بغداد/ تميم الحسن
نفى البنك المركزي تعطل شحنات الدولار الامريكية الى العراق في وقت تشير احداث في الداخل الى "ازمة سيولة" بالعملة الصعبة. وتنسف تلك المؤشرات الرواية الرسمية عن "ارتياح امريكي" لإجراءات العراق حول منع تهريب الدولار. كما تعطي تأكيدات على التسريبات التي تداولت عن اسباب عدم لقاء محمد السوداني رئيس الوزراء بالرئيس الامريكي الشهر الماضي.
ويتوقع ان تتسع الازمة بعد اعلان فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، ترحيبه بالسوداني الذي يتوقع ان يزور موسكو غدا الاثنين، بدلا من لقاء جو بادين.
وبحسب بيان للبنك المركزي، فان الدولار مازال يصل الى العراق بحسب التوقيتات المتفق عليها، ولايوجد "ايقاف" او "تخفيض".
وكانت تقارير مالية وصحفية عالمية، اكدت رفض واشنطن طلباً من العراق للحصول على مليار دولار نقداً من البنك الاحتياطي الفيدرالي.
واكدت تلك التقارير ان ذلك بسبب التعارض مع جهود واشنطن لكبح استخدام بغداد للدولار، ووقف التدفقات النقدية غير المشروعة إلى إيران.
بالمقابل، قال بيان البنك المركزي يوم الجمعة الماضية إن "شحنات الدولار المرسلة من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي تسير وفق جدول وتوقيتات زمنية محددة ومتفق عليها بين المؤسستين النقديتين وجرى أمس الخميس استلام الشحنة في توقيتها". ونفى المركزي الأخبار والتقارير الإعلامية التي "تتحدث عن إيقاف أو تخفيض في الشحنات المرسلة إلى البنك".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنه منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل عقدين، تقدم الولايات المتحدة 10 مليارات دولار أو أكثر سنويا لبغداد عبر رحلات شحن نصف شهرية، وتستمد الأموال من عائدات مبيعات النفط العراقي المودعة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقال مسؤولون أمريكيون إن "الأوراق النقدية بين يدي العراقيين أصبحت مصدرا مربحا للدولارات غير المشروعة التي تعود إلى الميليشيات والسياسيين الفاسدين، وكذلك إلى إيران".
ومن خلال تقديم طلب للحصول على شحنة إضافية بقيمة مليار دولار، يقول العراق إنه يحتاج إلى الأموال للمساعدة في دعم عملته المتعثرة. وأوضح مسؤول عراقي بارز أن "البنك المركزي العراقي قدم الأسبوع الماضي طلبا رسميا لا تزال وزارة الخزينة تدرسه، وذلك بعدما رفضت واشنطن الطلب الأولي الذي تقدم به العراق الشهر الماضي". وقال مسؤولون عراقيون، بحسب الصحفية، إن مسؤولي الخزانة أبلغوا العراق أن إرسال شحنة إضافية كبيرة يتعارض مع هدف واشنطن المتمثل في الحد من استخدام العراق للأوراق النقدية الأمريكية. وتحدث مسؤولون أمريكيون عن أدلة دامغة بأن بعض الدولارات التي كانت تصل إلى العراق هربت نقدا على مدى سنوات إلى إيران، وكذلك إلى تركيا ولبنان وسوريا والأردن.
ويقول نائب شيعي سابق طلب عدم الاشارة الى اسمه في مقابلة مع (المدى) ان "الفيدرالي الامريكي كان يتتبع ارقام الدولارات التي يرسلها الى العراق فيجدها في لبنان وايران ودول اخرى". وجاء توضيح البنك المركزي مرتبطا بتطورات مالية جرت في الداخل مثل اعلان البنك المركزي ايقاف الحوالات بالدولار وتقليص حصة المصارف من الدولار الى النصف.
ونقلت وكالة رويترز عن مازن أحمد، مسؤول الاستثمار والتحويلات في البنك المركزي، أن العراق سيحظر السحب النقدي والمعاملات بالدولار اعتباراً من الأول من كانون الثاني المقبل. وبعد وقت قصير من اذاعة الخبر أصدر المسؤول العراقي بياناً لتصحيح ما أوردته الوكالة، وقال إن "التصريح عن أن تاريخ 1 كانون الثاني 2024 سيكون بداية إيقاف السحب النقدي يشمل الحوالات الواردة فقط من خارج العراق وفق ترتيبات معينة تضمن استدامة الأعمال ولا يشمل بأي حال من الأحوال أرصدة المواطنين بالدولار الأميركي". وبحسب البيان، فإن الإصلاحات التي يقوم بها البنك المركزي تستهدف تحقيق التزام الاخير والنظام المصرفي عموماً بمعايير الامتثال الدولية "بما يحول دون وصول الدولار إلى جهات ممنوعة من الحصول عليه أو المضاربة به". وعلى اثر ذلك طالبت حركة امتداد، رئيس الوزراء بإجراء تغييرات عاجلة في إدارة البنك المركزي، فيما وصفت سياسة البنك بـ"غير المهنيّة". وقال رئيس الكتلة النائب حيدر السلامي في بيان ان "الحكومة تتفرج أمام انهيار الدينار وعجز البنك المركزي عن السيطرة على سعر صرف الدولار، وقيام المصارف باجبار المواطنين على استلام ودائعهم وحوالاتهم بالدينار العراقي". وأضاف، أنّ "على رئيس الوزراء الخروج عن صمته وإجراء تغييرات عاجلة في إدارة البنك المركزي وسياسته غير المهنية، وإبعاد هذه المؤسسة المهمة بعيداً عن سيطرة ميليشات الفساد والخراب".
وأكمل السلامي، أنّ "السيطرة على الدولار تبدأ من الحدود وليس من محاربة شركات الصرافة ومصادرة حوالات المواطنين وودائعهم في المصارف". وسبق ان طالب احمد مجدي وهادي السلامي، وهما نائبان اخران في البرلمان بتغيير محافظ البنك المركزي بسبب "فشله في إدارة أزمة الدولار". ويقترح بالمقابل نبيل المرسومي وهو استاذ الاقتصاد في البصرة بـ"قطع التجارة مع ايران" كاحد الحلول لانهاء الفجوة بين سعر صرف الدولار الرسمي والموازي.
وكانت العملة المحلية (الدينار) قد اوشكت على الانهيار في تموز الماضي، عندما فرضت واشنطن عقوبات على 14 مصرفا، قبل ان يعلن المركزي العراقي والفيدرالي الامريكي تسوية الامر مع المصارف.
وتعتقد مصادر مطلعة ان هناك "شبه اتفاق" على اطلاق تصريحات اعلامية "ليست بالضرورة دقيقة" لانقاذ الموقف المالي، مثل نفي معاقبة المصارف، او نفي تأخر شحنات الدولار.
ومثل هذا الموقف قد ينطبق على الاعلان الاخير بدعوة جو بادين في ايلول الماضي، لرئيس الوزراء محمد السوداني للقاء في واشنطن، الذي لم يتحقق حتى الان لاسباب غير معروفة.
وتشير التسريبات الى ان "تقليص واشنطن" حصة العراق من الدولار يرتبط بـ"عدم قناعة الادارة الامريكية بالاجراءات العراقية ولذلك لم يتحقق اللقاء مع بادين". وكانت بعض الترجيحات قالت ان اللقاء تأجل الى نهاية العام الحالي، لان واشنطن تنتظر المزيد من بغداد بخصوص تهريب العملة والموقف من ايران، رغم ان البيانات الحكومية اشارت الى دعم واشنطن لخطوات الاصلاح المصرفي بالعراق.
ويتوقع ان تتصاعد الازمة مع واشنطن مع اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "ترحيبه بالزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى روسيا"، بحسب ما نقلته الوكالة الرسمية عن مصادر روسية.
ويقول غازي فيصل وهو سفير سابق لـ(المدى) ان العراق قد يتعرض "الى ضغوط وعقوبات من الولايات المتحدة في حال ذهبت بغداد بعيدا في العلاقات الدولية التقليدية مع روسيا وانقاذ الاخيرة من الحصار الامريكي والاوروبي المفروض عليها بسبب الحرب في اوكرانيا".
وكانت بغداد قد اعلنت بان السوداني تلقى دعوة لزيارة موسكو اثناء تواجد الاخير في نيويورك الشهر الماضي، للمشاركة باجتماعات الامم المتحدة واحتمال لقائه بايدن.
ويتوقع ان يغادر السوداني بغداد الى موسكو غدا الاثنين، فيما لقاءه مع بوتين سيكون يوم الاربعاء المقبل.