خالد سليمان
قبل أسبوع واحد من بدء أعمال الدورة الثامنة والعشرون لمؤتمر الأطراف المعروف بـ (COP28) في دبي، تؤكد دراسة جديدة بأن نخبة متغطرسة وفاسدة تشكل 1 في المئة من سكان العالم فقط، مسؤولة عما وصلت اليه أحوال كوكب الأرض من التلوث والاحترار والفيضانات والفقر والأوبئة المرتبطة بالتدهور البيئي.
وتوصلت الدراسة الاستقصائية التي أجرتها منظمة أوكسفام ومعهد ستوكهولم للبيئة وصحيفة الغارديان البريطانية، الى ان الشباب والشابات والأجيال القادمة سيواجهون أسوأ العواقب المتمثلة بالفشل في معالجة آثار تغير المناخ.
وقد ساهمت الدول الغنية، هيئات الأمم المتحدة، المؤسسات الفكرية والهيئات الحكومية-الدولية في نشر وتكريس وهيمنة مفهوم العدالة المناخية، ولكن دون وضع هذه التسمية الرنانة في سياقها التاريخي، الاجتماعي والاقتصادي. وهي في الأصل تسمية متجذرة في الظلم المناخي بحق الشعوب الأصلية وجنوب العالم منذ بزوغ العصر الاستعماري الى يومنا هذا. وتأتي دراسة أوكسفام لتكشف عن الجانب المخفي "قسراً" لهذا الظلم التاريخي المرتبط بأزمة المناخ وآثارها المدمرة على 99 في المئة من سكان العالم في حين ان المليارديرات البيض من الذكور يزيدون ثراءً.
ففي عام 2019، بحسب الدراسة الجديدة، كان أصحاب المليارات (1 في المئة) مسؤولين عن 16 في المئة من انبعاثات الكربون العالمية من خلال استثماراتهم وجمعهم للأموال واستحواذهم على قطاع المال والإعلام، ناهيك بعالم السياسة ورسم السياسات، وهي نسبة كافية لإفقار 66 في المئة من سكان العالم، أي خمسة مليار شخص، ووفاة مليار وثلاثمئة إنسان جراء الحرارة والكوارث المرتبطة بآثار أزمة المناخ.
منذ تسعينات القرن الماضي، بلغت انبعاثات هذه النخبة المتغطرسة الفاحشة في الثراء ضعف انبعاثات الكاربون العائدة للنصف الأفقر من البشرية مجتمعة، ومن المتوقع ان تفوق، 22 ضعف الحد الآمن، أي الانبعاثات المسموح بها إذا أراد العالم إبقاء درجة الحرارة تحت 1.5 درجة مئوية عالمية، بحلول عام 2030.
ان الأرقام التي نشرتها دراسة أوكسفام، مذهلة وتكشف عن مدى تأثير نادي الأثرياء، أو التفاحة الفاسدة إذا استخدمنا تعبير نعوم تشومسكي على البشرية جمعاء. كما تخبرنا بأن البشرية تواجه ظلماً مناخياً يفوق ما يتم تداوله في وسائل الإعلام، المملوكة أساساً لأعضاء نادي الأثرياء. ففرد واحد من 99 في المئة من البشر الذين يواجهون الظلم المناخي ويدفعون ضريبته، يحتاج الى 1500 عام حتى يتمكن من توليد نفس الكمية من الكربون الذي يولده أغنى المليارديرات في النادي المذكر خلال عام واحد. انها ذروة ظلم النظام الرأسمالي بحق الطبيعة والبشرية والنظم البيئية.
تالياً، فإن المعاناة الناجمة عن تغير المناخ، تقع بشكل ظالم على عاتق مجتمعات مهمشة، مهاجرين، نساء وفتيات وفقراء يعيشون ويعملون في ظروف لا تتوفر فيها أية شروط بيئية وصحية وإنسانية أو في مساكن معرضة للطقس المتطرف. ومن غير المرجح بحسب الدراسة أن يكون لدى هذه المجموعات موارد أو تأمين أو حماية اجتماعية، مما يجعلها أكثر عرضة اقتصاديا وجسديا لخطر الفيضانات والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات.
حلقة التفاحة الفاسدة
تتنوع بصمة أعضاء نادي الأثرياء على مناخ الأرض بين المال، الإعلام، شبكات التواصل الاجتماعي، الطائرات الخاصة، اليخوت والفلل الفاخرة. ومن شأن كل ذلك ترك آثار مدمرة على البشرية، لكن الأثر الأكبر يأتي من نفوذهم واستحواذهم على القرارات والسياسات المتعلقة بالبيئة عالمياً. المشرعون الأمريكيون على سبيل المثال، فهم بالإضافة الى موقعهم بين الأثرياء (1 في المئة من سكان العالم) بحكم الرواتب العالية التي يتقاضونها، يعدون من صانعي السياسات العامة، بما في ذلك السياسات البيئية. وبحسب الدراسة إن واحداً من كل أربعة أعضاء في الكونجرس الأمريكي يمتلك أسهماً في شركات الوقود الأحفوري، تبلغ قيمتها الإجمالية ما بين 33 مليون دولار و93 مليون دولار. وهذا سبب كاف ان يستمر دعم صناعة الوقود الأحفوري على عكس التعهدات بالتخلص التدريجي من انبعاثات الكربون.
تتمتع النخبة الفاحشة في الثراء عالمياً، بقوة سياسية هائلة ومتنامية من خلال امتلاك مؤسسات إعلامية وشبكات اجتماعية، وتوظيف وكالات الإعلان والعلاقات العامة وجماعات الضغط، والاختلاط اجتماعياً مع كبار السياسيين، الذين غالباً ما يكونون أيضاً أعضاء بارزين في الهيئات التشريعية ولهم تأثير ونفوذ كبيرين في رسم السياسات.
وبحسب كبيرة مستشاري سياسات العدالة المناخية في منظمة أوكسفام، تشيارا ليغوري، ان الأزمات المزدوجة المتمثلة في المناخ واللامساواة تغذي بعضها البعض. وتقول "إن فاحشي الثراء ينهبون الكوكب ويلوثونه إلى حد الدمار، بينما يدفع الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف ذلك، الثمن الأعلى". ويظهر التقرير الذي التي تقدمه أوكسفام مع م عهد ستوكهولم للبيئة وصحيفة الغارديان عن فجوة هائلة بين بلدان الشمال الغنية وبين القارة الأفريقية استناداً الى بيانات شاملة تعود الى عام 2019. كانت البلدان الغنية ذات الدخل المرتفع (معظمها في شمال الكرة الأرضية) مسؤولة عن 40 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية القائمة على الاستهلاك، في حين كانت قارة كبيرة مثل أفريقيا مسؤولة عن 4 في المئة فقط من الانبعاثات.
وترى منظمة أوكسفام بأن فرض ضريبة بنسبة 60 في المئة على دخل الأثرياء ستجمع 6.4 تريليون دولار سنويا ومن شأن ذلك ان تخفض الانبعاثات بمقدار 695 مليون طن، وهي كمية هائلة وتتجاوز بصمة بريطانيا لعام 2019. وبحسب أميتاب بيهار، المدير التنفيذي المؤقت للمنظمة المذكورة، فرض الضرائب على الثروات المتطرفة يغير فرصنا في معالجة اللامساواة وأزمة المناخ، بينما يقود غيابه الى سرقة كوكبنا وتدميره والتراجع عن الديمقراطية.