اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > المحكمة الاتحادية العليا وفرض الوعي بالدستور داخل البرلمان

المحكمة الاتحادية العليا وفرض الوعي بالدستور داخل البرلمان

نشر في: 10 ديسمبر, 2023: 10:05 م

د. اسامة شهاب حمد الجعفري

سيطرة البرلمان ام سيادة القانون؟

جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 9/اتحادية/2023 في 14/11/2023 والقاضي باسقاط عضوية رئيس مجلس النواب محمد ريكان الحلبوسي لانتهاكاته المتكرر للدستور ليقول بطرازٍ جديد «ان السيادة للقانون» لا للأشخاص, ولا سيادة لمن لا يحترم سيادة القانون,

دافعاً المؤسسة التشريعية نحو فكرة «العقلانية البرلمانية» التي هي عبارة عن فلسفة حكم تمنع الهيمنة غير الدستورية للبرلمان على مفاصل الدولة عند اداء اعماله التشريعية وغير التشريعية لمنع شرعنة الاستبداد باسم السيادة البرلمانية. والتجلي الابرز في فلسفة العقلانية البرلمانية هو القضاء الدستوري المتمثل بالمحكمة الاتحادية العليا بما هي اداة للحد من الحرية المطلقة للبرلمان التي قد تسبب الانحراف عن القاعدة الدستورية.

اذن, العقلانية البرلمانية هي آليات في ضبط سير المؤسسة البرلمانية وتأطير ممارستها بالدستور والقانون, نحو ضمان الحريات وصيانة الحقوق واقامة الدولة القانونية التي لا يخشى فيها مواطنٌ مواطن اخر. ولا يتأتى ذلك الا عبر ضمانات قانونية مرتبطة بنظام الدولة بشكل لا تقبل الانفكاك, وتتجسد هذه الضمانات بضمانين: الضمان الاول: النخبة القائدة النزيهة التي تدير دفة السلطة والمسؤولة عن رعاية الدستور وحمايته وملتزمة باحترام كلمة “الشعب” الذي وضعها في الدستور, فلم يختارهم الشعب الا على اساس تعهدهم باحترام الدستور والقانون, وكلما كانت هذه النخبة ملتزمة بالدستور عند ممارستها للسلطات كلما تسارعت وتيرة التحول الديمقراطي, وكلما خرجت هذه النخبة عن القانون كلما تعقدت مسألة التحول الديمقراطي وعرقلت مسيرة الشعب والاجيال باتجاه ذلك التحول المنشود.

والضمان الثاني : وجود جهاز قضائي يكون حارس الدستور الامين يتمتع بالاستقلال والحياد والقوة ويرتب الجزاء على مخالفة ارادة الشعب. وبما ان المحكمة الاتحادية العليا تحرس الدستور فهي بمعنى ادق حارس امين لحقوق الشعب وحرياته من انحراف النخب الحاكمة التي تقود السلطة, فالمحكمة الاتحادية تمثل وسيلة الشعب ضد طغيان الحكام ومعقل مقاومته ضد اي استغلال للسلطة, فهو الحصن والملجأ والملاذ لتحقيق الديمقراطية ومحور العدالة الشعبية الدستورية.

واذا كانت المحكمة الاتحادية هي التجلي الواضح للعقلانية البرلمانية لضبط ايقاع المؤسسة التشريعية وفقاً للدستور فان “الجزاء” يعد وسيلة فعالة بيد القضاء الدستوري لفرض العقلانية البرلمانية التي تؤسس للوعي بالدستور داخل البرلمان وضبط مساراته وتأطير اعماله, وتفرض المحكمة الاتحادية العليا نوعين من الجزاءات القانونية لفرض الدستور: الجزاء الاول: جزاء موجه لنتاج البرلمان المتمثل بإبطال القوانين ولقرارات التي يصدرها لعدم دستوريتها.

والجزاء الثاني: جزاء موجه للنائب نفسه المتمثل بإسقاط نيابته عندما يفقد احد شروطها, اذ نصت المادة (12/ ثالثاً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم 13 لسنة 2018 على انه : (تنتهي النيابة في المجلس في الاحوال الاتية:.... ثالثاً: ثبوت فقدان احد شروط النيابة المنصوص عليها في الدستور وقانون الانتخابات وهذا القانون) وبالعودة الى قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والاقضية رقم 12 لسنة 2018 فانه لم ينص الا على شروط الترشيح للعضوية في المادة (7) منه ولم ترد عبارة “شروط النيابة” ويتبين ان مفهوم “شروط النيابة” اوسع من شروط الترشيح للعضوية وما الاخيرة الا جزء من شروط النيابة. ولم يجيب القانون على ماهي شروط النيابة؟ لقد اشارت المادة (12/ ثالثاً) من قانون مجلس النواب العراقي وتشكيلاته الى مكان وجود هذه الشروط فقالت: ان مكان تواجدها في (الدستور – قانون الانتخابات – قانون مجلس النواب) ولكن لم تحدد ماهي هذه الشروط وحددت فقط شروط الترشيح التي هي جزء منه شروط النيابة, ولم يكن اعراض المشرع العراقي عن تحديد هذه الشروط بشكل صريح الا رغبة منه في منح القضاء والفقه الدستوريين صلاحية تحديدها وفقاً للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع والدولة ليمنح وثيقة الدستور الكفاءة الحركية والقدرة على التطور لمواجهة الواقع المتغير .

ومن خلال استقراء نصوص الدستور وقانون مجلس النواب يتبين ان لشروط النيابة نوعين : الاول: شروط نيابة شكلية: وهي شروط الترشيح الى عضوية مجلس النواب التي نص عليها قانون الانتخابات , وشروط نيابة موضوعية : وهي التزام النائب بالإرادة الشعبية المتمثلة بالدستور والقانون عند اداءه البرلماني من حيث المضمون والمدى, فلا يحق له الانحراف بهذه الارادة ولا يحق له استغلالها ولا تجاوز حدودها ولا الخروج على الصلاحية المكلف بها, سواء لنفسه او لحزبه او لقطاع معين من الناس والا كان غير صالح لتمثيل الارادة الشعبية, والاساس الدستوري لشروط النيابة الموضوعية هو “اليمين الدستوري” الذي جاء في المادة (50) من الدستور والذي بين حدود النيابة ومداها كشرط موضوعي لها, ثم جاء قانون مجلس النواب وتشكيلاته فارضاً التزامات تفصيلية على النائب تمثل شروط النيابة الموضوعية في المادة (10) منه مثل التزام النائب باحترام هيبة المؤسسات الدستورية وان انتهاك هذا الالتزام يعد خطأ جسيم يستوجب اسقاط نيابته.

وبذلك تخلق المحكمة الاتحادية العليا داخل البرلمان الوعي بالدستور بقوة الجزاءين اما ترك تطبيق القاعدة الدستورية دون جزاء او الى مشيئة نواب الشعب فلا يكون هناك يقين واحترام للدستور لا في تطبيقه ولا في مداه ولا يكون هناك اصلاً اي مجتمع قانوني منظم. فليس القضاء الدستوري مجرد قضاءاً تطبيقياً ميكانيكياً يقوم بانزال حكم الدستور والقانون بشكل آلي على الوقائع المعروضة, وانما يتحتم عليه دوماً ايجاد نوع من التوازن بين الشرعية الدستورية وإعلاء حكم الدستور بوحدة عضوية تقود نحو ايجاد ضبط دستوري داخل الدولة في كل مفاصلها وعدم السماح لاي خرق للدستور لان ذلك الخرق يعني عدم استقرار الدولة, وهذه المهمة الاخلاقية الكبرى التي يضطلع بها قضاة المحكمة الاتحادية العليا في العراق هي من اصعب المهام واعقدها في ظل عدم استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي, ومن خلال هذا الدور فان القضاء الدستوري يهدف بالنهاية لضبط ايقاع الاداء البرلماني والتنفيذي من خلال استخلاص لمقاصد ومعاني النص الدستوري من عموم الوثيقة الدستورية واستجلاء مفهومها ليخلق مبادئ قضائية ويكفل “سمو الدستور” لان المحكمة الاتحادية العليا تنتصر للارادة الشعبية لا ارادة نواب الشعب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram