اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الأمم المتحدة بين حرب الإبادة الإسرائيلية وغياب المحاسبة الجنائية

الأمم المتحدة بين حرب الإبادة الإسرائيلية وغياب المحاسبة الجنائية

نشر في: 30 أكتوبر, 2023: 10:03 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

لا مجال للاحتفال بيوم الامم المتحدة في ال24 من اوكتوبر نظرا لإستمرار اسرائيل بحرب إبادة همجية دموية شاملة في قطاع غزة المحتل دون محاسبة قانونية جنائية ، حرب هي اساسا لم تنقطع ضد الشعب الفلسطيني برمته منذ ماقبل حرب 1948 هدفها انتزاع الاراضي الفلسطينية برمتها وتهجير أهلها

ما يعزز استمرار الهيمنة الجيوسياسية لإسرائيل فاتحا المجال لتأسيس كيان عنصري يعرف ب”أسرائيل الكبرى “ أو” دولة الفصل العنصري “ حارما الشعب الفلسطيني من حقه في الحياة الحرة الكريمة ضمن مسار ممنهج لإقامة دولة فلسطين الحرة المستقلة . جدير بالذكر أن قطاع غزة قدم منذ ما ينيف عن عقود تضحيات أنسانية كبرى بنتيجة جريمة حرب وإبادة اسرائيلية ممنهجة متكاملة الاركان فاقت كل تصور . منذ السابع من أوكتوبر 2023 يخضع كل سكان غزة بشكل مباشر لحصار مميت معززا بقصف مستمر للطيران والمدفعية الاسرائيلية التي لاتبق حرثا ولانسلا . من منظور مكمل أعلنت الامم المتحدة أنه لايوجد مكان آمن في القطاع طالما تستمر اسرائيل بجرائم الحرب ، برغم اضاليل اسرائيل السياسية والاعلامية التي اشارت مثلا بإن منطقة جنوب غزة ”آمنة “ بينما تتعرض غزة برمتها لقصف إجرامي عشوائي قتل الالاف من الشهداء الغزاويين مدمرا البنى التحتية الحيوية الاساسية للبقاء وللتنمية الانسانية.

بدى خطاب أنطونيو غوتيريش الامين العام للامم المتحدة في مجلس الامن يوم الثلاثاء الموافق ل24 من أوكتوبر 2023 أكثر ملامسة لواقع لازال كارثيا مآساويا اودى حتى كتابة المقال عن ما يقارب 8 الف قتيل من الشهداء الاعزاء بينهم ماينيف عن 3000 طفل وما يقارب ال20000 من الجرحى واعداد كبيرة اخرى من المفقودين الذين لازالت اشلاء جثثهم تحت أنقاض مباني غزة السكنية قاربت ال 2000 شخص . الحملة الراهنة لغزة تعدت كل الخطوط الحمر من حيث القسوة والدمار الشامل بشريا وماديا مقارنة بكل حروب اسرائيل السابقة على غزة . ندد غوتيريش الامين العام للامم المتحدة بجرائم العدو الصهيوني معرفا اياها ب ” أنتهاكات للقانون الدولي “ في غزة “ داعيا المجتمع الدولي للقبول بوقف فوري ودائم لإطلاق النار إتساقا مع قرار الجمعية العامة الاخير لكن دون جدوى إلا من خطب حماسية على الصعيد الرسمي في الاطار الدبلوماسي مؤيدة للحق الفلسطيني . علما بإننا يجب ان لانقلل كثيرا من إرتفاع منسوب الوعي الشعبي عالميا معززا بتظاهرات حاشدة في العالم وبضربات للمدفعية وبالصواريخ مهمة ولكنها محدودة الاثر نسبيا مثلا على الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية من قبل حزب الله ربما تتصاعد أكثر فاعلية مستقبلا من قبل حزب الله ومن جبهات أخرى (سورية والعراق واليمن وغيرها) . علما بإنه في الايام الاخيرة أخذ يشهد العالم انتفاضة شعبية فلسطينية” ذات جانب مسلح “ في الضفة الغربية ستغير إن تنامت وأتسعت شعبيا الحسابات اقليميا ودوليا للمراجعة والتقييم الاقليمي والدولي.

صحيح أن الامين العام أشار أن” لاشيء يبرر الهجمات المروعة من قبل حماس “ ، إلا انه استدرك :” أنه يحذر من العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني “. المشكل الاساسي في تقديرنا المتواضع أن دور الامم المتحدة ضمن نظام دولي لازال ضعيفا حيث لم تستخدم أمكاناته الضخمة بمعنى القوة المتنوع والشامل ( دبلوماسيا ، عسكريا ، جيوسياسيا ، اقتصاديا وتقنيا وعلميا) بصورة قد تمنع استخدام الولايات المتحدة الامريكية للدعم العسكري الضخم لإسرائيل - دعم لايقره القانون الامريكي - لازالنا بأنتظار تبلوره . في غياب ذلك فإن مجلس الامن يعد مشلولا بسبب تكرار استخدام الفيتو الامريكي ماوفر لإسرائيل فرصا ذهبية للتمادي في عدوانها المستمرعلى قطاع غزة وحصارها الظالم لشعب غزة الصابر المجاهد بحجة” الدفاع الشرعي عن النفس “. علما بإن كل من قرأ التاريخ السياسي المعاصر يعلم جيدا أن اسرائيل ووفقا للسياق العام للاحداث وللمسيرة الطويلة من مفاوضات دبلوماسية في غالبها الاعم ” عقيمة في مضمونها ونتائجها “ بينها وبين السلطة الفلسطينية من جهة ومع الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة من جهة أخرى أوضحت أن الكيان الصهيوني يعد الطرف المعتدي المهيمن على الارض والحقوق السيادية العربية . موقف تخطى الحدود الانسانية والاخلاقية والقيمية ، القانونية بل والجيوسياسية لدرجة لايمكن للعالم معها البقاء متفرجا على مايحدث من جرائم حروب ضد الانسانية.

من منظور أخر مكمل ، أضاف غوتيريش :” أن اي طرف في الصراع المسلح ليس فوق القانون “ ، من دون الاشارة صراحة إلى اسرائيل . من الواضح أنها اسرائيل هي المعتدية المغتصبة لفلسطين منذ ما قبل 1948 . إن أقرار غوتيريش ” أن هجمات حماس لم تأت من فراغ “ ، موقف في تقديرنا ينسحب بكل موضوعية على الاعتراف بحق المقاومة الفلسطينية - وفقا للقانون الدولي - في مجابهة العدوان الاسرائيلي طالما ان المدنيين لم توفر لهم الحماية المناسبة وهم في الغالب الاعم من الجانب الفلسطيني . إن اقرار غوتيريش بالحق السيادي الفلسطيني وبفقدان ارواح بريئة بالالاف بضمنها 35 من موظفي الاونروا جعلت منه في نظر اسرائيل شخصية غير مرغوب بها ، لذا فرضت عليه الاعتذار عن تصريحاته او التنحي عن موقعه برئاسة الامانة العامة للامم المتحدة ، موقف لم يستجب له غوتيريش بحق .

إن الخسارة البشرية لالاف الاشخاص من الفلسطينيين وللمئات من جنسيات مختلفة مسالة يفترض أن لايسكت المجتمع الدولي عنها طالما تمادت اسرائيل باسلوبها الوحشي الذي وصل لحد ارتكاب جرائم مركبة ضد مدنيين ابرياء ، يمكننا أن نحددها :أولا : جرائم الحرب بكل صورها وثانيا : أخرى ضد الانسانية تحمل مضامين جرائم العقاب الجماعي واخيرا جرائم الابادة أوالتطهير العرقي - الديني والمجتمعي . كلها جرائم تستدعي وضع اسرائيل تحت طائلة المحاسبة والعقاب الحازم وفقا لنصوص القانون الدولي العام والقانون الانساني معا . مسألة من الصعب تصورترجمتها عملا طالما لازالت الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي وغيرها تساند اسرائيل في تأييدها العسكري - التقني والاقتصادي - المالي استنادا لما يعرف بحق اسرائيل في الدفاع عن ذاتها. علما بأن ترجمة مضمون مثل هذا الحق لم يعد أمرا صادقا أو مقبولا . التساؤل المشروع الذي على الدول التي تساند اسرائيل في حربها المدمرة - دون شروط - أن تجيب عنه : كيف يمكن تبرير مقتل وجرح وتشريد الالاف من المدنيين الابرياء العزل بأنه حق مشروع لاسرائيل للدفاع عن نفسها ؟؟ هل يعقل ان يشكل أكثر من مليوني ونصف مليون شخص في غزة حواجز أنسانية Human Sheild/s لحماية بضع مئات من الفلسطينيين المقاومين للاحتلال الاسرائيلي؟ كما كيف يمكن تقبل الرأي السائد أن الفلسطينيين وفقا لقناعة اوفهم بعض الدول المتحمسة في تأييدها لأسرائيل” لايمثلوا الفلسطينيين “ في حين أنه أنهم يخضعون لأبادة تامة أي وفقا للنهج الاسرائيلي العدواني يجب أن يزالوا من الخارطة الجغرافية - الدموغرافية (السكانية) لفلسطين ؟ أليس في هذا لوي للحقيقة وتناقض صارخ في فهم من له لب وبصيرة أن اسرائيل لازالت تمارس سياسة قتل جماعي مثالها واضح لإجهزة الاعلام ولكل إنسان مراقب ، قمع للشعب الفلسطيني ؟ هذا ولايفوتني ان اذكر ان غزة المحاصرة منذ عام 1948 من قبل اسرائيل يضاعف مآساتها الانسانية نظرا لما قامت به حكومات اسرائيل المتعاقبة من حصار أنساني جسدته بإبشع صورة حكومة نتنياهو اليمنية المتطرفة من قطع للمياه والكهرباء وللوقود والدواء بل وحتى الغذاء ضمن سياسة تعطيش وتجويع وموت محتم . إذ وبرغم فتح معبر رفح من الجانب المصري - الاسرائيلي بصفة محدودة ولكن المساعدات الانسانية للقطاع لم توفر بعد سوى النذر اليسير من الشحنات الاغاثية مع منع تام للوقود الحيوي في غزة ما يعني أستمرار وعمق وإتساع المآساة التي شخصها و تحدث عنها العديد من ممثلي الدول الاعضاء في الامم المتحدة . بمعنى لا مؤشر على الاقل في المدى المنظور أن توقف اسرائيل سياسة القصف الجوي المدمرة طالما لايحاسب قادة اسرائيل عن ممارساتهم الأجرامية أمام المحاكم الدولية الجنائية وعلى راسها المحكمة الجنائية الدولية التي سبق لها وان حاكمت قادة الصرب وقادة راوندا وغيرها من دول سار قادتها على خطى قادة اسرائيل في التحكم القاسي بمصير شعوبهم او من يعيشون على ارضهم من المدنيين .

أسرائيل إذن لازالت كيانا سياسيا ليس لديه اي نية لخلق تعايش سلمي مجتمعي آمن - مدني في ظل دولة تؤمن بديمقراطية حقيقية علما بإنها تدعي زورا بإنها ” واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط “ بينما الحقيقة أنها تعاني من غياب اي مضمون أخلاقي وقيمي -سياسي - قانوني منفتح على بناء شرق اوسط جديد خال من العنصرية والكراهية يعيد للانسان الفلسطيني حقوقه وحرياته في إطار حق تقرير المصير العالمي وترجمة لإعلان الجزائر في إقامة دولة فلسطين المستقلة.

أخيرا تظل تساؤلات أخرى غير متيقن من إجاباتها النهائية طالما تبقى نهايات حرب غزة الوحشية تحمل نهايات سائبة وغامضة او مخاطر الاتساع لتشمل اقليم الشرق الاوسط برمته بل وربما العالم لاسامح الله. إن ما تريده اسرائيل من شرق اوسط جديد ليس فيه ما يدفع اويحفز الانخراط بأي مشروع صهيوني توسيعي لا آمل او كوة للنور او للتنوير فيه بل ولا اي مسار آمن يسمح بأي تقدم حقيقي سلمي مزدهر اقتصاديا في منطقتنا العربية وفي” اقليم مينا-الشرق والاوسط وشمال أفريقيا- MENA .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram