TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > المشهد التنموي وجغرافية المكان

المشهد التنموي وجغرافية المكان

نشر في: 5 ديسمبر, 2023: 11:35 م

ثامر الهيمص

لها تاريخ متميز جدا وفرادة معروفة، ليس بتجانسها لغويا او دينيا ولا باختلافها بتضاريسها، انها جغرافية فريدة طالما كانت مركزا متميزا مبدعا لحضارات سادت، من سومر حتى نهاية الخلافة العباسية. والان وبعد الدولة الحديثة.

بات الامر مختلفا تاريخيا وسياسيا، حيث فقدنا مركزيتنا اقليميا، حيث لم نستثمر في المكان الذي حددته سايكس بيكو. والان وكما يعتقد البعض انه هناك مراجعة تفرض نفسها’ نظرا للتغيرات التي بدأت بعد نهاية الحرب الباردة, فها هو التنين الصيني يعبد طريقه للعالم والدب الروسي حليفه الستراتيجي مستثمرا تراثه وجغرافيته بكل طاقته كما يمارسها او يجربها في اوكرانيا.

كل هذا لينالنا نصيب واضح في بعد 11ايلول وفي 2003 والان في غزه, بعد حرب عبثية وحصار جائر, فتبلورت الوطنية العراقية بشكل مختلف كما هي بدون هويات فرعية (لا زالت تتحكم بالمشهد التنموي).

فعندما تكون الحكومة شغلها الشاغل هو مكافحة الفساد والمخدرات والتهريب ومن اولوياتها الحاكمة التي حولت وسائلها لمكافحة الارهاب والمخدرات والسلاح المنفلت الى غايات ومؤسسات حاكمة، والكادر غالبا حديث عهد او مستعينا بخبرة محلية لا يجمعها جامع في المركز او الاقليم او حتى المحافظات في الادارة او الاقتصاد, ما دامت برامج الاحزاب مختلفة الرؤى اقتصاديا وهكذا سياسيا. كما الاستعانة بالحليف باتت هيمنة تحدد ساعة الصفر بقضايا الامن والاستقرار كما يحصل الان مع قواعده(الاستشارية) المنتشرة, رغم تخمة جهازنا بروؤسه الثلاث بالمستشارين.

فالمعيار المؤسس لضبط الايقاع الاقتصادي والمالي والنقدي هو الحسابات الختاميه. (فقد قضت المحكمة الاتحادية بقرارها, في الدعوى 190/اتحادية /2023, استنادا لتنفيذ نص المادة(62/اولا)من الدستور العراقي. والتي نصت على ان يقدم مجلس الوزراء قانون الموازنة العامة والحساب الختامي الى مجلس النواب لاقراره, عملا باحكام المادة (34) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة 2019. (جريدة المدى ليوم (13/ تشرين الثاني /2023). بهذه المناسبة وبنفس يوم قرار المحكمة الاتحادية (التقاعد تحيل 22الف مستفيد الى (مكافحة الفساد). اذ بلغت (800 مليار دينار). اي اقل من مليارات امانات دائرة الضرائب بكثير’ نأمل ان لا تكون عقوبة المستفيدين متجانسة مع عقوبة مليارديرية سرقة القرن!.

وبما انه ماخفي اعظم مع ما تقدم’ مثل الحملة الحالية على الاسترداد للاموال المنهوبة وناهبيها, ونتائج ما قضت بها المحكمة الاتحادية من عائدات او تلاعبات, تساهم مباشرة في دعم طريق التنمية الذي هو محسوب على قطاع النقل او الخدمات اي القطاع الثالث’ كما انه سيكون قائدا وقاطرا لطريق التنمية, فالاموال المنهوبة تقدر بمئات المليارات من الدولارات, فهي ستقلب المعادلة بسلام وبالقانون.

ولكن الموقف سيختلف سياسيا مع الحليف الذي جاء محررا لا فاتحا كما يزعم, فمن خلال قواعده (الاستشارية) يستطيع تعطيل ستراتيجية التنمية على الاقل من خلال عقيدته الستراتيجية المتقاطعة مع طريق الحرير, او بعد تراجع الطريق التجاري وصولا الى ايلات الاسرائيلي, سيما اننا اعتبرنا ضربته الاخيرة داخل بلدنا اعتداء على سيادتنا, لانه دخل بشماعة داعش اولا واخيرا’ كما تجسد الان العكس اذ تغيرت المهمة لنصرة بنيامين نتنياهو.

اذن بكل الاحوال ليس لنا نصيب طيب كما تمنى البعض من جيران وخلان الداخل, كون واقعة غزة سحقت القانون الدولي واممه المتحدة بالبسطال الامريكي و الكلاش الغربي والعكازة الاسرائيلية التي يتعكز عليها الغرب كبارجة لشرق المتوسط وما يحتويه من غاز وغيره, وهذه ضريبة المكان الفلسطيني الباهضة التي ندفعها دما ودموع كتركة لاجيال كما ترك الغزاوين بعد نصف قرن من اخر حرب معهم.

اذن مكاننا ايضا له ثمن ايضا يمتد من قناة الحرة عراق الى السفارة والملحقية الفريدتين دورا وهيكلا مرورا ب2500(مستشار).

واننا نراهن تنمويا من خلال مكاننا الفريد تاريخيا’ على كنوز تحت الارض لا زالت تسيل لعاب الاقليم والعالم من كبريت وفوسفات وغاز ومعادن اخرى تخرج من دائرة التلوث البيئي, ولدينا الكنز الثاني الذي ربما يكون اقرب من الاول, اذا ما مضينا جاهزين وطنيا واخلاصا من خلال عبور الفجوات الفرعية التي تأكل في جرف المواطنة الوطنية. اذن الوسطية بين التطرفات المحلية تصبح رائدة وحاملة لراية الوطنية اولا. متسامية فوق مخالب كانت لها ظروفها وعواملها المساعدة خارجية او داخلية واما تاريخية, ولا تردم هذه الفجوات بالوعود كما لمسنا ونلمس على الاقل في المواسم الانتخابية عادة. فالوسطية بطبقتها المشتركة داخل كل المكونات ومن خلال برنامج وطني, تضع حدا حاسما لكل تطلعات غير عراقية خافية او معلنه قومية او مذهبية, (ان الوسطية نوعا ما قلما كانت وسطية بحتة, ولكن تستطيع ان تصبح كالجميع عندما تستوفي متطلبات محدد’, فالمجتمعات في محيطها المتغير تصمد بصورة اكبر كلما تمكنت الوسطية من القيام بمهامها المنوطة بها بصورة اكبر, ولكن هذا يعني ان اخفاق او خسارة الوسطية الاجتماعية السياسية يترتب عليها عواقب وخيمة, اكثر ما يترتب على سقوط اي من الطبقات والفئات الاخرى) (هيرفريد مونكلير /ترجمة سارة كمال / الوسطية في اوروبا /ص71/2017). فما المفترض ان يجمع الطبقة السياسية الاجتماعية التي تشكل القاسم الوطني لانجاز التنمية الوطنية الشاملة اقتصاديا؟ نستطيع القول بالاضافة لمشاكل الحدود كثغرات ومشكلة الاقليم والمركز التي يحددها قانون النفط والغاز, يمكن ايضا الرهان على المصادر ادناه: الاموال المستردة داخليا وخارجيا, انهاء العمل بالامتيازات بالعودة لايقاعات الادارات السابقة او ما يمنحه من امتيازات لدى دول الجوار كتقاليد عمل اداري مالي راسخ شرعي او حتى وفق الدستور الذي الذي لا يتضمن امتيازات, ايرادات او غرامات او مصادرات التجارة غير الشرعية, تصفية عقارات الدولة, حجز اموال المستفيد غير القانوني من خلال مبدأ من اين لك هذا’ معالجة موضوع الاحتياط النقدي في الفدرالي الامريكي البالغ الان اكثر من مئة مليار دولار بالخروخ من القيمومية الدولية /الامريكية ومألاتها السياسية والمالية, هذه الكنوز هي الجامع المفترض للوسطية السياسية والاجتماعية, كون التجربة السابقة كانت مجرد زيت لادامة محركات الازمة سواء بالتعاون مع الحليف مع او غيره.

ليس من السهل تنفيذ ماورد اعلاه بغياب ارادة وطنية حقيقية ومشروع اقتصادي تنموي غير تقليدي يتناغم مع المستجدات الجيو سياسية في المنطقة والعالم بدون تطرفات محلية او اقليمية, ولكي نضمن انسجامه مع المشروع التنموي في الرابط السككي والبري مع تركيا وايران, ينبغي في هذه الحالة ودعما لامننا الاقليمي ويتوجب ان تكون قواسمنا المشتركه مع الاقليم في الاطار العراقي ببرنامج محدد وثابت من خلال الدستور بعد تشريع قوانين لمواده وفقراته ليلبس الثوب الملائم وليس ثوب ترقعه الاجتهادات والتفاسير, ولا تسعفه مبادئ وخطوط محددة. كمرجعيات علوية خير من التوافقات الطارئة التي تتقاطع غالبا مع الدستور.

اجتماعيا رائد هذه التحولات والمشاريع عادة هو الطبقة المتوسطة’ التي تمثل القاسم المشترك بين الطبقة العليا والفقراء’ انها الوسيط الوحيد, اذ فشلت اغلب المشاريع البديلة وجرت شعوبها لمهالك كما يؤشر تاريخنا وصولا للقرن الحالي. (تعمل هذه الطبقة كمرشح يقوم بامتصاص وتخفيف الصدمات بين فعاليات المجتمع وادارة تقاطعاتها وتضارب مصالحها ورؤاها بوسائل سلمية وتدرجية اكثر عقلانية واخف وطأة كي لا تطيح مثل هذه التقاطعات, بسبب عدم وجود وسيط, بالسلم الاهلي والمدني ووحدة وتماسك المجتمع من جهة, وادارة تقاطع المجتمع ككل مع السلطة بنفس الوقت من جهة اخرى. د.مهندس خالد المعيني /الطبقة القائدة /ص237/2017). فالعراق تاريخيا له منفذ بحري مطل على مضايق و بحار ومحيط’ كما انه يتوسط العرب والاسلام وبعلاقات ثقافية واقتصادية مختلفة عن باقي الدول العربية من حيث القرب والبعد عن الجارتين الكبيرتين’ اضافة لعلاقة المياه التي باتت مشتركا ومأزقا. فالمحيط العربي ليس البعد الاقليمي الاوحد او الحاضنة الفريدة, لذلك لابد من سياسات تتناغم حسب البعد والتأثير اقليميا وداخليا. لذلك تكون المشاريع المشتركة في ضوء هذا التداخل, عاملا اساسيا للامن والاقتصاد والتنمية المشتركة فهم اي تركية وايران هم الاكبر تجاريا والاهم في المياه والاكبر في الحدود’ اضافة لطرق التجارة’ سيما بعد مشروع الفاو الكبير و طريق التنمية. فالمشاريع المشتركة هي في الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والسياحة. عمليا تبادلنا التجاري شغال في كل الظروف معهم. فمثلا ما هو المانع لاحياء قرية ربيعة في الموصل كنموذج للزراعة والثروة الحيوانية بالتشارك مع الشركات التركية, وهكذا مع ايران وايضا مع السعودية وسوريا وصولا للاردن بما لديها من خبرات وتجربة صناعية في الادوية مثلا ومع الكويت التي لها عمق تاريخي معنا رغم نكسة العلاقات في عام 1990المؤسف.

ويتم ذلك من خلال المدن الصناعية الحدودية او مدن ومشاريع للزراعة الحديثة والسياحه ببعديها الديني والثقافي والاصطياف من خلال شركات سياحة مشتركة مع دول الجوار لتمتد كتجربة عربيا واسلاميا كمحيط اقليمي او سوق مشتركة متكاملة امنيا واقتصاديا’ كل هذا قد يلتقي مع توجهات البريكس بعد دخول ايران والسعودية ومصر, لنخرج بكل احترام من نفق العولمة اللبرالية المزيفة كما كشرت عن انيابها في غزة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مخاوف تسلل "داعش" من سوريا تتزامن مع حوادث "مريبة" في كركوك

المجلس العراقي للسلم والتضامن يعقد مؤتمره الخامس وينتخب قيادته

الرئيس مسعود بارزاني يحيي المؤتمر

كلمة فخري كريم في المؤتمر الخامس للمجلس العراقي للسلم والتضامن

الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

 علي حسين في قراءة الكلمات التي كتبها الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الامارات، وهو يهنئ الفنان العراقي ضياء العزاوي لفوزه بجائزة " نوابغ العرب " ، نعيد اكتشاف تلك المقولة التي كتبها...
علي حسين

قناديل: هدايا (الرفاعي)

 لطفية الدليمي كلُّ كتابٍ ينشره الدكتور عبد الجبار الرفاعي هو هدية حقيقية لقرّائه. أسبابُ هذا كثيرة لعلّ أوّلها هو حفره في أرض صلبة كأنّها الصخر. هو يعرف قبل سواه أنّ هذه التربة الصخرية...
لطفية الدليمي

قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

طالب عبد العزيز في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم،...
طالب عبد العزيز

الإبداع وروح الأسرة

ياسين طه حافظ هو هذا ما نحتاج له، احياناً من دون ان ندري واحياناً، وهي ساعات الوعي، ندري ونسعى لان نمتلك ونمارس. ما اتحدث عنه، هو الحميمية التوافقية، او "الاسرية" في خلق بيئة، وسطٍ،...
ياسين طه حافظ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram