، هذا التدوير القاتل، وهذه الوجوه القبيحة التي تطالعنا صباح ومساء كل يوم، على صفحاتنا الشخصية، ما أكلحها من وجوه، وما أوضع من يقفون أمامهم مصفقين ومنشدين، مع يقينهم جميعاً بأنَّ قانون وتجربة مجالس المحافظات هو الاسوأ في العملية السياسية العراقية، وأنَّ الاسماء هذه، هي التي جلبت الخراب والموت المستمرين، طوال أكثر من عقدين من الزمان.
هناك صفاقة تتجاوز حدود العقل، في الشخصية السياسية العراقية الحاكمة، ونحن ازاء طبقة سياسية تعي جرائمها وفسادها وتدافع عنه، فمدّعي الحكم بالقانون مازال يتشدق بضرورته التاريخية، ووجوب تطبيق الدستور، وهو البطل المضمر الوحيد في الكتب والتواريخ، على الرغم من أننا ومنذ عقود محكومون بشرائع القبيلة، وقانون القوي وسلطة الانحراف، وكأنَّ ملفات هدر المال وضياع المدن وخراب النفوس والشقوق العميقة في المجتمع العراقي لم تكن مجزية في صنع مرحلته، أو كأننا صدقنا(زعامات المقاومة) ومشاريع طرد المحتل، وبكل ما في أجندتها من طائفية وقهر الاخر وبما تعلنه من بالونات ملونة، وبما عاهدت الشعب عليه، في تامين حياة الرغد والمساواة ومحاربة الفساد ومقارعة الظلم ورسم الخرائط الآمنة لعموم الطبقات.. ترى ألم يحملوا جغرافيا البلاد بحقائبهم، متجهين شرقاً وغربا؟، وهل كانت صفقات بيع الارض والمياه والسماء، على وفق معادلة العدوالواحد والولاء للقائد المعظم بعيدة عن أذهان الشعب؟.
ليس من العدل الاعتقاد بأنَّ ثورة تشرين ذهبت مع دماء قادتها، الذين استشهدوا برصاص الحاكمين بأمر الاجنبي، وأنها استنفدت أهميتها بدخول البعض من قادتها قبة البرلمان، ومن ناقل القول حديثنا عن دورها التاريخي في تصحيح مسار الديمقراطية في العراق، لأنها لم تكن حدثا عابراً، أو جماعة سياسية انشات حزباً ما، هي حراك اجتماعي، وفلسفة دونما فلاسفة ومنظرين، ودرس كبير في الوطنية، ومهما قيل عن اختراقها والاساءة اليها لا يصمد في معايير البحث، إذْ، كلُّ فئة سياسية ستفوز في الانتخابات –على الرغم من موقفنا منها- ستكون محرجة امام الدم التشريني الطاهر، وستجد نفسها أزاء اختيار صعب، يستعصي فصله، إذ لا فاصل عقل يوازي بين الرأس والذيل.