 ترجمة / حامد أحمد

تناول تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ازمة النمو السكاني المطرد الذي يشهده العراق والذي يقدر بأكثر من مليون مولود سنويا وما قد يشكله ذلك من تداعيات بيئية اجتماعية مستقبلا وسط تحديات أخرى يعيشها البلد اصلا من نسبة بطالة عالية وأزمة سكن وشح بالموارد المائية ناجمة عن تبعات التغير المناخي

حيث من المتوقع وصول تعداد السكان الى 80 مليون نسمة بحلول العام 2050 مشيرا الى ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وشاملة لحل هذه الازمة على المستويين الحكومي والفردي.

وكنموذج مثالي يعكس هذه الازمة التي يعيشها البلد اختار التقرير موقع، مدينة الصدر، في بغداد باعتبارها من اكثر المدن كثافة بالسكان حيث تضم بحدود ثلاثة ملايين شخص ضمن مساحة تقل عن 30 كم مربع. وبسبب تقييد النفقات وأزمة السكن فانه غالبا ما تشترك عدة عوائل في بيت واحد، وان هذا الاكتظاظ يولد عبئا على البنى التحتية ويؤدي الى ازمة مياه مزمنة وتدهور لشبكات الصرف الصحي. مع كل هذه التحديات فان نمو المدينة السكاني في تزايد، وتشهد المدينة معدلات قياسية من حالات الزواج المبكر وتعدد الزوجات أيضا.

وبينما يميل الكثير للرأي بان الزواج وكثرة الولادات هي شؤون شخصية بحتة، فان هذه الظاهرة الاجتماعية لها اثارها الكبيرة على الجانب التنموي للعراق ومستقبله بشكل كامل. وفي بلد يعيش أصلا تحديات توفير سكن وغذاء وتعليم لمواطنيه، فان معدل الولادات العالية ستزيد فقط من الأعباء المتراكمة على الحكومة. واستنادا لإحدى التحليلات فان نفوس العراق سيزداد بمعدل مليون شخص سنويا. وفي واقع الامر ان وزارة التخطيط سجلت العام 2020 استقبال 1 مليون و258 ألف و 28 مولودا جديدا. ومن المتوقع ان يصل تعداد نفوس البلد بحلول العام 2050 الى 80 مليون شخص، مما يضع ذلك العراق على حافة ازمة بيئية اجتماعية.

وهناك مصادر أخرى تؤكد توقعات الحكومة هذه، فاستنادا الى قسم التعداد السكاني للأمم المتحدة فان نسبة معدل النمو السكاني في العراق لعام 2023 قد بلغت 2.27% وان التعداد السكاني الحالي البالغ، 45.7 مليون، سيصل الى اكثر من ضعف هذا العدد بحلول العام 2085. هذا النمو الكبير يدعو للقلق خصوصا في ضوء ازمة شح المياه الحادة التي يعيشها العراق وتحول كثير من الأراضي الخصبة الى أراضي قاحلة.

استنادا الى ممثل برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة في العراق، فان البلد، وبسبب عوامل التغير المناخي والتصحر وزيادة معدلات درجات الحرارة التي تتعرض لها الأراضي الزراعية، يفقد اكثر من 100 كم مربع سنويا من الأراضي الزراعية، وهي مساحة تزيد على مساحة العاصمة بغداد. هذه العوامل البيئية السيئة، مضافا لها زيادة معدلات الولادة وزيادة شح المياه، تشكل تحدي إضافي لري الأراضي الزراعية.

ويشير التقرير الى ان زيادة النمو السكاني انما يفاقم من التحديات البيئية التي يواجهها العراق. وبينما يعمل التغير المناخي على اتلاف المزيد والمزيد من الأراضي الزراعية، فان توسع الاعمار السكاني يستهلك مزيدا ومزيدا من الأراضي لغرض إيواء هذا العدد المتزايد من السكان. في الموصل لوحدها وصل عجز الإسكان فيها عام 2022 الى 200 ألف وحدة سكنية، مقارنة بـ20 ألف وحدة سكنية فقط في عام 2012. واستنادا الى دائرة التخطيط السكاني للموصل، فان هذا التسارع الكبير بالنمو السكاني يتطلب توسيع رقعة المدينة بمساحة 7 كيلومترات أخرى والتي ستكون على حساب الأراضي الزراعية. ومن الجدير بالذكر ان منطقة سهل نينوى، ومركزها الموصل، كانت تعتبر سلة غذاء أهالي المنطقة.

وبينما تتفاوت أثار تزايد التعداد السكاني في العالم بين بلد وآخر، فان البلدان التي تعتمد على استيراد المواد الغذائية وخصوصا الحبوب، فسيكون تأثيرها كبيرا، وان العراق احد هذه البلدان، هذا فضلا عن ان العراق من بين اكثر البلدان عرضة لتبعات التغير المناخي، وان أراضيه القاحلة وشبه القاحلة لن تكون قادرة على توفير غذاء لهذا التعداد السكاني الكبير.

ويوصي التقرير بضرورة اتخاذ اجراء سريع وشامل من اجل حل ازمة العراق السكانية على مستوى الدولة ومستوى الفرد، منوها الى ان التزايد بتعداد السكان يجري وسط غياب اي تخطيط للحد من النسل. مثل هكذا معلومات تعتبر حيوية لمساعدة العوائل التخطيط بشكل صحيح لمستقبلها. ويتطلب من الحكومة ان تتعهد من جانبها بتوسيع وتطوير البنى التحتية والاستثمار بالمعاهد التربوية ووضع حد لظاهرة الزواج المبكر التي تساهم في زيادة تعداد السكان وذلك من اجل رفاهية الأجيال القادمة.

• عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى