اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > صورة لسعدي الحلي

صورة لسعدي الحلي

نشر في: 31 أكتوبر, 2023: 11:22 م

عبد الخالق كيطان

في يوم قائظ كنت أخذ الخطى جهة دائرة السينما والمسرح في الصالحية. خطاي تقودني إلى الشوارع الخلفية المحاذية لشارع حيفا الحديث.

عبرت محلة باب السيف.. تجاوزت السفارة البريطانية في بغداد لكي أصل إلى شارع حيفا قبيل ساحة الملك فيصل. هناك.. ومقابل دائرة الإذاعات العربية شاهدته. بالأحرى مشيت متقاطعا معه. إنني أتذكره جيدا. هو يظهر بالتلفزيون في برنامج جلسات المقام العراقي، كما يظهر في برنامج أغاني الريف. أوه.. لا أعرف أسمه.

وصلت إلى دائرة السينما والمسرح وسألت بعض الأصدقاء عنه. قالوا: ربما هو عبد رويح، أشهر عازف "زنبورة" في العراق. استدرك هنا لأقول أنني لا أعرف وصفا لهذه "الآلة " الموسيقية التي تنتشر في العراق، وخاصة جنوبها!

أنه عبد رويح إذن… العازف النادر.. قادني إلى شريط من العارفين النادرين الذين يظهرون في التلفزيون ولا نعرف أسمائهم..

يقودني هذا الاستدراك إلى فترة كنت أعد فيها برنامجا عن المسرح لصالح تلفزيون العراق. صادف أن موعد تسجيل حلقات البرنامج يكون ظهرا بعد تسجل حلقات برنامج أغاني الريف، في الاستديو ذاته. لن أنسى مشهد العازفين العمي، وأعتذر لصراحة المفردة، وهم بقيادة فتى ناحل. يضعون أيديهم عل كتف السابق وفي اليد الأخرى يحملون آلتهم الموسيقية. كان اشهرهم قاطبة عازف الكمان الراحل فالح حسن.

وفالح حسن لوحده حكاية. من استمع لاشرطة الفنان الراحل رياض أحمد في حفلاته الخاصة سيفهم مقصدي، وسيتذكر المطرب وهو يكرر: الله يا فالح، بعد تقسيمات مؤثرة على آلة الكمان.

بعد دهور كان لي موعد مع فالح حسن. في الحقيقة كان له هو موعدا في قناة الحرة، التي كنت أعمل فيها، ضمن برنامج ما. قلت في سري: لألتقط صورة مع هذا العازف البارع. فوجئت أن العديد من الزملاء في القناة لهم الرغبة ذاتها. تصورت معه ضاحكا، وكانت من الصور النادرة التي أسعى إليها!

مهلا… ما علاقة ذلك كله بسعدي الحلي؟

في طفولتي البعيدة حضرت حفل زواج عائلي. لا أتذكر منه الآن غير صوت ينطلق من مكبر الصوت، ولكنه أخافني كثيرا حينها. شعرت بالرعب وأنا استمع لهذا الصوت، الذي لم يكن سوى صوت سعدي الحلي!

لماذا خاف الطفل فيّ من صوت سعدي؟

أنا بحاجة إلى محلل نفسي هنا!

تشاء الصدف أن أرى الحلي ببدلة بيضاء واقفا في الساحة الهاشمية بالعاصمة الأردنية عمان صيف العام ١٩٩٩. كان وحيدا مثل نخلة. مذعورا يلتفت… وكنت منبهرا أمام هذا الرجل الذي شكل ذاكرة ملايين العراقيين.

العبرة، إذن، في أنك تتذكر العراقي الحق… سواء أكان عازفا على آلة موسيقية مهجورة، أو مطرب شعبي يخاف من صورته الأطفال ويعشق صوته الكبار.

ولكن، ما العراقيّ الحق؟ هذا ليس موضوعنا الآن.

من المؤسف حقا، لشعب ما، أو لمجموعة من البشر، أن لا يتفقوا على رمز "وطني". ولكن ما هو الرمز الوطني؟

إنه قد يكون سياسيا

شاعرا

ممثلا مسرحيا

لاعب كرة قدم

أو حتى أكلة شعبية…. الخ…

في العراق، تبرز التناحرات بين المختلفين على أوجها. لا أريد هنا ان أقدم صورة تراجيدية عن واقع الحال… ولكن بعد عقود من العمل المباشر في الحقلين الفني والثقافي، أكاد اصرخ من الألم لغياب هذا الرمز.

السؤال هنا: هل بإمكاننا الحديث عن "مطرب شعبي" بوصفه رمزا وطنيا؟

في العراق نحن نملك السياب

ومحمد غني حكمت

ويوسف العاني

وكمال السامرائي

وجمولي

وعدنان القيسي

ونوري السعيد

وعبد الجبار عبد الله

والأب انستاس الكرملي

وجعفر أبو التمن

وقبلهم…. المتنبي كان عراقيا… ولكننا للأسف الشديد أهملنا هولاء، وغيرهم كثير جدا… وانتبهنا ففط لمن يفرقنا! أي بؤس نحن فيه.

لقد ذهبت بعيدا جدا عن فكرة هذا الموضوع، وربما أتحدث الآن في صميمها. لا اعرف، وأطلب منك الاجابة؟

يبادرني سؤال تقليدي؛ لماذا نتنكر لمبدعينا؟

ويليه سؤال، ربما استنكاري، مفاده: لماذا تذكرنا العشرات من المبدعين العراقيين بعد ٢٠٠٣؟ ثم: هل كنا نسيناهم قبلها؟

أوف… هذا سجال لن ينتهي… ولهذا دعونا نرجع إلى سعدي الحلي… هل نتذكره بجد؟ هل نتذكر عبد رويح وفالح حسن وسعدي البياتي، هل علينا نتذكر الموسيقيين الذين سهرنا معهم؟ بكينا… وسعدنا بهم؟

كان سعدي الحلي هامشا على الدوام. حتى لو ظهر في القناة الرسمية للعراق فهو هامش. والهامش غير مرغوب به. إنه ممنوع بالأحرى. مكانه في أشرطة الكاسيت وليس في شاشات التلفزيون. لقد تحدى الحلي ذلك، أو أنه اجبر الجميع على الإنصات له. بالتالي سحبهم من ياقاتهم وجلبهم إلى استوديوهات الإذاعة والتلفزيون! هل تفهم ما أقصد؟ متى ظهر الحلي على شاشات التلفزيون؟ ومتى ظهر أصلا؟ الرمز الوطني يتحدى السلطة. يباغتها. يعلو. يتسامى.. هي تراقبه. ولكنها لا تقوى على مقاومته!

ربما أسرفت في البعد.

ولكن

نحن بحاجة ماسة إلى إعادة اكتشاف أنفسنا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram