TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الدم بغزةَ صادقٌ وهم يكذبون

قناطر: الدم بغزةَ صادقٌ وهم يكذبون

نشر في: 10 أكتوبر, 2023: 10:53 م

طالب عبد العزيز

من طرف الخريطة العربي، في جنوب الارض، الغاطس في البحر، حيث أكون، أجدني حزيناً، أتابع أخبار غزة، وهي تتفتت لحماً وحجارةً، بما يعيدني الى حزيران العام 1967، طالباً، صغيراً، متطلعاً بوجه امرأة فلسطينيةً، تقف على بابنا، تسألُ أمي شيئاً من طعام ونقود. الآن، أجدني محمولاً على الحجارة تلك، معجوناً باللحم الذي تناثر هناك، حيث لا أحدَ يقف على باب أمي، ولا يقشعرُ بدنٌ، ولا تهزني أغنيةٌ عن الحرب.

شيء من حنين مدرسيٍّ قديم يزحزح الارض، يشغر الفراغ المطلق، أمام باب المدرسة، ينتظر طلابُها المشاركة في التظاهرة، التي ستجوب شوارع المدينة، فأنت على موعد مع الحناجر الطرية، بعصافيرها الصغيرة، وهي تنشد ليافا وحيفا وجنين وباقي المدن، التي لم يعد يذكرها أحدٌ اليوم، فقد خرجت من خريطة الوطن، ودخلت خريطة كيان مغتصِبٍ. هدات التظاهرة، وتفرّق الطلابُ، وعاد كلٌّ الى فصله الدراسي، لكنَّ معلم الجغرافيا لم يعد يعرِّج في شروحه على مدن فلسطينية كثيرة، صار يأتي باسماء مدن أخرى، يقول باننا سندافع عنها، لكنها هي الاخرى لم تعد. معلم الجغرافيا هذا صار يحذف في كل فصلٍ مدينة، حتى خرج الجبل والزيتون والاغوار وبحيرة طبريا من أحاديثنا.

في سبعينات القرن الماضي وقعت بين يدي رواية لفؤاد القصاص، موضوعها الفدائي الفلسطيني، الذي يدخل اسرائيل ويفجر ثم ينتهي بطلاً وطنياً. قرأتها بشوق لا يصدق، مع أنها ليست أكثر من حبكة بوليسية، تصلح في صناعة فيلم تعبوي، وربما كارتوني، مما يتابعة الاطفال. أذكرها اليوم منشياً برائحة النصر التي خلفتها في نفسي، تلك النشوة التي لم تتحق يوماً، والتي ظلت مغلفةً بالدموع منذ العام 48 الى اليوم، لم تفلح في تحقيقها كذبة الانتصار، وعبور الدفرسوار، وحكاية إرجاع سيناء. أمضى الحكام العرب القوميون والبعثيون والاسلاميون معاً أكثر من نصف قرن وهم يكذبون، على شعوبهم، في قضية تحرير فلسطين، ولم يمض على معرفة الشعب العربي بالكذبة تلك إلا بعد زوال الناصرية والقومية والبعثية، وهذه عورات الاسلاميين تتكشف أخيراً.أما اللعبة فقد انكشفت.

يقف زعيم المليشيا، الذي أمعن بقتل المتظاهرين، المنددين بالاحتلال، شرقه وغربه، متوعداً أسرائيل وأمريكا، ويصمت الزعيم المسلح الآخر عمّا فعلته وتفعله أمريكا، التي لا يبعد مقر حزبه عنها سوى بضعة أمتار، ومثله القاهر الذي بلبنان والشام ومصر وباقي المدن في شرق المتوسط، ولست بحاجة الى الاتيان بالحديث على مدن الخليج، فقد سقطت من خريطة النضال العربي الكاذب منذ قرن، هي لم تكذب بالاصل، إنما ظلت حبيسةَ جيبوها وأعضائها التناسلية باوربا الى اليوم، وإلى ما شاء الله من الدهور.

ترددت فلسطينُ أرضاً وشعباً وضميراً في قصائد الشعراء العرب كثيراً، حتى عدَّ الشاعرُ الذي لم يكتب قصيدة عنها خائناً، واستثمرها الحكام القوميون والبعثيون أيَّ استثمار، فقد أحكموا قبضتهم على رقاب شعوبهم، وصادروا باسمها الحريات، وتسوراً ابواب بيوت المناضلين الحقيقيين، وباسمها نهبوا ثروات الشعوب، وطوال ثلاثة ارباع القرن كلٌّ يقول:" إن قضية فلسطين هي قضيتنا جميعا، وهدفنا تحريرها" وفي كل حرب يضيع جزءٌ منها، وفي كل مناسبة يتخفف هؤلاء من أعباء قضيتها.إذا كانت الدكتاتوريات القومية والبعثية بعنجهيتها المعروفة ومشاريعها الكاذبة قد حطمت الشعور الوطني في نفوس الملايين من العرب عبر وعودها تلك فقد تكشفت عورة حكام الديمقراطية الامريكية، عن حقيقة وبشاعة الحكم العربي بكامله. قبل تحرير الارض عليك أن تحرر الانسان فيك، من عبوديتك لصنمك، ولن يحرر فلسطين من أوغل بدم شعبه في تشرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram