طالب عبد العزيز
بعد اسبوعين من القصف الصهيوني الوحشي على غزة لا يجد العربي الفلسطيني فيها طريقاً آمنةً توصله الى استعادة ارضه وحريته إلا بالسلاح، ومهما قيل عن حلول خارج منطق البندقية، وبالغ البعض في مخاطرها -وهي بالغة الخطورة بكل تاكيد- إلا أنَّ امريكا وأوربا ووحشية العالم (المتمدن) والانسان (المتحضر) هناك لم تترك لهم خياراً آخرَ، على الرغم من بلادة الحكومات العربية، ومواقفها المشينة، وذهاب غالبيتها الى التطبيع سيئ الصيت مع كيان غاصب ومحتل.
وسواء أختلفنا في تفسير ما قامت به حماس في 7 أكتوبر أو لم نختلف، فأنَّ مشروع اقتحام الجيش لغزة قائم، وإسرائيل لن تقبل ببقائها، خارج إرادتها الى ما لا نهاية، ذلك لأنَّ مشروع قناة بنغوريون، الذي أعدَّ له منذ الخمسينات، والذي يبدأ من إيلات الى غزة، والمقرر له أنْ ينتهي في ثلاث سنوات، والذي يبدأ من الهند فالخليج العربي الى اسرائيل فاوربا لابدَّ له أن يكون، وكانت أطرافه برعاية أمريكا قد إجتمعت قبل شهرين. إذن، ما الذي تفعله حماس؟ التي نذهب في صناعتها وتمويلها الى قطر مرة، وإلى ايران أو تركيا مرة أخرى، دونما تفسير في مرجعياتها، وغير خاف علينا ما تفعله في غزة، فهي جماعة دينية متشددة، قد لا تختلف في بعض ممارساتها عن أشدِّ الجماعات المسلحة تطرفاً.
لكن، ما قامت به حماس غيَّر بوصلة الحرب، وأخرجها من تقليديتها الى راهنها، وهذا أمرٌ لمسنا تأثيره على رابع اقوى جيش في العالم، فقد اخترقت المجاميع القليلة باسلحتها المحلية خطوط العدو وفعلت ما فعلت به، ولنا في اليمن صورة نسخته عند الحوثيين، وفي حرب الحشد الشعبي العراقي مع داعش، فالمسيّرات والصواريخ بعيدة المدى، التي لا تحتاج الى قواعد متينة غيّرت خرائط الحرب الحديثة. على وفق المعادلة هذه سنجدُ العذر للجيوش العربية، في دول المواجهة، فهي إمّا ضعيفة، أو مقيَّدة بسياسة دولها، التي طبّعت مع اسرائيل، ومن نافل القول الحديث عن جيش عربي قادر على الحرب في عموم دول الخليج، خلا جيش المملكة السعودية، ربما، التي لم يستقر بندول موقفها على عقرب التطبيع بعد، وباستثناء جيش جمهورية مصر القوي وجيش سوريا المبتلاة بداعش وتركيا وامريكا سيكون الحديث عن القدرات العربية الرسمية قابلاً للدحض.
يدركُ العراقيُّ -الذي تقع عينُ العرب عليه في كل حرب مع العدو- قبل غيره من العرب خطورة الحرب، فقد خبرها واكتوى بنارها سنوات طوال، ومازال يعاني من تداعياتها الى اليوم، ومع وضوح الدلائل التي تم بموجبها حل الجيش العراقي، بأمر حاكمها بول بريمير، وما آلت اليه أوضاع البلاد جراء ذلك، إلا أنَّ العراقيَّ بعامّة ينطوي على ذات صعبة الفهم، مجنونة، لا بمعنى الحمق والطيش إنما بقدر ما فيها من رفض للضيم، هي كأس إباء غريبة، مترعة بالمنعة، وسمها قاتل، ذات فائقة التكوين، تتمتع بروح سريعة الالتئام. فيها نوع من قوة لا تقنن بقاعدة، و لا تنتظم بشكل هندسي، ويمكن تلمسها في حروب البلاد مع إيران، ومع أمريكا، ومع داعش، ويمكن ملاحظتها في حروبها الداخلية أيضاً. الشخصية العراقية خلقت قوية على اختلافنا في ميولها يمينا وشمالاً.
لكنني شخصياً لا أدعو الى مشاركة عسكرية عراقية غير محسومة النتائج، فكلُّ جندي عراقي عزيزٌ علينا جميعاً، ذلك لأنَّ المشروع الاسرائيلي –الامريكي –الاوربي أكبر بكثير من قدرات بلاد محكومة من قبل أمريكا نفسها، فالعراق ما زال رهينة أمريكية، في ماله وسياسته واقتصاده وبموجب اتفاقيات أممية. . ولعل الطريق الأفضل هو التظاهر السلمي والاعتصام أمام سفارت واشنطن ولندن وباريس وبرلين وإرباك السوق العالمية بإيقاف تصدير النفط، والتفكير الجاد بالخروج من مظلة أمريكا، بالبحث عن دول بديلة مثل روسيا والصين والهند وغيرها.