اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > طوفان الاقصى ليس ماقبله يماثل ما بعده

طوفان الاقصى ليس ماقبله يماثل ما بعده

نشر في: 10 أكتوبر, 2023: 10:51 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

حتى كتابة المقال لايبدو لمن تابع او واكب ظاهرة الصراع العربي – الاسرائيلي في إطارها الستراتيجي ممثلا بعملية طوفان الاقصى تحقيق نجاح كبير في تقديم تحليل معمق وواسع الافق لظاهرة الصراع "الفلسطيني - العربي" – الاسرائيلي بما تحمله من معطيات، أنعكاسات وتداعيات مستقبلية تنعكس بالضرورة على حالة التوازن الستراتيجي للمنطقة وللمتغيرات الجديدة. السبب يتضح جليا من خلال الفشل الاسرائيلي في تقديم إنموذجا مؤثرا او ناجحا أو مؤثرا في مجال مجابهة حماس وغيرها على أسس غير تقليدية.

لاشك أن "طوفان الاقصى" شكل إنموذجا حيا مغايرا للنماذج التقليدية في كيفية مواجهة العدوان الصهيوني الذي تمادت الحكومات الاسرائيلية اليمينية المتطرفة وآخرها حكومة نتنياهو في تبني أسوء أنماطه الهمجية والعنصرية والتدميرية وذلك من خلال الدقة في التخطيط والبراعة في التنفيذ الستراتيجي القائم على الحنكة والخبرة المراس العملي -التقني والمعلوماتي مقترن بأختيار إعلامي بارع متسق مع الوقت المناسب بل والمفاجئ لمهاجمة حرس الحدود الاسرائيلي والمنظمات الاستخبارية والعسكرية واجهزة الاستيطان - التي وقفت ساندة للنظام السياسي الاسرائيلي عبرعقود. مباغتة افقدت الاسرائيليين الامن والامان النفسي والمادي في الادارة الناجعة لإزمة غير مسبوقة تتطلب مواجهة تحديات أمنية كبرى غير متيقن منها انطلقت تباشيرها من الشعب الفلسطيني ممثلا بمنظمة حماس الفلسطينية من خلال كتائب عزالدين القسام بقدرات تقنية وعسكرية - إستخبارية و لوجستية واعلامية مبدعة محددة ولكنها تبقى مبتكرة مسألة سيكتب عنها مستقبلا الكثير. إن عالمنا العربي أوالشرق اوسطي - الخليجي كشف تاريخيا عن معلومات داخلية وخارجية مضمونها تحديات خطيرة أمنية - إستراتيجية هددت وتهدد بأنهيار صاعق للنظام الاقليمي لمنطقتنا برمته طالما بقي الموقف العربي الرسمي على الاقل في موقع رد الفعل وليس المبادءة في مواجهة الاحداث الجسام حتى تغيرت عمليا إيجابا من خلال أستخدام بعض مؤشرات القوة التي جسدتها جمهورية مصر العربية بنجاح باهر قبل 50 عاما منذ حرب السادس من أوكتوبر 1973 التي حققت مفاجئة واضحة لاسرائيل عاكسة بدورها فشلا ذريعا لإجهزة المخابرات الاسرائيلية. إن الهدف الاساسي الاول لما قامت به حماس مماثل نسبيا لما قامت به مصر هذا من جانب ومن منظور مكمل أشعار اسرائيل بإن جيشها الذي عرف بأنه لايقهر قهر ايضا في السادس من أوكتوبر عام 2023 وثانيا إعلام المجتمع الدولي والعربي بخاصة بإن زمن الجمود والضعف بكل اشكاله وصوره أنتهى زمنه ولم يعد مجديا بدرجة ستمكن العرب من نيل حقوقهم السيادية في ظل مجتمع دولي يحترم القوة والردع الفاعل في مواجهة مخاطر الارهاب والاحتلال هذا من جهة ومن جهة اخرى اكدت حماس بإن مواجهة الاسرائيلين مهما بلغت قوتهم ليست أمرا مستحيلا إذا توفرت الارادة السياسية والعسكرية - الامنية حتى وإن كان الصراع يدور في نطاق قطاع غزة الصغير المساحة الجغرافية (365 كلم مربع) والكثيف بعدد سكانه (مايقارب المليوني نسمة).

إن العنصر الاساسي في المواجهة الاستراتيجية الناجعة يستند إلى أولوية التخطيط السليم والدقيق والتعبئة الستراتيجية الشاملة في استقطاب الموارد البشرية والمادية واللوجستية المتاحة في إطار تطبيق استراتيجية الردع المتبادل و الهجوم المباغت بإعتبارهما خير وسائل للدفاع واسترداد الحقوق المسلوبة او المهدورة وهذا مايتم فعليا في مايعرف بطوفان الاقصى معيدا الاعتبار"للكرامة الفلسطينية -العربية" من خلال محاولات مخطط لها جيدا هدفها إسترداد الحقوق الوطنية السيادية.

أما المواقف الرسمية العربية بمختلف اشكالها وصورها ومضامينها - وإن أكدت وقوفها سياسيا ودبلوماسيا - مع حقوق الشعب الفلسطيني في الحياة الحرة المستقلة الكريمة بعيدا عن ظاهرة الاحتلال - لم تصل إلى نقطة معها تكون حالة الردع العربي في ظل إستراتيجية أمنية شاملة قويا بدرجة توقف الانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني بل وحتى العربي في دول الجوار الاقليمي للدولة المحتلة (في مصر والمملكة الاردنية الهاشمية ولبنان وسوريا). لعل مما يستوجب مزيدا من الاهتمام بحقوق العرب وحرياتهم الاساسية بل للكثير من فئات طيف مجتمعي جميل تعددي في المكونات والاعراق والاديان (قاطني محيطنا العربي) أن تشعرهم انظمتنا السياسية ومنظماتنا الاقليمية - جامعة الدول العربية وغيرها- بأنهم جميعا تحت مظلة حماية عربية ودولية رادعة لكل انتهاك للامن الاقليمي ينعكس إن سلبا أو إيجابا في تداعياته على مستقبل المنطقة العربية. علما بإن المستفيد الوحيد أو الاكبر من حالة الضعف والهشاشة في المحيط العربي او الشرق اوسطي - الشمال افريقي (اقليم مينا - MENA) هي اسرائيل التي ظلت حكوماتها المتعاقبة لاتتقبل أي أختصاص أو سياق قانوني دولي تنتهجه المنظمات الدولية وعلى رأسها الامم المتحدة وغيرها مجسدا بقرارات دولية رفضتها اسرائيل ومن ورائها من دول غربية وغيرها على راسها الولايات المتحدة الامريكية التي استخدمت حق الفيتو كلما جاء القرار مجافيا للدور الاسرائيلي المنتهك للحقوق الشرعية الفلسطينية. من هنا أهمية تفعيل اجهزة الجامعة العربية وقراراتها في تقديم المساندة الامنية والمادية (الاقتصادية - المالية والثقافية والعلمية وغيرها) الضرورية لشعبنا العربي في فلسطين المحتلة وفي كل أجزاء عالمنا العربي التي انتهكت اسرائيل حقوقها مسألة ظلت لسنوات بل وعقود عدة قابعة في قرارات موثقة حفظتها الامانة للجامعة العربية ولكنها لازالت بعيدة عن أن تترجم من خلال خطط استراتيجية شاملة تحمي شعبنا المتنوع الطيف والانتماء في محيطنا الاقليمي. ضمن إطار خطط الحماية تأتي أهمية اللجوء للمحاكم الدولية بضمنها المحكمة الجنائية الدولية التي تتابع وتحاسب جرائم الحروب والجرائم ضد الانسانية التي تقترفها اسرائيل بكل عنجهية. إن رد الفعل الاسرائيلي حتى وقت كتابة المقال تركزحول تدمير الحرث والنسل في قطاع غزة مستندا لقرار الحكومة الاسرائيلية بسياسة الارض المحروقة ممتزجا بسياسة اعلان حرب والتي من خلالها تم استدعاء مايقارب 300000جندي وضابط احتياطي. جدير بالذكر أن المزيد من الضحايا الفلسطنيين الابرياء والشهداء لن تنهي الصراع في صالح اسرائيل التي هي الاخرى خسرت الكثير من افرادها وجنودها وبالتالي اهمية او ضرورة الوصول مستقبلا لحل سياسي يحقق للفلسطينين حقوقهم المسلوبة تحت اشراف فاعل مؤثر من قبل الامم المتحدة. هذا بقي ان ننتظر ربما طويلا لقادة الدول العربية أن يصلوا لموقف سياسي - دبلوماسي واستراتيجي موحد في مجابهة المواقف الاسرائيلية المتعصبة - العنصرية المتشددة المتطرفة حيث اقفلت كافة الابواب والنوافذ السياسية أمام بلورة موقف عربي موحد يعتد به موقف يبني ولايهدم يجمع ولايفرق هدفه بناء دولة فلسطينية فاعلة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تجمع بين الضفة الغربية وقطاع غزة. دولة راسخة في المحيطين الاقليمي والدولي هدفها إحلال السلم والامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وصولا للتنمية الانسانية المستدامة. ولكن اين العرب من طوفان الاقصى؟؟ تساؤل بحاجة للمزيد من التدقيق في مختلف الجوانب المتداخلة المتبادلة المتفاعلة في المعطيات والتداعيات.

اخيرا يعد" طوفان الاقصى " تجربة فريدة ناجحة نسبيا بحاجة للمزيد من التحري والتقصي وصولا لإهداف جيوسياسية -اقتصادية حيوية تنعكس آثارها على بناء قوة ردع فلسطينية مستقبلا هدفها بناء هيكلية مبتكرة للامن والسلام. الامر يعتمد إلى حد ما على أهمية توافر إرادة عربية سياسية مستقلة وهو مسألة لم تلمس واقعا على الارض حتى الان. هذا ومن منظور مختلف القوى السياسية دولا غربية خاصة للولايات المتحدة (الحليف الاساسي لإسرائيل) والاتحاد الاوروبي وغيرها ممثلة بروسيا والصين عليها ن تراجع وتقيم مواقفها السياسية والستراتيجية بهدف إيجاد حلول أو خيارات واقعية سياسية - دبلوماسية تعزز السلم والامن المستدام لشرق اوسطي قائم على اسس اكثر ديمومة ولكنها مسألة لم تترجم بعد في إطار حل الدولتين بالنظر لدور متطرف عنصري تحت قيادة نتياهو في ظل حكومة يمنية متطرفة تقود حكومة حرب لاتبقى حرث ولا نسل ولكنها لن تدوم طويلا طالما فشلت اجهزتها الاستخبارية والامنية في حماية مجموعات المستوطنين وغيرهم في غلاف غزة من الاسرائيليين الذين يواجهون جهود منظمة بإمكانات محددة ولكنها مؤثرة فاقت تأثيرات وأمكانات دول عربية لم تستطع أن تقدم إنموذجا للردع او للقوة العربية الفاعلة او ربما حتى إنموذجا سياسيا ودبلوماسيا بمكنته إحداث تغيرات جذرية في توازن القوى للنظام الشرق اوسطي او للنظام العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. جدير بالذكر ان سياسة نتنياهو العدوانية في حصار غزة الشامل للوقود وللماء وللطعام لن تؤدي سوى إلى المزيد من المقاومة الوطنية. أما العراق فأننا نتوقع من نظامه السياسي حكومة وشعبا موقفا سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وتقنيا أكثر فاعلية وجدية يدعم ويعزز المنظور الانساني والامني للطرف الفلسطيني كلما أمكن ذلك، في ظل ظرف عربي وشرق اوسطي بل وظرف عالمي معقد وصعب نسبيا يحمل تداعيات جيوسياسية - اقتصادية - مجتمعية وثقافية ومعرفية غير متيقن منها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram