اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عن الغربة.. وشغف الكتابة

عن الغربة.. وشغف الكتابة

نشر في: 7 نوفمبر, 2023: 10:02 م

عبد الكريم البليخ

ما الجديد الذي أضافته عليَّ الغربة طوال السنوات العشرة الأخيرة في مجال الثقافة والأدب، بالرغم من البعد عن الأهل والهجرة إلى حيث الاستقرار أخيراً في النمسا بعد أن كنتُ تنقلت في عدد من الدول قبل أن حطيت رحالي في فيينا البلد الذي احتضنني وبحب كبير،

وتجاوزت مع كل من هاجر ووصل إلى أرض هذه البلاد الخيّرة كل الحب والوفاء والاهتمام، وقدموا على طبق من ذهب كثيراً من الاحتياجات والخدمات، فضلاً عن الأمن وراحة البال والعمل على مساعدتنا، وتحفيزاً غير مسبوق لم ألقَ له مثيلاً طوال السنوات الماضية التي كنت تنقلت فيها إلى كثير من دول العالم، ومنها وأهمها الولايات المتحدة الأميركية التي جئتها متحدياَ كل الظروف في صيف عام 1999، بعد أن ابتسم لي الحظ بالحصول على تأشيرتها في المرة الأولى، وأعقبها عدد من التأشيرات… وشكلت زياراتي إلى الولايات المتحدة الخمسين صورة ولا أجمل لواقع حياة جديدة، وبرنامج عمل متجدد.. حيث أخذني السفر في هذه الولايات إلى أبعد من ذلك، تلك الزيارات المتعددة إلى أغلبها كان له نقلة نوعية في حياتي، وسبق أن أشرت إلى ذلك في مقالات كثيرة نشرتها في دوريات عربية مختلفة.

الصورة التي أحاول رسمها، وهي ماذا أضافت رحلاتي المتعدّدة إلى ما تعلمته في المدرسة، في العمل الوظيفي، وفي الحياة، وفي الرّقة المدينة السورية التي ولدت وعشت فيها ردحاً من الزمن، وغادرتها في عزّ الشباب طلباً للعمل أولاً والتكسّب، وإن كان بسيطاً، ولم يكن هو الهدف.. فالهدف من كل رحلاتي إلى الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية والعربية، هو البحث عمّا يختلج في ذاتي من أفكار ورؤى جديدة، كنتُ تعلمتها ومارستها، وتعرّفت إلى وجوه وأماكن ومدن جديدة. أناس من شرائح المجتمع المختلفة ومشارب متعددة، أضف إلى كثير ما صادفت من مواقف مرعبة وغريبة، والتعرّف على بلاد جديدة أجهلها تختلف كثيراً عن المدينة التي ولدت وعشتُ فيها، كما أنها تختلف عن طبيعة البلد الذي أحمل جنسيته.

في بلاد الغربة، وفي الولايات المتحدة على وجه التحقيق، مارست نشاطي وشغفي في القراء وانكبابي على الكتابة بصورة يومية دون انقطاع، وهي طبع كنتُ أداوم عليه مع بداية تعلقي بالصحافة وحبّي الشديد لها وأنا في سنّ الثالثة عشرة. طالباً في الصف السابع الإعدادي، حيث كنت مهتماً في قراءة واقتناء الصحف المحلية والمجلات، وأداوم على شرائها، وفي أحيان كثيرة، وفي فصل الشتاء كنت أنتظر وصول حافلة البولمان، الكرنك الحكومي، القادم من دمشق إلى الرقة إلى وقت متأخر من الليل لجهة شراء الصحف المحلية وغيرها التي كنت أتابعها وبحب كبير، مثال: مجلة العربي الكويتية، والدوحة والصقر الرياضية القطريتين اللتين كنت أعشقهما، فضلاً عن صحف محلية وعربية كالحياة، الشرق الأوسط، السفير، الجزيرة. هذا التناغم، وهذا العشق الأبدي لصاحبة الجلالة خلق لدي متابعة يومية وحب غير مسبوق تطور مع الوقت، ولا يمكن أن يفوتني يوماً أي نسخة صادرة عن الصحف اليومية، أضف إلى الصحف الرياضية الأسبوعية، كالموقف الرياضي، الاتحاد، الرياضة، الأسبوع الرياضي، وهاتين الأخيرتين صحيفتان خاصتان، أضف إلى ما تجلبه سيارة المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات من صحف ومجلات.

هذا هو ديدني اليومي، إضافة إلى ممارستي للعبة كرة القدم، والالتزام بدروسي المدرسية، والدعم غير العادي الذي كنت ألاقيه من قبل والدي، وهذا أولاً، وطموحه بأن أكون متفوقاً في دراستي لجهة الالتحاق بكلية الطب مستقبلاً، إلّا أنَّ رغبتي كانت تتمحور حول عاملين أساسيين عشق الصحافة إلى حد النخاع، والسفر إلى دول الخليج للعمل في هذا المجال قبل حصولي على الثانوية العامة. هذا ما كنت أفكر فيه نتيجة الرغبة الجامحة غير العادية التي كانت تدفعني إلى هذه الهواية التي كانت تشغل مساحة كبيرة من تفكيري.. وبعد أن أنهيت الخدمة الإلزامية، والدراسة الجامعية، وانشغالي بالعمل الوظيفي في الدوائر الحكومية فكرت جدياً في الحصول على تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة والالتحاق ببلاد العم سام الحلم، بعد أنهيت تحصيلي الدراسي وقضاء مشوار من العمر في العمل الوظيفي، بدأت البحث عن حياة جديدة بعيداً عن الحياة المترهلة التي كنت أقضيها!.

بعد حصولي على أوّل تأشيرة سفر إلى الولايات المتحدة، في سنّ مبكرة، سافرت إلى عدد من الولايات، واستقريت في آخرها في ولاية لويزيانا، وكنت أحاول في كل يوم كتابة رأي أو مقال أو خاطرة، وما شابه لغاية إرضاء رغبتي، وأمضيت فترة طويلة في هذا الإطار ما أكسبني تلك الرغبة والمرونة في تناول ما أبحث عنه، وبعد قضاء فترة هناك عدت إلى سورية، وبعد مراسلات تمكنت من الحصول على عقد عمل في صحيفة الشرق القطرية في عام 2008، وعملت لفترة في قسم التحقيقات، وتعرفت هناك على كثير من الوجوه والأشخاص الذين تركوا أثراً كبيراً في حياتي، وتعلمت منهم ماذا تعني الصحافة، عشقي الدائم، ومن بين تلك الوجوه التي تشرفت باللقاء بها مؤخراً الزميل المتواضع سعد محمد الرميحي رئيس تحرير مجلة الصقر القطرية الذي استقبلني في ديوانه بكل حفاوة وتقديري، كما التقيت بالزميلين الصحفيين المخضرمين من محرري مجلة الصقر، ومن أبز القائمين عليها في حينها: مجدي زهران، وفايز عبد الهادي، ونخبة من رؤساء تحرير الصحف القطرية، الأستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير صحيفة الشرق، وعبد الله المهندي رئيس تحرير صحيفة الراية، وعبد الله طالب المري رئيس تحرير صحيفة العرب، وقبل ذلك كنت تحدثت في اتصال هاتفي مع الناقد المصري والكاتب المبدع، طيّب الله ثراه، رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة الدوحة في عصرها الذهبي، وكنت أرسلت له مادتين، ونشرتا في المجلة، واحدة بعنوان: "الرَّقة مدينة الرشيد التي تغنّى بها الشعراء"، والثانية بعنوان: "رُصافة هشام كنز أثري تحت الرمال".

وكي لا نبتعد كثيراً، فقد نشر لي في السنوات الخمس الماضية عدداً كبيراً من المقالات في صحف خليجية وعربية تصدر في لندن، إضافة إلى مشاركات غنية في صحف ومواقع إلكترونية ومجلات أخرى كالعربي الكويتية التي نشرت فيها استطلاعاً مصوراً عن النمسا بعنوان: "فيينا الدانوب الأزرق وأحلام المفكرين".

ويمكن بإيجاز أن أقف عند تجربة الغربة ودورها في حياتي الغنية، والتي لا يمكن أن نخفي تأثيرها في كتاباتي الكثيرة والمتنوعة التي تعلقت بها، وجسّدت كثيراً من معاناتي ومشاهداتي ورؤيتي في كثير من المقالات، والتحقيقات الصحفية، والريبورتاجات والاستطلاعات عن مدن، والوقوف على كثير من الوجوه الثقافية والأدبية والاجتماعية والرياضية التي سبق لها أن رأت النور في كثير من المجلات والصحف الورقية والإلكترونية. هذا الهاجس لا يمكن أن نغفله أو نتركه على الرفّ. الغربة في الواقع أضافت إلى شخصيتي كصحفي أولاً الكثير من الأماني، والإدراك الحسي واللباقة، فضلاً عن الصدق في ما يطرحه ويرسمه ويتبناه، والآفاق التي يصورها بحبّ وشوق كبير.

بقي أن أقول إن الحياة فيها كثير من الغثّ، كما فيها الكثير من السمين.. بمعنى أنّه لا يمكن للهواية والطموح أن يقف عند حد معين في حال توافرت الموهبة والرغبة والإخلاص للعمل. الرغبة بعيداً عن المادة والتفكير فيها قبل النجاح، والتي لا يمكن أن يتحقق في ظلها الطموح، وفي حال رغب الإنسان في البحث عن النجاح والمجد والتميّز فعليه دفع الغالي والنفيس في سبيل تجسيد الحلم في حال أراد الوصول إلى الهدف مهما كان مستحيلاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: إنهم يصفقون !!

 علي حسين كان الشاعر الزهاوي معروف بحبه للفكاهة والظرافة، وقد اعتاد أن يأخذ من زوجته صباح كل يوم نقوداً قبل أن يذهب إلى المقهى، ويحرص على أن تكون النقود "خردة" تضعها له الزوجة...
علي حسين

باليت المدى: على أريكة المتحف

 ستار كاووش ساعات النهار تمضي وسط قاعات متحف قصر الفنون في مدينة ليل، وأنا أتنقل بين اللوحات الملونة كمن يتنقل بين حدائق مليئة بالزهور، حتى وصلتُ الى صالة زاخرة بأعمال فناني القرن التاسع...
ستار كاووش

ماذا وراء التعجيل بإعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!!

د. كاظم المقدادي (3)ميزانية بائسةبعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة...
د. كاظم المقدادي

السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء

غالب حسن الشابندر منذ أن بدأت لعبة الديمقراطية في العراق بعد التغيير الحاصل سنة 2003 على يد قوات التحالف الدولي حيث أطيح بديكتاتورية صدام حسين ومكتب سماحة المرجع يؤكد مراراُ وتكراراً إن المرجع مع...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram