 ترجمة / حامد أحمد

تناول تقرير للمنظمة الدولية للهجرة IOM في العراق آثار التغير المناخي المدمرة وقلة مناسيب المياه في تدهور الوضع البيئي لمناطق زراعية وبساتين نخيل ومنطقة الاهوار في جنوبي العراق، واصفة إياه بالعدو الصامت حيث أدى زحف الماء المالح الى تدمير اعداد لا تحصى من أشجار النخيل وأشجار الحمضيات داعية الى تعاون إقليمي ودولي لمساعدة العراق في هذه الازمة وذلك قبيل مؤتمر المناخ الدولي كوب 28 الذي سيعقد غدا الخميس في دبي.

وأشارت المنظمة الدولية في تقريرها الذي نشرته تحت عنوان "العدو الصامت: كيف يعيث التغير المناخي خرابا في العراق" الى ان عدوا صامتا كان يشق طريقه خلال السنوات الأخيرة صوب أراضي زراعية وبساتين جنوبي العراق. حيث ان قلة تدفق مناسيب نهري دجلة والفرات اللذان يلتقيان في القرنة قد ادى إلى إخفاق في صد موجات مياه البحر المالحة شمالا تجاه البصرة، وان زحف الماء المالح اتى في طريقه على أعداد لا تحصى من بساتين النخيل واشجار الحمضيات ومحاصيل زراعية أخرى كانت تزدهر بها هذه المناطق على مدى آلاف السنين حيث كانت أشجار النخيل توفر ظلا يحمي المحاصيل الزراعية من حرارة الشمس الحارقة.

عدنان خضير الشنافي، من ناحية البحّار في منطقة الفاو اقصى جنوبي البصرة، كان قد قضّى حياته وهو يعمل في بستان النخيل كما فعل أسلافه على مدى قرون. عدنان ومزارعون كثيرون آخرون على شاكلته وجدوا أنفسهم امام خيارين: البقاء والاستمرار، والذي غالبا ما يؤدي الى خسائر كبيرة للمزارعين، أو المغادرة والرحيل والبحث عن مصدر عيش في مكان آخر.

لقد حاول عدنان سلوك الخيارين. ولكن إذا لم يتم اتخاذ اجراء الان، فان هذا حتما سيكون مصير كثير آخرين خلال السنوات القادمة جراء تقلبات أوضاع التغير المناخي التي تجري على نحو سريع في العراق.

يستذكر عدنان ماضيه بالقول "لقد كانت هذه الأرض جنة من واحة خضراء. من كثرة أشجار النخيل كانت اشعة الشمس لا تصل الى ارض المزرعة. اعتدت ان ازرع اشجار حمضيات تحت هذا الظل وكانت لدينا حوالي 60 نوعا مختلفا من أجود أنواع التمور. ولكن ومع تزايد نسبة ملوحة التربة شاهدت الأشجار وهي تموت وبدأت خصوبة الأرض بالتراجع تدريجيا".

ويمضي عدنان في حديثه قائلا "استمريت بالمحاولة وداومت على الزراعة في كل سنة، ولكن جميع محاولاتي فشلت وخسرت ما يقارب من 45 مليون دينار عراقي. كل ما بقي هو جذوع نخيل ميتة واعشاب برية".

قصة الخسارة المحزنة هذه هي ليست بقصة فريدة. اعداد كثيرة من مزارعين أمثال عدنان واجهوا نفس المصير مع خيارات محدودة أمامهم.

والى الشمال من البصرة حيث محافظة ذي قار، فان الاهوار أيضا تتعرض للجفاف بسبب تدني مناسيب مياه دجلة والفرات الناجم عن تناقص هطول الأمطار فضلا عن بناء سدود على منابع الأنهر في تركيا وقيام ايران بتحويل مجاري الأنهر والروافد التي تصب في العراق، اضف الى ذلك سوء إدارة الموارد المائية محليا. هذه الاهوار كانت مشهورة بتنوعها البيئي وعيش مجتمعات ريفية في كنفها على مدى قرون بالاعتماد على صيد الأسماك وتربية المواشي.

الناشط البيئي، وسام كاظم الاسدي، الذي ولد في اهوار الجبايش وترعرع فيها والذي يعمل الآن في منظمة جو العراق الأخضر غير الحكومية المعنية بحماية الاهوار والحفاظ عليها، يقول "شح المياه والملوحة تسبب بتدهور النظام البيئي والتنوع البيولوجي للمنطقة من نبات وحيوان".

وأضاف الاسدي قائلا "السنوات الأخيرة شهدت تناقصا سريعا بأعداد الأسماك وقطعان الجاموس، ما أدى لفقدان كثير من الناس مصادر عيشهم. على مدى العشر سنوات القادمة ستشهد منطقة الاهوار تغيرا على نحو دائم. نحن حاليا نشهد هذا التغير امام اعيننا، الاهوار في طريقها التدريجي نحو الاندثار".

ولكن تبعات التغير المناخي تذهب الى أبعد من ذلك. فان حالات هجرة أبناء الريف الى المدن نتيجة التدهور البيئي والخسائر الطبيعية بدأت تتصاعد لمعدلات مقلقة حيث تسعى عوائل للبحث عن فرص عمل في مناطق مدنية، او ان يضطروا لإرسال أولادهم للعمل في المدن من اجل سد النقص الحاصل في الدخل اليومي.

جيورجي جيغوري ، رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في العراق، يقول "التغير المناخي في العراق هو ليس مجرد مشكلة بيئية. فمن المحتمل ان تصبح بمثابة ازمة إنسانية. هذه الازمة تساهم في عملية الترحيل القسري. علينا ان نتحرك الان لتلافي وتحجيم ومواجهة تأثيرات التغير المناخي. تبعات التكاسل وعدم اتخاذ إجراءات ستكون مروعة لعدد كبير من الناس".

وسجلت منظمة الهجرة الدولية في العراق خلال الفترة ما بين 2016 وأيلول 2023 نزوح اكثر من 130 ألف شخص بسبب الآثار الشديدة لتبعات التغير المناخي في مناطقهم. عشرة مواقع جديدة تم تقييمها في محافظة ذي قار بتقرير نشرته المنظمة في تشرين الثاني 2023 على انها معرضة لتقلبات التغير المناخي، قد تم هجرها على نحو كامل الان وتتمركز في سوق الشيوخ والناصرية.

وتذكر المنظمة في تقريرها بان حجم تأثير الازمة هو اكبر من طاقة أية منظمة تواجهه لوحدها. وبينما تنفذ الحكومة العراقية ستراتيجيتها المتعلقة بالمناخ، فان هناك ضرورة ملحة لوجود تعاون ما بين المجتمع الدولي وشركاء حكوميين ومنظمات مجتمع مدني وقطاع خاص والمكونات الاجتماعية المختلفة للبلد.

وجود استثمارات في بنى تحتية ذكية متعلقة بالمناخ، من منظومات إدارة كفوءة للأرض وموارد المياه، وفرص معيشة دائمية ومتنوعة، وكذلك منظومات انذار مبكر واستعدادات مبكرة لكوارث تعد أمورا حيوية للتقليل من آثارها الضارة وتعزيز المرونة على المستويين المحلي والوطني.

وبينما قد تبدو الحقيقة قاتمة بالنسبة للعراق، فإنها لا تعتبر قصة خسارة. الإصرار على مواجهة الأزمة لم ينته بعد، وإن الأوان لم ينقض بعد للتخفيف من أثر التغير المناخي في العراق بشكل جماعي. انها صرخة تحشيد قبيل انعقاد قمة المناخ الدولية كوب 28 لبذل جهود أوسع واكثر متانة على المستويين الإقليمي والدولي. هذا لان هذه الازمة هي ليست ازمة محلية فقط، بل هي ازمة دولية، وتتطلب تحركا عاجلا.

• عن منظمة IOM