طالب عبد العزيز
لا نعرف ما إذا كانت لدينا قوانين تجرّم من يعمل على تسفيه القانون، وإضعاف الدولة! لكننا نعرف بأنَّ المواطن البسيط هو الذي تقع عليه تبعات ذلك. فالموظف البسيط الذي يتعرض للإهانة في دائرته من جهة نافذة أو من اشخاص نافذين لن يجد نصيراً له في القضاء، ومستخدم الشارع سيكون عرضة للتجاوز من قبل مَنْ يمتلك القوة والنفوذ والمال، أما الاقوياء، الذين عملوا على إضعاف الدولة فهم المنتفعون من ذلك، وسيكون بامكانهم الوصول الى المرافق الحساسة فيها وتسيير كلَّ شيء لصالحهم.
هناك قانون يمنع تظليل زجاج المركبات مثلاً، وهو قديم، يُحاسَب بموجبه صاحبُ المركبة عليه، لكنَّ مئات السيارات السوداء التي لا يرى سائقوها وقد لا تحمل أرقاماً، تمرُّ امام انظار شرطة المرور، وتجتاز نقاط التفتيش، ولا أحد يوقفها! بل ولا أحد يعرف ما فيها من شخوص واسلحة ووثائق، أما البائع المتجول وعامل المطعم وطالب المدرسة وسواهم من أصحاب الدراجة النارية(المطعطعة) فتسارع شرطة المرور والداخلية العمليات المشتركة لإيقافهم ومن ثم حجز دراجاتهم، ويتوسلون الشفيع والوضيع ويدفعون المال غرامات ورشى وإتاوات لكي يفرجوا عنها، وسيظلون خائفين مرعوبين كلما صادفهم شرطيٌ، فلا القانون ينصفهم ولا أحد يرحمهم وهكذا سيكونوا الضحية الأكبر في عملية تسفيه القانون وإضعاف الدولة.
المواطن البسيط يشتري، ومن ماله المستحصل بالهلاك اسوأ البضائع، فيتعرض لنصب وإحتيال واضحين، وربما تعرض للضرر في جسده، وخسر من ماله الكثير جراء شرائه ذاك، لأنَّ تاجراً نافذاً أستضعف القانون، وهزلت بين يديه هيبة الدولة، فضرب عرض الحائط قضية مثل المتانة والسلامة والجودة في ما استورده وباعه، دونما من وازع أخلاقي وجرمي، ووحده المسكين المواطن سيتحمل تبعات ذلك، فقانون استيراد المواد معطلٌ، والدولة غائبة مستضعفة، وها هي سوقنا تعج وتضج بأردأ أنواع السلع، والحوادث المرعبة والمميتة جمةٌ، ومكبات نفاياتنا تشهد على ذلك، فيما تتضاعف أموال هؤلاء، وتتردى هيبة الدولة بتحول قوانينها الى خرقٍ ومزقٍ بيد حثالة من الأفاقين والكذابين والمجرمين.
ولعل أسوأ ما يتعرض له المواطن في هذه وتلك هو قيامه ببناء بيت على قطعة أرض اشتراها متيقنا من صحة شرائه، فالبائع صاحب مكتب للعقارات معروف، ومعلوم في المدينة، ووكيله المحامي الشهير شخص قانوني، وإجازة فتح المكتب معلقة وبأختام الحكومة، لكنه سيكتشف بأنَّ البائعَ مزوّرٌ، وصاحب مكتب العقارات شريك معه، وهما محتالان على جملة القوانين، وبالتعاون مع عدد من الموظفين في المحاكم ودوائر التسجيل العقاري فقد استحصل الوكيل على عشرات الوثائق والمستمسكات من خارج وداخل البلاد، ومهَّد لنفسه السبل والمنافذ، ومَهَرَ وبالاختام المختلفة والملونة اليسيرة والمستعصية منها، وعززها بالتصديقات الداخلية والخارجية وكلها مزورة، استجمعها بنفوذه في الدولة، مستغلاً ضعف القانون ورجاله، غير معنيٍّ بالمساكين الذين اشتروا وبنوا ومن مالهم الحلال، المتعوب عليه، والمكدود فيه والمجموع من عرق وسهر وشقاء.
العشرات من هؤلاء هم مجرمون بحسب القانون، لكنهم محميون منه، وبقدراتهم المالية والحزبية، وهم حسبوا أدق الحسابات للتملص ساعة الملاحقة والمساءلة القانونية، ولدى كل واحد منهم أكثر من جنسية وجواز سفر، وبامكانهم مغادرة البلاد متى شاؤوا، وهناك من يؤمن الطريق لهم، لأنَّ المال حاكم في كل مكان وزمان، وهناك من يمنحهم المظلات وطاقيات الاخفاء في نقاط الحدود والمطارات، التي سيقف على مدارجها من ينتظرهم، لأنًّ حقائبهم ملأى، وأرصدتهم تسبقهم الى البنوك وحيث توجهوا وحيث اقاموا. أما المواطن البسيط والمسكين الفقير الذي كدَّ ولهط ليل نهار لكي يشبع بطنه وبطن عياله فعليه ستقع تبعات امتهان القانون، وسوء عاقبة ضعف الدولة، ولن يملك إلا قولة اليائس المستجير: أويلي على الله.