اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عرايا في الزحام.. بين الكيت كات ومالك الحزين

عرايا في الزحام.. بين الكيت كات ومالك الحزين

نشر في: 18 أكتوبر, 2023: 12:04 ص

رنيم العامري

"لأنهم زعموا أنك تقعد بالقرب من مياه الجداول والغدران، فإذا جفّت أو غاضت استولى عليك الأسى وبقيت صامتاً هكذا وحزيناً".

بهذه العبارة تبدأ رواية (مالك الحزين) لإبراهيم أصلان التي بدأ بكتابتها سنة 1972 ونُشرت عام 1984، والتي تدور أحداثها على مدار يومين تقريباً في المنطقة التي عاش فيها الكاتب؛ حي إمبابة ومنطقة الكيت كات تحديداً. يستهل أصلان الرواية بمشهد هطول المطر: "بالأمس قد أمطرت مطراً كثيراً ابتلت منه حتى عتبات البيوت في الحواري الضيقة...". ثم ينهيها تقريباً بنفس المشهد الذي ابتدأت به، أي هطول المطر: "كانت حبات المطر ثقيلة ودافئة، وعلى سطح النهر، كانت كل قطرة تصنع دوامة صغيرة... وفي قلب السكون، لم يكن يُسمع إلا وقعه الرتيب المنتظم على السقوف..".

في حال قررنا اختيار مشهد آخر محوري في الرواية، فسيكون ذلك هو موت العم مجاهد بائع الفول وتجهيزات أهل منطقة كيت كات لمجلس العزاء. تتناول الرواية عدة شخصيات مثل يوسف النجار، المعلم عطية، المعلم صبحي، عبد الله القهوجي، الخواجة الأسطى قدري، العم عمران، والهرم بائع الحشيش، وفاطمة، وروايح، والشيخ حسني طبعاً.. إلخ من الشخصيات، لكن أغلب من قرأوا الرواية يجدون أن بطلها هو يوسف النجار، ورغم أن هذا قد يكون صحيحاً، إلا أني أزعم أنها رواية بدون أية شخصية رئيسية، وإذا كان لا بدّ من اختيار بطل لها فهو ميدان الكيت كات بحد ذاته، أو المقهى بالتحديد الذي تنتهي بنهايته عوالم الشخصيات وحيواتهم. الأمر الذي ذكرني بعض الشيء بفيلم (سينما باراديسو) للمخرج الإيطالي تورنتوري، والتي بهدمها تتهدم كل ذكريات الطفل (توتو) عن قريته وناسها.

فيلم الكيت كات:

عُرض فيلم الكيت كات سنة 1991، وهو من تأليف وإخراج داوود عبد السيد، الذي استوحى قصته من رواية مالك الحزين المعنيّة. ويُعدّ الفيلم واحداً من أهم 100 فيلم سينمائي مصري، وكان اسم (عرايا في الزحام) هو العنوان الذي اختاره المخرج لفيلمه، والذي رفضته الرقابة، ليُغيره المخرج فيصبح بعدئذ (الكيت كات). هناك روايات كثيرة عن سبب تسمية منطقة الكيت كات بهذا الاسم، منها أنها سُميت على اسم ملهى قديم من أيام الحملة الفرنسية على مصر. اختار داوود عبد السيد شخصية (الشيخ حسني) بطلاً لفيلمه، الذي قام بدوره الممثل محمود عبد العزيز. عندما قرأ داوود عبد السيد الرواية تعلّق بها لأنه على حدّ قوله أحسّ بالعجز الذي تشعر به الشخصيات. أما عن سبب اختياره للشيخ حسني بطلاً للفيلم ذلك لأنه رآه صاحب صراع قوي يمكنه بذا أن يحمل ثقل الفيلم. والشيخ حسني رجل ضرير، يقضي لياليه في تدخين الحشيش مع صحبه في دكانته، ويغني على العود. إلا أنه بحسب قول ابنه يوسف لعشيقته فاطمة: "انتي عارفة مشكلة أبويه إيه؟ إنه مش عايز يقتنع أنه أعمى".

في الرواية يستخدم الشيخ حسني عصا للاستدلال على الطريق وتضيع ذات مرة منه في إحدى المظاهرات، لكنه يعثر عليها في فصل قصير اسمه (عودة الشيخ إلى صباه)، لكن الشيخ حسني في الفيلم لا يستخدم عصا ويرفض بذا إعاقته، بل ويصر على أنه مبصر، بل حتى أنه يصبح دليلاً للعميان الذين يتصيّدهم، ومنهم الشيخ عبيد الضرير الذي عثر عليه ذات مرة وطلب منه أن يساعده على اجتياز الشارع، وبعدما ساعده تقدم الشيخ عبيد بالشكر للشيخ حسني الذي أجابه بالقول: " العفو يا شيخ عبيد على ايه يا راجل كلنا اخوة، واذا كنش سليم النظر اللي زي حالاتي، يساعد عاجز النظر اللي زيك لا موأخذة يعني، يبقى قول على الدنيا السلام".

في الفيلم مشاهد كثيرة ستظل محفورة في ذاكرة كل من شاهدها، من منا ينسى مشهد الشيخ حسني وهو يركب على الدراجة الموتوسيكل (الفيسبا)، فحالما يتلمس الدراجة بأطراف أصابعه فإذا به وبكل أريحية يعض على أطراف ثوبه ليرفعه ويركبها، فيما صاحبه يحاول ثنيه عن ذلك بقوله: "بلاش يا شيخ حسني!"، إلا أنه يصرّ على ركوبها وقيادتها فيما لا يزال يعض على أطراف ثوبه وهو يصيح: "يا راجل فاكرني ما بعرفش أسوق ولّا إيه! ما تخافش يا راجل عيب يا راجل جرى إيه يا راجل!"، لينطلق بأقصى سرعته في السوق مفرقاً حشود الناس ويرتطم بعربة بائع البرتقال، ثم ينتهي به الأمر وسط صناديق الخشب، يرافق هذا المشهد واحدة من أجمل المقاطع الموسيقية التصويرية للموسيقار راجح داوود. ومن ينسى مشهد الشيخ حسني عندما فضح أسرار أهل الحارة وهو يتحدث في ميكرفون الجامع أثناء عزاء عم مجاهد، وذلك عندما نام الصبي المسؤول عن الميكروفون وتركه مفتوحاً. فإذا بالشيخ يفضح كل خفايا وأسرار أهل المنطقة الذين راحوا يهرعون في الأرجاء هرباً من صوته الذي راح يطاردهم وهم يولولون قائلين: "الله يخرب بيتك يا شيخ حسني! فضحتنا يا شيخ حسني! الله يخرب بيتك يا بوز الإخص!".

ومن محاسن الصدف أنني حضرت ندوة احتفائية بمخرج الكيت كات، داوود عبد السيد أثناء فترة حلولي في القاهرة الصيف الماضي، وذلك في مركز (جزويت) الثقافي، ضمن حفل إطلاق كتاب عن سيرته وأفلامه. ومع أن حواراته وأحاديثه كانت مقتضبة جداً وكذا إجاباته عن الأسئلة، لأنه كان قد خرج للتو من المشفى لإصابته بأزمة صحية، غير أن هذا لم يمنعه من إطلاق بضع "مزحات" عابرة، والإجابة بخفة ظله المعهودة على أسئلة الجمهور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram