احمد ثامر جهاد
الافعال الشريرة والبغيضة للديكتاتوريات غالبا لا يمكن التعبير عنها وتصوير بشاعتها بشكل منطقي هادئ. نتحدث هنا عن مجازر وعمليات ابادة وقتل عشوائي واختطاف وتغذيب مروع ولك ان تضيف ما تشاء اذا ما الهمك الخيال لتتصور كيف عاش الناس في ظل الانظمة الشمولية والديكتاتورية، بل كيف اتيح للبعض ان ينجو بنفسه من تلك المهالك.
عمد المخرج بابلو لارين لتقديم كوميديا سوداء مرعبة عن ديكتاتور تشيلي سيئ الصيت اوغستو بينوشيه، فما كان منه الا ان استعار للديكتاتور اطرف واصدق وصف تصويري ليظهر بينوشيه كمصاص دماء من طراز كلاسيكي، ليس كاستعارة بل كتوصيف يجعل مضمون افعال الطاغية واقعا دمويا يجعله يطابق الكونت دراكولا الذي يجوب الافاق بحثا عن دماء شابة في ضحاياه.
المناخ المرعب الذي اختاره المخرج لبينوشيه فنتازي بلمسات ساخرة، فالطاغية الان رجل عجوز في اخريات ايامه وقد بلغ عمره 250 عاما، خارت قواه وضاعت مواهبه ونسى ضحاياه وليس امامه الا مهمة وحيدة قاتمة وهي ايجاد موت لائق بجنرال تشيلي الاقوى. حينما تعاوده رغباته القديمة سيبحث عن ضحايا جدد ينتزع قلوبهم ويشرب عصير دمائهم التي تسيل من زوايا فمه المنتشي.
في الغضون تتحرك ابعاد هذه الدراما السوداء على خيوط اخرى قريبة تتمثل بعائلة بينوشيه( زوجته واولاده وبناته) الذين يترقبون موت الدكتاتور للاستئثار بثرواته الطائلة التي لا يعرف اسرارها الا خادمه الروسي المطيع. كما تغير المحاسبة القانونية الفرنسية الشابة في تتبعها الجاد مصير ثروة الديكتاتور ونصيب عائلته.
لعنة الكونت بينوشيه كمصاص دماء ينتظر مصيره الحتمي وتتنازعه رغبات متضادة تنتقل الى من هم حوله بعضة دراكولية في عنق من يحب ان يجعله خالدا من بعده، لكن الموت يسرق احلام البعض منهم.
اجاد المخرج بابلو لاراين (معظم افلامه ذات طابع سياسي) خلق اجواء ساخرة تليق بسرد حكاية التاريخ المريرة عن بينوشيه(ادى الدور ببراعة الممثل خايمي فاديل) كواحد من اسوء طغاة العالم. وساعدت اجواء العتمة والامكنة الخاوية التي تبدو كخرائب او اطلال لديكتاتورية افلة في تمرير لحظات سينمائية مؤثرة تسهم الموسيقى بصعود نبراتها الكلاسيكية تارة وبنشيجها الحزين تارة اخرى في تكثيف البعد البصرى لملحمة الديكتاتور الخرف، الذي من مفارقات ازمانه العابرة والمتعددة ان يكون في نهاية الامر وبمزحة خيالية ابنا لقيطا للمراة الحديدية تاتشر.