اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > رؤية ناقدة للمعتمد الأدبي .. تفكيك ومقترحات

رؤية ناقدة للمعتمد الأدبي .. تفكيك ومقترحات

نشر في: 18 أكتوبر, 2023: 12:07 ص

جيفري بوكي

ترجمة لطفية الدليمي

أنا شخصٌ أكتب الكتب وأحاضرُ في موضوعة تدريب المعلّمين وسبق لي أن قضيتُ خمس عشرة سنة أدرِّسُ الأدب الانكليزي وبالنظر لإنشغالاتي هذه فغالباً مايسألني كثيرون ماالذي يتوجّبُ تضمينه في المعتمد الادبي Literary Canon أو ماالمعتمد الادبي الذي ينبغي أن يحل محل المعتمد الادبي الحالي، هذه الاسئلة ونظائرها تدعو المرء لأن يشعر وكأنه واقعٌ في قبضة أناس يرومون التحايل عليه بغية إيقاعه في المصيدة

أوّلاً قد يكون تعريف المعتمد الادبي أمراً مفيداً عندما نذكرُ مفردة (المُعْتَمَد فإنّنا نشير إلى مجموعة منتخبة راسخة من الأعمال المكتوبة التي صارت جزءاً جوهرياً في نسيج التعليم البريطاني يبدو من الأمور العادية والمتفق عليها أن نعدّد أسماء باتت مؤبّدة الذكر – كما يبدو الامر – في منهاج التعليم البريطاني ويبدو أنها ستستمرُّ في الحفاظ على مكانتها هذه إلى الابد شكسبير وردزورث أورويل بليك بريستلي أوين لاركن،،، وسواهم ممّن يتقدّمون موكب الرجال البيض الموتى – في أغلبهم – هم معالم بارزة في المعتمد الادبي الذي دُعِيت أجيالٌ كثيرة لاحقة من الطلبة البريطانيين لتمثّل حيواتهم والتفكّر العميق في أعمالهم خلال مختلف أطوار إرتقائهم الاكاديمي

هنا لبّ الاشكالية مع المعتمد الادبي بقدر مايبدو المعتمد خالداً وعابراً لمحدّدات الزمن فإنّه لايوجد في فراغ رغم أنّ المعتمد الادبي أقدمُ من أيّ واحد فينا لكنّه خُلِق ذات يوم بفعل مجموعة من الرؤى الآيديولوجية وعلى أساس هذه الرؤية فإنّ سؤالي عمّا ينبغي أن يكون بديلاً للمعتمد الادبي الحالي هو في حقيقة الامر سؤالي عن المدى الذي سأرحّبُ فيه بقبول أو رفض الآيديولوجيات التي شكّلت المعتمد الادبي في بواكير نشأته

يعود مفهوم المعتمد الادبي في أكثر التقديرات تشدّداً وتدقيقاً إلى ستينيات القرن التاسع عشر عندما إعتمد الشاعر الفكتوري ماثيو أرنولد Matthew Arnold فكرة عن الثقافة باعتبارها المسعى البشري نحو " أفضل ماتمّ التفكير فيه وقيل The best that has been thought and said " هذه الكلمات بالضبط هي التي أستُخدِمت في تعريف غايات المنهج التعليمي الوطني الانكليزي عام 1988 وهو المنهاج ذاته المعمول به إلى يومنا هذا

فكرة وجود نمط من الإجماع " الموضوعي " حول " أفضل " الاعمال الادبية تبدو فكرة بريئة لاضرر منها وبمقدورنا إيراد أكثر من مثال واحد عن الفائقية الادبية المستديمة لأعمال أدبية بذاتها إجتازت إمتحان القبول والانضمام للمعتمد الادبي " الخالد " لأنها كانت حقاً أعمالاً حائزة على معايير عالية من الجودة لكن كيف نقبلُ أن تكون الاعمال الادبية في المعتمد الادبي لعام 1860 هي ذاتها – على سبيل المثال - في المعتمد الادبي لعام 1988 هل نريد القول – حدّ الجرأة المفرطة وغير المسوّغة - بأنْ ليس مِنْ عملٍ أدبي كُتِب خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة له القدرة على هزّ الاساسات الراسخة للمعتمد الادبي

عندما تعمدُ إلى الالتزام بفكرة " أفضل ماتمّ التفكير فيه وقيل " على الشاكلة التي تؤكّدها وجهة نظر محدّدة فإنّك وبكيفية تلقائية تعلن إلتزامك بكلّ الآيديولوجيات المقترنة بوجهة النظر تلك إنّ منهجنا التعليمي يبدو مصمّماً لتأكيد السيادة البيضاء مع كلّ مايترافق معها من تحيّزات طبقية وجندرية والعديد من المناطق (الداكنة الأخرى في منظومة الاعراف المجتمعية (البريطانية ليس من قبيل المصادفات أن يتسيّد الرجال البيض المعتمد الادبي لأنّ هويات هؤلاء الرجال هي التي إستطابها – تاريخياً – الرجال البيض وجعلوها إمتيازات حصرية لهم وأنكروها على سواهم أضِفْ إلى هذه الحقيقة حقيقةً أخرى مفادُها أنّ التعليم الرسمي Formal Education صُمّم في أغلبه لخدمة تطلّعات أبناء أعالي الطبقات الوسطى من الفكتوريين الطموحين وعليه لن نندهش كثيراً لمعرفة الميل المتزايد لسيادة نمطٍ من " الكلاسيكيات " الادبية التي تعلي شأن الاعراف المجتمعية الفكتورية السائدة

عند هذا الطور المفصلي قد يشعر أي محارب من أجل العدالة الاجتماعية بنفسه مدفوعاً – ببساطة – لرفض المعتمد الادبي التاريخي السائد وكلّ مايتّصلُ به من آراء وأفكار ورؤى الاغراء كبير عند مثل هؤلاء المقاتلين لعكس حركة النوّاس (البندول وجعلها تبتعد عن أولئك الأدباء البيض (الذين تضخّمت كينوناتهم وباتوا أقرب لآلهة أدبية بغية إستبدالهم بمؤلّفين وكُتّابٍ آخرين من الذين جرى تهميشهم وإقصاءهم إنحيازاً لمعايير العِرْق والجندر (النوع الاجتماعي والاثنية والطبقة والجنسانية

الحقُّ أنني صرّحتُ غير مرّة بكلمات توصي بمؤلفين يتناغمون مع المعايير العابرة للمعايير السابقة وهؤلاء المؤلفون (أو بعبارة أدقّ العقول المعاصرة يكتبون إنطلاقاً من وجهات نظر مختلفة عن السائدة وأراهم أقرب للإيفاء بمتطلبات معتمد أدبي حديث جرّبْ أن تفعل مثلما فعلتُ وستجد نفسك ومن غير أن تتحسّب لهذه الفعلة المفاجئة على الخطوط الأمامية لحرب ثقافية حامية الوطيس يؤججها المدافعون عن " التقاليد المقدّسة " الذين سيرمونك بشتى التهم وفي مقدّمتها أنّك تعمل بالضد من كل ماهو بريطاني وهم ينطلقون في حربهم الثقافية الشعواء هذه من إفتراض (لايمكن ردّه أو الاعتراض عليه كما يرون جوهرُهُ أنّ إستبدال المعتمد الادبي عملٌ يكافئ تحطيم نُصُب الابطال التاريخيين القدماء مع كلّ مايترتّبُ على هذا الفعل من إساءة شاخصة للتراث الثقافي البريطاني

الاسئلة التي تكتنفُ عملية البحث عن معتمد أدبي جديد مثيرةٌ حقاً ومنها هل أنّ إعادة التفكّر في تخليق معتمد أدبي جديد هي فعلُ تدمير أم إكتشاف هل هي مقاومة أم إثارةٌ وتحريك لمياه راكدة ماالذي يعنيه توجيه إزميلنا الفكري والبحث بعيداً عن الأعمدة الادبية التي قادت نظامنا التعليمي طويلاً

سأكون صريحاً بما يكفي لاأعتقدُ أنّ النظام التعليمي يتأسّسُ في المقام الاوّل على تلك الدعامات التي يحتويها المعتمد الادبي الكلاسيكي أعتقدُ بدلاً من ذلك أنّ المنهج التعليمي الادبي يعيشُ خارج نطاق " الموضوعية " المتخيّلة أعتقدُ أنّه يعيشُ فينا في قُلوبنا وعقولنا مع كلّ التجارب الحيّة التي يتمكّنُ معلّمو الأدب من تحويلها لنماذج متجسّدة في الأدب المعاصر أعتقدُ أنّ المنهج التعليمي هو أي شيء نريده نحن أن يكون (وليس شيئاً مفروضاً علينا أو متوارثاً مع الزمن وهنا تتجسّدُ معضلة الذاتية في تدريس الأدب (أي من هو الذي يحدّدُ أيّ الاعمال الادبية هي الافضل لتضمينها في المنهج التعليمي وبالتبعية في المعتمد الادبي عندما نلجأ لعقولنا وقلوبنا سنجد الجواب المناسب لهذه المعضلة الكبيرة

لديّ قائمةٌ بكلّ النصوص التي لجأتُ إليها عبر سنوات طويلة لتعزيز المنهج التعليمي الحالي بغية إستكشاف أفكار جديدة مع الطلبة بقدر مايختصُّ الامر بي فإنّ تلك القائمة هي خلاصة رؤيتي التقييمية ورؤاي وتجاربي الحيةّ ومنظوري العالمي للحياة والوقائع والافكار إنها رؤية شخصية بالتأكيد ومتنوّعة ويمكن تسويغها تماماً كقائمة بالأعمال المستحقة للتضمين في المنهج التعليمي الحديث في مدارسنا البريطانية سيكون أمراً محرّراً لعقولنا وقدراتنا متى ماعلمنا أنّ المعتمد الادبي " الحقيقي " يعيشُ في تفاعلاتنا مع العالم ومع تاريخنا الانساني لستُ مع رمي التاريخ والكلاسيكيات الادبية في سلّة المهملات أنا مع تخليق معتمد أدبي جديد يشذّبُ القديم وينسّقه مع الجديد بطرق غير متوقّعة وغير تقليدية تبدو هذه المقاربة عظيمة الأهمية على مستوى القدرة الذاتية لإنجازها وبخاصة في الاوقات التي يعاني فيها قطاع التعليم من أزمة توظيف أو تمويل إذ حينها سيكون أمراً فائق الحيوية أن يطوّر المعلّمون إستقلالية وقدرة على الفعل الذاتي في كيفية إدامة المنهج التعليمي وتطويره

لو كان لنا هذا المنحىى من التفكير فإنّ لعبة تشكيل معتمد أدبي جديد ستكون أقلّ انشغالاً ببناء أعمدة أدبية راسخة لاسبيل لتقويضها أو إستبدالها وسنكون أقلّ اهتماماً بتمثّل خطى أسلافنا الفكتوريين ممن يفهمون ويحترمون نموذج المعتمد الادبي " الكلاسيكي " الذي صنعوه الأصل الذي ينبغي الاعتماد عليه في تشكيل معتمد أدبي جديد أن نكون في حالة حوار دائم لاينقطع بشأن الحالة الراهنة للأشياء والافكار والموضوعات الجوهرية في عالمنا المعاصر ثمّة حواراتٌ آنية وطارئة شديدة الاهمية يتوجّبُ عقدها بشأن الموضوعات المتداخلة للعدالة الاجتماعية وسياسات الهوية، واعتبارات الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتكس ودراسات الاستدامة وسواها من الموضوعات التي يمكن للمنهج التعليمي أن يكون نقطة الشروع الملائمة لتطويرها والارتقاء بها فردياً وجمعياً ليست هذه الفعالية محض تجربة لتحرير إمكانياتنا المحبوسة بل يمكن أن تكون مصدراً لاينضب لتزويدنا بالطاقة أيضاً – تلك الطاقة التي تنجم عن تخليق حوارات جديدة وتوسيع نطاق الاصوات التي ستسمعها أجيالنا اللاحقة بدلاً من الاقتصار على صوت وحيد أو بضع أصوات فحسب نريد من التعليم – كمؤسسة – أن يكون قادراً على مخاطبة الحاضر والتطلّع بثقة نحو مستقبلٍ ذي مآلات غير محدّدة فذاك أفضل بكثير من أن يكون التعليم مقيّداً بأغلال الماضي " الكلاسيكي " البعيد

إنّ ماكتبتُهُ ليس سوى معالم صغيرة في كيفية بلوغ هذا النمط من التعليم

قراءات إضافية

Further reading

The Great White Bard: Shakespeare, Race and the Future by Farah Karim-Cooper (Oneworld

This is the Canon: Decolonize Your Bookshelves in 50 Books by Joan Anim-Addo, Deirdre Osborne and Kadija Sesay George (Quercus

Diverse Educators: A Manifesto by Hannah Wilson and Bennie Kara (editors), Hannah Wilson (Legend

* جيفري بوكي Jeffrey Boakye كاتب ومدرس ومتحدّث عمومي وصحفي وناشط على منصات التواصل الاجتماعي ولد في بلدة بركستون بجنوب لندن درّس اللغة الانكليزية منذ عام 2007 في المدارس الثانوية في لندن ثمّ في يوركشاير له ولع كبير في الموضوعات الثقافية الخاصة بالعِرْق والتعليم والثقافة الشعبية نشر عدداً من الكتب آخرُها في حزيران (يونيو 2022بعنوان

سمعتُ ماقلتَهُ معلّم أسود نظام أبيض

I Heard What You Said: A Black Teacher, A White System

المقالة المترجمة أعلاه منشورة في صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 12 حزيران (يونيو 2023 بعنوان

Do we need to dismantle the literary canon?

الرابط الالكتروني للمادة المنشورة

https://www.theguardian.com/books/2023/jun/12/the-big-idea-do-we-need-to-dismantle-the-literary-canon

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram