د. فالح الحمـراني
تَعرضْ قنوات التلفزيون المركزية الرسمية الروسية، عند تغطية الأحداث في غزة وما يتعلق بها في آن واحد تقارير من تل أبيب تنقل وجهة النظر الإسرائيلية، وتقارير من بيروت عن غزة وجنوب لبنان وتعكس الموقف الفلسطيني والعربي/ الإسلامي عموما.
وتصف بعض وسائل الإعلام الروسية حماس بمنظمة إرهابية، بينما تصفها أخرى بالمتشددة أو حركة الجهاد الإسلامي، وأعضاؤها بالمقاتلين. يذكر أن روسيا لم تدرج منظمة حماس ولا حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية التي يحظر نشاطها في روسيا، وتقيم اتصالات بها على مستوى رسمي. ويتخذ اغلب المحللين السياسيين موقفا محايدا في قراءتهم للتطورات ويظهرون موقف الغرب وأمريكا خاصة غير البناء والمنحاز بشكل سافر لإسرائيل.
وهناك اقليه من المحللين من أصول يهودية يبدون تعاطفهم الصريح مع إسرائيل، ويبررون الجرائم الوحشية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين بحق الدفاع عن النفس، كما ثمة محللون خاصة من ذوي الميول القومية والمسيحية/ الأرثدوكسية الروسية يتعاطفون مع الفلسطينيين ويفضحون الممارسات الإسرائيلية ووقوف الانجلو/ سكسون وراءها، ويشير البعض الى أن الولايات المتحدث تدفع لتفاقم الوضع وحتى إشعال حرب إقليمية ربما بين إسرائيل وإيران وجر الدول العربية لها.
ووفقا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة الرأي العام (FOM) حول تفاقم النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي فان الغالبية اي 73 % من الذين جرى عليهم الاستطلاع يتخذون موقفا محايدا لا يدعم أي من طرفي النزاع، ويتعاطف 9% من الروس مع إسرائيل و10% مع فلسطين، ووصف (12٪) منهم التفاقم الجديد للنزاع الفلسطيني / الإسرائيلي بنزاع إقليمي بين الدول ويرى (10٪) وقوف الغرب وراء اندلاع النزاع . ووفقاً لـ 36% من المستطلعين فإن السلام الدائم بين إسرائيل وفلسطين ككل أمر ممكن، بينما يعتقد 39% أنه مستحيل.
وتناولت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا نتائج الاستطلاع بالتحليل مشيرة الى أنها تعكس مثلها مثل نتائج مثل هذه الدراسات في كثير من الأحيان تأثير وجهة النظر الرسمية على موقف الرأي العام. وأضافت “ لذلك، ليس من المستغرب أن يتهم المشاركون في الاستطلاع الدول الغربية في تفاقم الوضع... إن اتهام الغرب هي الصيغة التي تكررت مؤخراً مراراً على لسان ممثلي الحكومة الروسية.” و في إشارة إلى التغير الذي طرأ على موقف الرأي العام قالت:” من المثير للاهتمام مقارنة هذه البيانات بنتائج استطلاع مماثل أجرته “مؤسسة الرأي العام” في نوفمبر 2012 حينها أعلن 66% أنهم لن يؤيدوا أحداً، ولكن في نفس الوقت كان 13% يؤيدون إسرائيل، و5 % فقط يؤيدون فلسطين. “والاستطلاع الحالي هو المرة الأولى التي يميل فيها التعاطف، ولو بشكل طفيف، لصالح الفلسطينيين».
ومضت الصحيفة بقراءتها بالقول: وهذا ليس من قبيل الصدفة. فالرأي العام يميل إلى ما تركز عليه وسائل الإعلام والسياسيون والدبلوماسيون عند تغطية موضوع معين. وتشهد نتائج استطلاع مؤسسة “ الرأي العام” بشكل غير مباشر إلى أن معاناة المدنيين الفلسطينيين في غزة في وأسبابها تظهر في كثير من الأحيان في وسائل الأعلام وتبدو أكثر وضوحا، من خبر الهجوم الذي شنه مسلحو حماس على الأراضي الإسرائيلية. وتساءلت: فهل يحاول أحد التأثير على الرأي العام بهذه الطريقة، وتشكيله، والتأثير عليه عمداً؟ وقالت: من الصعب الإجابة على هذا السؤال بشكل واضح. بل يمكننا هنا أن نتحدث عن أحد الآثار الجانبية الناجمة عن عدم تحديد السلطات الروسية موقفها أيضاً: فهي لا تستطيع أن تدعم أياً من الجانبين بشكل لا لبس فيه وبوضوح.
وحسب نيزافيسيمايا غازيتا تشير استطلاعات الرأي العام ضمناً إلى حركة ذات اتجاهين: فالخطاب الرسمي يؤثر على الرأي العام، ولكن المجتمع يرسل أيضاً إشارات معينة إلى السلطات. ويمكن النظر إلى الرسالة التي توجهها دراسة “ مؤسسة الراي العام” على النحو التالي: ينبغي على روسيا أن تبقى محايدة وفوق النزاع. “وعادة ما يسمح هذا الموقف لأي دولة أن تعلن عن استعدادها للقيام بدور صانع السلام - وقد عرضت موسكو مرارا وساطتها على إسرائيل وفلسطين”. وبرأيها: أصبح من الصعب الآن أن تلعب روسيا مثل هذا الدور في الشرق الأوسط. فهي نفسها متورطة في نزاع لم يتم حله، وعلاقاتها مع العديد من الدول المؤثرة في أزمة، والتفاقم الفلسطيني الإسرائيلي مشكلة عالمية، والغرب منخرط بشكل مباشر في حلها.
وعزت الموقف الروسي من الأحداث في غزة أيضا الى عدم انضمام العالم العربي إلى العقوبات الغربية ضد روسيا. وإلى أن مصير أي مبادرات تتعلق بأسعار الطاقة يعتمد على الدول العربية. وهذه مسألة ذات أهمية حيوية بالنسبة لروسيا. وبدأت بعض الدول المؤثرة في العالم العربي في إقامة علاقات مع إسرائيل. ويمكن للعالم العربي أن ينتظر الدعم من روسيا – بمثابة امتنان من قبل موسكو على مواقف الدول العربية بشأن العقوبات وتفعيل العلاقات الاقتصادية.
وخلصت بالاستنتاج مفاده “ أن موسكو في الوقت نفسه لا تستطيع أن تبعد إسرائيل. فعلا إن هذه الدولة حليفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن روسيا لها علاقاتها الخاصة بها”. مشيرة إلى عرض لحكومة الإسرائيلية وساطتها على موسكو وكييف في ربيع عام 2022، عندما كانت المناقشات حول اتفاقية السلام تجري بفعالية. “ ولا يلمح الرأي العام، بغض النظر عن كيفية تشكيل الأجندة الإخبارية، للقيادة الروسية اتخاذ موقف وخيار واضح من التطورات في غزة. وعليها أن تختاروا الطريق الأوسط، وإن فكرة “ أن الغرب هو المذنب “ مريحة للغاية هنا. حسب الصحيفة.