ثائر صالح

نستذكر في هذه الأيام القاتمة قصة الصداقة بين المايسترو دانيل بارنبويم (1942 -) والأكاديمي إدوارد سعيد (1935 - 2003) كنقطة مضيئة في هذه العتمة التي أخذت تلف الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من عقدين من الزمان.

الرجلان غنيان عن التعريف، فالأول يعد بين أهم الفنانين في حقل الموسيقى وأكثرهم تقديراً اليوم، والثاني لدوره الطليعي في "تفكيك" الاستشراق ومكانته العلمية في ميدان الألسنيات كونه أستاذاً في أشهر الجامعات الأمريكية: كولومبيا، ستانفورد، يال.

أسس بارنبويم وسعيد سنة 1999 فرقة الديوان الغربي - الشرقي (مقرها إشبيلية) وهي تضم عازفين من الدول العربية وإيران وإسبانيا وفلسطين واسرائيل، مع مارتا آرغريتش العازفة الأرجنتينية الشهيرة بعضوية فخرية (2015). ثم أسس سعيد مركز بارنبويم - سعيد للموسيقى في رام الله سنة 2003 وهو أشبه بمدرسة الموسيقى والباليه في بغداد، مدة الدراسة ثمان سنوات تؤهل الطلبة فيه للدخول إلى المعاهد الموسيقية العليا. أما المؤسسة التي تحمل اسميهما فقد تأسست في إشبيلية سنة 2004، هدفها تشجيع التفاهم الثقافي ودعم التربية الموسيقية، ثم أسس بارنبويم أكاديمية بارنبويم - سعيد في برلين سنة 2016 وهي أكاديمية عليا للموسيقى تحتل اليوم مبنى في وسط برلين يقع بالقرب من دار أوبرا الدولة، فيها كادر تدريسي رفيع المستوى، ونجد بين أساتذة الأكاديمية الزائرين فنانين كبار مثل سير أندراش شِف وإيمانويل باوود. في الأكاديمية قاعة موسيقية حديثة باسم الموسيقي الكندي الراحل بيير بوليز، فيها تقدم فرقة الديوان الغربي الشرقي بعض حفلاتها.

عُرف بارنبويم بمواقفه الإنسانية الجريئة على العموم، وبالخصوص فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو يحمل علاوة على الجنسية الاسرائيلية الجنسية الفلسطينية كذلك تقديراً من السلطة الفلسطينية لمواقفه تلك ولنشاطه من أجل سلام عادل على أساس الاحترام المتبادل. وكثيراً ما أغضبت تلك المواقف المتطرفين في اسرائيل، فقد صدرت دعوات لتجريده من الجنسية الإسرائيلية.

يدين بارنبويم في تصريح مبكر فور الأحداث في 7 تشرين أول، وقبل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية هجوم حماس على المدنيين وفي نفس الوقت يعتبر "الحصار الإسرائيلي على غزة سياسة عقاب جماعي والتي هي خرق لحقوق الإنسان. آمنّا، أدوارد سعيد وأنا، بأن الطريق الوحيد للسلام بين إسرائيل وفلسطين يأتي عبر الإستناد إلى المبادئ الإنسانية والعدالة والمساواة وإنهاء الإحتلال وليس الأعمال العسكرية، واليوم أجد هذا الاعتقاد متجذراً في نفسي أكثر من أي وقت مضى. أقف متضامناً مع الضحايا وعوائلهم في هذه الأيام الصعبة".

شغل بارنبويم مناصب عدة، آخرها المدير الفني لأوبرا الدولة في برلين العريقة منذ 1992 لغاية بداية هذا العام حيث أخذ يقلص من نشاطاته بسبب تقدمه في العمر، لكنه يستمر في قيادة فرقتي الدولة في برلين (Staatskapelle Berlin) والديوان شخصياً، فقد قدم مع الأخيرة ست حفلات في آب الماضي، منها عروض في مهرجان لوسيرن السويسري ومهرجان زالتسبورغ النمساوي.