ستار كاووش
سحبتُ حقيبتي خلفي متوجهاً الى مطعم الأكلات السريعة، حيث ترك لي صاحب البيت المفتاح هناك، وما أن رآني صاحب المطعم الشاب، حتى هيأ المفتاح على حافة الطاولة التي أمامه، شكرته على ذلك، وأشرتُ الى إحتمال عودتي للمطعم في المساء.
فتحت باب البناية الخارجي، وإذا بممر ضيق وطويل جداً أُضيء من تلقاء نفسه حال دخولي المكان، وقد رُصِفَ على جانبه الأيمن صف من الدراجات الهوائية التي إنتصبت على عجلاتها الخلفية فقط، فيما إرتفعت عجلاتها الامامية وإنحشرت بين عتلات حديدية مثبتة على الجدار، كي لا تشغل حيزاً كبيراً من الممر، ويتمكن السكان من المرور بسهولة. عبرتُ ممر الدراجات، لأصل الى الباحة الخلفية التي يقع فيها البيت، والتي أحاطتها الأشجار والنباتات من كل جانب.
في الداخل بدا لي البيت -من فرط غرابته- كإنه بيت صيفي لروائي، أو مرسم قديم يعود لأحد فناني جماعة الجسر. لم يكن عظيماً على كل حال، لكنه يفي بالغرض ويحتوي على كل ما أحتاجه تقريباً، من أثاث وأغطية وشراشف، كذلك أدوات المطبخ والحمام. لقد شاهدت صور البيت من الداخل قبل الحجز، لكني رأيته مختلفاً على الطبيعة، فقد كان مستطيلاً أكثر من اللازم، ومقسماً الى أربعة أقسام، ألقيتُ نظرة على اليسار حيث الحمام الذي بُني بطابوق زجاجي أبيض، وببابهِ الحديدي الثقيل المليء بقطع اللحام والذي يشبه بوابات المصانع بدا كإنه مدخل لمكان آخر لا يشبه البيت. مضيتُ نحو اليمين حيث المطبخ الصغير الذي يليه مكان للجلوس توسطته أريكة يقابلها تلفاز، وفي مؤخرة البيت ربضَ سرير واسع، حَجَبَتْ نصفه ستارة تدلَّتْ من السقف. قرب إحدى النوافذ إستقر مكتب صغير للكتابة مع كرسي مزخرف يعود لفترة الآرت ديكو، وقابله من الجانب الآخر طاولة دائرية لتناول الطعام، بجانبها شمعدان حديدي يرتفع عن الأرض قرابة المتر، ويحمل سبع شموع بيض من شموع العشاء إنتصبت علـى سطحه الدائري. وبما أني قد تعودتُ أن أقضي جزءً من المساء على الأريكة ومتابعة التفاز، لذا كان من السهل إكتشاف عدم وجود طاولة صغيرة ومنخفضة أضع عليها طعامي وشرابي كالعادة. تَلَفَّتُ هنا وهناك لم تكن سوى طاولة الطعام المرتفعة التي لا تصلح لهذا الغرض، وفجأة وقع بصري على دولاب خشبي صغير بجانب السرير، كان فارغاً فسحبته قرب الأريكة وقلبته على الجانب، ثم وضعت عليه شرشفاً فتحول الى طاولة صالون مذهلة. مرَّ بعض الوقت، حتى سمعتُ طرقات خفيفة على الباب، فتحته واذا رجل في الستين من عمره تقريباً، بشعر قصير أبيض يلقي عليَّ التحية. عرفتُ مباشرة إنه صاحب البيت وولف، فدعوته للدخول حيث كان يحمل معه مجفف الشعر وبعض التفاصيل الصغيرة التي نسي تهيئتها بوقت سابق والتي لا أحتاجها أصلاً. أثناء حديثنا سألته عن أصل هذا البيت الذي بدا شكله غريباً من الداخل، فأخبرني كيف إن هذا المكان كان في سنوات بعيدة مكتباً له، حيث كان يعمل مديراً لأعمال بعض الممثلين ومقدمي العروض الكوميدية، وبعد أن تغيرت طبيعة عمله، أحدثَ فيه ببعض التغييرات ليكون بيتاً مناسباً لإستقبال زائري هامبورغ. وأثناء حديثنا إنتبهَ الى الطاولة التي إستحدثتها متساءلاً (ماهذا؟)، فأخبرته بأني قد حولتُ الدولاب الى طاولة مؤقته، وسأعيده الى مكانه قبل رحيلي من البيت، فضحك قائلاً بأنه سيرتب في الأيام القريبة القادمة، طاولة بعجلات ليسهل تحريكها في أرجاء البيت.
ودعتُ وولف الذي أشار قبل ذهابه الى أناء حديدي صديء بغطاء دائري ينتصب قرب الباب الخارجي، طالباً مني أن أضع المفتاح -عند عودتي الى هولندا- في هذا الإناء ثم أعيد غلقه، وهو سيتكفل بالباقي. بعد بضع دقائق خرجتُ بجولة صغيرة في المدينة لأتنفس هوائها وأتحسس أجواءها، ومررتُ قرب متحف كنست هال الذي يحتاج يوماً كاملاً لرؤية محتوياته الكثيرة والنادرة، لذا قررتُ أن أتفرغ يوم غد لهذا المتحف فقط. إقترب المساء فلم يكن بوسعي سوى أن أفتح باب إحدى المقاهي وأطلب فنجان قهوة، متأملاً الشارع الذي إمتلأ بالمارة، لم تمض نصف ساعة حتى توجهتُ نحو متجر (ليدل) لشراء ما تيسر من طعام وشراب، ثم عدتُ الى البيت، لتوفير طاقتي ليوم غد حيث تنتظرني الكثير من اللوحات.