اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > بافل باسينسكي وكتابه الأبن في ظل أبيه: قصة الحب والحقد

بافل باسينسكي وكتابه الأبن في ظل أبيه: قصة الحب والحقد

نشر في: 28 أكتوبر, 2023: 10:10 م

سلسلة البحث عن تولستوي

فالح الحمراني

صدر عن دار المدى كتاب الناقد وكاتب السيرة والروائي الروسي بافل باسينسكي " الأبن في ظل أبيه: قصة الحب والحقد".

وقد صدر بالروسية بعنوان " ليف في ظل ليف..."، وهو بحد ذاته عنوان مزدوج المعني يمكن أن يكون " الأسد في ظل الأسد" (ليف بالروسية تعني الأسد) اذا أخذنا بالاعتبار أن كل الشخصين الأب والابن اعتبر نفسه " أسدا".

والكتاب بترجمة المترجم السوري القدير الراحل نزار عيون السود، الذي خلف عدد كبير من الأعمال المهمة في مجالات الأدب الروائي والنقد والفلسفة والسياسية، المترجمة عن الروسية، وامتاز الراحل بدقة ترجمته وتعامله بمسؤولية مع الأعمال التي يترجمها ساعيا لعكس الأجواء والأساليب للمحافظة على إصالتها، ومناسبة لذائقة القارئ العربي وتتماشى مع روح وقواعد بلاغة لغة الضاد.

وجاء كتاب " الأبن في ظل أبيه: قصة الحب والحقد" في إطار مشروع باسيسنكي الذي سلط الضوء على عوالم الأديب والمفكر الروسي الكبير ليف نيكولايفتش تولستوي، وتوضيح الكثير من الغموض والمخفي الذي حف سيرته وأفكاره، وخلفياتها التاريخية والعصر الذي عاشه. سيجد القارئ مادة ممتعة ومفيدة تثري معلوماته عن الأديب العظيم وتجعله يفهم بصورة أعمق عالمه الفني.

ليف تولستوي اسم مرادف لروسيا في جميع أنحاء العالم، ويحظى باهتمام القراء الروس ومحبي الأدب في مختلف أنحاء العالم. وثمة بحوث ودراسات لا تحصى ولا تعد لأعماله الأدبية ومساره الروحي والديني نفذها عشرات العلماء.

ولكن كان هناك ليو تولستوي آخر — ليف لفوفيتش، ابن الروائي العظيم، الذي كان كاتبا أيضا. وثمة قواسم تجمع الابن والأب لا سيما المسعى للوصول إلى جوهر كل شيء، والانجذاب نحو الأفكار الراديكالية بأقصى تجلياتها، والإدمان، وردود فعل مؤلمة، والكتابة، والميل إلى لعب الدور النبي الداعية، لقد عاش الأب والابن كل هذا. لكن طرقهما اختلفت.

ولد الابن ثالث في عائلة ليف نيكولايفيتش وصوفيا أندريفنا تولستوي في عام 1869، وأطلقا عليه اسم والده. كونه ابن تولستوي، ليف تولستوي الثاني، بهذا القى على عاتقه مسؤولية كبيرة وصليب عليه حمله. لقد أدرك الأبن هذا جيدا ولم يرغب في تحمله: لقد حاول أن يصبح طبيبا وحتى كأبيه كاتبا (!)، نحاتا، وشخصية عامة وسياسية. لكن نظر المجتمع له في كل مكان فقط على أنه ابن كاتب عظيم، ليف تولستوي- الصغير.

كما يتضمن كتاب بافيل باسينسكي، قصة أب وابنه، عن علاقة تولستوي بأبناءه التي لم تكن صافية الأجواء، وكان باسينسكي، قد كتب عدة إعمال تناولت سيرة تولستوي: الهروب من الجنة (نال جائزة الكتاب الكبير) و"القديس في مواجهة ليف" وأخيرا "قصة انا كارينينا الحقيقية".

واعتمد باسينسكي في كتابه على رسائل ومذكرات ويوميات تولستوي، ويرسم المؤلف الطريق الصعب للابن الثالث للكاتب العظيم. وصراعه عديد الأوجه والأسباب مع والده طوال حياته مع حبه له، وبعد أن مرة بفترة التزام أعمى بأفكار تولستوي الأكبر أعلن بعد حين أنكاره الجذري لها. على سبيل المثال، ردا على "كروتزر سوناتا" الفاضحة لليف نيكولايفيتش، يكتب ليف لفوفيتش وينشر رواية "مقدمة شوبان"، معربا عن أفكار معاكسة مباشرة! وأدركت صوفيا أندريفنا تولستايا خصوصية شخصية الابن الأصغر فكتبت: "كانت السمة المميزة لابني ليف مع والده. هي البحث الأبدي، وعدم الرضا الأبدي عن الذات. والبحث عن الأفضل والمفيد، ومن الصعب العثور على الرضا على هذا الطريق، لأن أي كمال بعيد المنال، والسعي الأبدي والنضال يتعب في النهاية."

وفي محاولة لتجاوز تولستوي الأب، غامر ليف لفوفيتش مرارا في مشاريع غريبة: حاول أن يصبح طبيبا، ثم كاتبا، وذهب إلى الخارج وعاد إلى ياسنايا بوليانا. حاول أن يصبح ناشرا، ثم افتتح محل لبيع الكتب، ثم كان ينوي أن يكون فنانا ونحاتا... ولم يكن محظوظا في أي شيء: لم تقبل البيئة الجامعية، وسخروا من تجاربه الأدبية وأدت إلى ظهور اللقب المهين "النمر تيغروفيتش"، ولم تتكلل جهوده في ات يصبح نحاتا بالنجاح، ولم يهم أحد بلوحاته.

يتتبع بافيل باسينسكي تاريخ عائلة منزل تولستوي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ويظهر كيف كانت علاقات الكاتب العظيم، وزوجته، وأطفاله متناقضة، ومرتبكة. ولم تكن الحياة الأسرية في ياسنايا بوليانا شاعرية على الإطلاق. "الحرب من أجل الأطفال" المستمرة بين الأب والأم، ووضع الأطفال ضد بعضهم البعض، ولم يشاطر غالبية أفراد الأسرة أفكار الأديب الجديدة، والوضع المالي الصعب — كل هذا ليس سوى جزء من المصاعب التي ترعرع فيها تولستوي الأصغر. وفي الوقت نفسه، تمتع الاابناء بالحرية الروحية، وتلقي التعليم الممتاز، والشعور بالانتماء إلى الرجل العظيم. وليس من المستغرب أنه في مثل هذه الظروف تبلورت شخصيات غير عادي، وأكثرها تناقضا كان ليف الاأصر. أن كفاح ليف لفوفيتش من أجل حقه في "أن يكون تولستوي" أمرمشوق ومأساوي. ول كان قد ولد بلقب مختلف وفي عائلة مختلفة، فربما كان هناك مصير رائع يخبئه. ولكن، كما يخلص بافيل باسينسكي، " لا توجد ثقافة يمكن أن تصمد أمام "أسدين" (ليف بالروسيه معناه الأسد)... ".

كتاب "ليف في ظل ليف" او ارترى مترجمه بالعربية ان يكون " الأبن في ظل أبيه" هو مغامرة فكرية رائعة. فالقارئ مدعو للتفكير فيما سيحدث إذا كان هناك بالفعل "أسدان" تولستوي في الثقافة الروسية. وكيف ستتغير فكرتنا عن ليف نيكولايفيتش لو كان قد نال ليف لفوفيتش الشهرة والتقدير كابيه؟ وما دعا تولستوي حقا وكيف اختلفت كلمته عن أفعاله؟ يسمح كتاب بافيل باسينسكي بإلقاء نظرة على" الأسد الآخر "لفهم "الأسد الأول".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram