اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > محمد عارف لوحة ملونة ما بعد العشاء الاخير

محمد عارف لوحة ملونة ما بعد العشاء الاخير

نشر في: 29 نوفمبر, 2023: 11:24 م

كفاح كامل عارف

طالما حدثني أخي عن صعوبة البدايات، وأصعبها كان يقول في الكتابة هي الجملة الأولى؛ وحالما تجدينها فان المقالة تكتب نفسها بنفسها "وتكر مثل السبحة". احاول جاهدة أن اتبع نصيحته وأفكر بالجملة الأولى او "المفتاح" الذي سيقودني إلى تلخيص ما أود قوله عنه. لكنني في كل مرة أحاول فيها، أواجه الفشل.

سأمسك الخيط من سطر له في آخر مقالة اسبوعية كتبها لصحيفة الاتحاد الإماراتية والمنشورة بتاريخ ٢ يوليو /تموز 2021 والتي شاء القدر ان تحمل عنوان "العشاء الاخير" (عن فشل قمة الدول السبع في كونوويل انجلترا حول الوباء والتغيير المناخي).

لا أعلم لماذا كان أخي يقول متنبأ "شيخوختي ستأتي مثل التسونامي"!. وهكذا ضرب التسونامي أول موجاته حينما فقد بصره إثر جلطتين متتاليتين تبعتهما موجات أخرى، من بينها مرض الباركينسونيزم - وهو يشبه مرض الباركنسون باعراض إضافية منها تصلب العضلات والمفاصل معيقة الحركة والتوازن إلى حد كبير وتدريجيا.

وعلى الرغم من هذا كله، ظل محتفظا بتفائله المتدفق وارادته القوية وظل عقله اللافت للنظر يقظا ولم يهمله بل استمر في ترتيب حياته بين ذكريات كتاباته وقلمه الثاقب، واستمر "يفكر" بمقالات يوميا في ذهنه وكأنه يكتبها ويتخطى حاجز الجملة الأولى ويطلب مني مشيرا باصبعه إلى كتاب معين يعرف مكانه بالضبط على إحد رفوف مكتبته الشاسعة لأبحث له عن معلومة ما أو اقتباس ما يثري فيه المقالة التي يفكر بها. كان مولعا ومشهورا بالاقتباسات في مقالاته ولديه ركن كبير في مكتبته لكتب الاقتباسات quotations بالإنجليزية والعربية والروسية.

وكعادته حاول تسخير ما كان يكتشفه في الحياة، وبضمنه معلومات عن أمراضه إلى مادة للكتابة يبدأها بجملة "مفتاح" وينهيها بنكتة وما بينهما من كلمات وأفكار متفائلة وملهمة.

وهذا مافعله حينما طلبت منه أن يملي عليّ مقدمة لكتابه "أسفار في العلوم والتكنولوجيا " الذي يحتوي جزءا بسيطا من أعماله.

وبين ليلة وضحاها فقد نظره وقمت على مدى أكثر من عام بالبحث عن ماكتبه خلال أربعة عقود في ملفات متناثرة ورقية وملفات كومبيوتر وقصاصات ورقية في حقائب سفر ورفوف مكتبته.

فقد طلبت دار المدى مقدمة خاصة للكتاب عوضا عن المقدمة العامة التي وجدتها في ملفاته والتي كتبها أخي قبل سنين. جلست أمامه وقلت له: حسنا أملِ عليّ الآن المقدمة. سكت لدقائق وهو مغمض العينين حسبته قد غفا سألته هل أنت نائم أم تفكر؟ قال: أفكر. وبعدها أعطاني "المفتاح" الجملة الأولى للمقدمة:

"ماذا كان الرحالة السندباد البحري سيعمل عندما يجابه جداراً لا يمكن عبوره؟" لعله كان يغني، وهل غير الغناء معبر من جدار العمى والشلل اللذين أصاباني؟.

وكرت السبحة:

هكذا جاءت فكرة الكتاب أغنية استعدت بها رحلاتي في أرجاء الأرض وما كتبته خلال أكثر من 40 عاماً في كتاب أو سلسلة كتب..".

وخلال السنتين والنصف التي توقف فيها عن الكتابة لم يتوقف عن متابعة الأخبار والتطورات السياسية والعلمية عبر الاستماع للراديو أو أصوات القنوات العربية والانجليزية او الروسية التي جهزنا بها تلفونه النقال أو الأجهزة الرقمية حوله وغالبا ما كان يقول هذا الموضوع أو ذاك: الذكاء الاصطناعي، أوكرانيا، بوتين، تايوان، فلسطين. . كتبت عنه باسهاب في مقالاتي ويضيف: افتحي اللابتوب وستجديه.

الكثير من مقالاته لم يعف عليها الزمن رغم كتابته لها قبل سنين. رؤيته المستقبلية كانت إحدى سماته الطبيعية او بالأحرى موهبته؛ كأنه ولد معها.

حينما فقد نظره اصابته متلازمة بصرية تعرف باسم "تشارلس بونيه " لا يعرف عنها الكثيرون وحتى منظمة الصحة العالمية اعترفت بوجودها عام 2019.

وكعادته سخر من المرض وحوله إلى مادة للكتابة وأملى عليّ مقالته الأخيرة التي لم تنشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د.محمد عزيز شاكر زازا

    عليك الرحمة ولروحك السكينة ابو عباس. كنت من الرجال النادرين ياطيب القلب.

يحدث الآن

القبض على عشرات المتسولين والمخالفين لشروط الإقامة في بغداد

لهذا السبب.. بايدن غاضب من صديقه اوباما 

في أي مركز سيلعب مبابي في ريال مدريد؟ أنشيلوتي يجيب

وزارة التربية: غداً إعلان نتائج السادس الإعدادي

التعليم تعلن فتح استمارة نقل الطلبة الوافدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram