غالب حسن الشابندر
(3 )
السيد محمد باقر السيستاني يطرح نفسه مفكّرا عقديا ، العقيدة الاسلامية بمرتكزاتها الثلاثة جوهر فكره العقدي ، اي التوحيد ، وجود الله ، النبأ الاول كما في اصطلاحه، ورسالة الله الى الانسان ، ( النبوة ) ، نبوة محمد على وجه الخصوص ، النبأ الثاني كما في اصطلاحه، ثم المعاد ،
حيث يتضمَّن (إرتهان الانسان في نشأة أخرى ) ، النبا الثالث كما جاء في اصطلاحه ، ولعل هناك منْ يستغرب هذه التسمية الجديدة ، النبا، حيث صدّر منتجه تحت عنوان رئيس عريض ( الأنباء الثلاثة الكبرى في الدين ) ، والتسمية ليست اعتباطية في تصوري، فإن كل من هذه المواد ، التوحيد والنبوة والمعاد بمثابة جمل خبرية ، تخبر عن واقع حسب معتقد صاحب المحاولة .
النبأ الاول : الكون له خالق وهو الله تبارك وتعالى.
النبأ الثاني : محمد رسول الله .
النبا الثالث : هناك يوم تجتمع به الخلائق بين يدي الله تبارك وتعالى (المعاد).
فنحن بين يدي قضايا ، موضوع ومحمول وسنبة بين الطرفين ، والمطلوب إثبات هذه النسبة .
يستند السيد في مشروعه إلى كون هذه القضايا ليست بديهية فهي تحتاج إلى دليل ، قضايا برهانية ، وبالتالي يتفرّع سؤال منهجي هنا ...
تُرى من اي صنف من البراهين أو الادلة التي يتوسّل بها صاحب المشروع لإثبات هذه الانباء الثلاثة ، التوحيد والنبوة والمعاد؟
العقل ...
ذلك إنها ليست قضايا / أنباء تجريبية ، كما لو أردنا أن نثبت بان ( الحديد يتمدَّد بالحرارة ) ـ وإن كانت خلفية الدليل ترجع إلى مباديء فطرية أولى ـ ولا هي من صنف قضايا العلوم الانسانية ، بل هي قضية عقلية، تحتاج إلى دليل عقلي .
ولكن هل عدمت المحاولة الاستعانة بالنقل والعلوم الطبيعية والوجدان ؟
لا ...
فصاحب المشروع وإن كان عمدة محاولته في الإثبات يركن إلى العقل بحكم ان الموضوع عقلي إلّا أنه طالما يرجع إلى العلم ، علمي الفيزياء والاحياء أكثر من غيرهما ، ولكن ليس للاستدال على وجود الله ولا للاستدلال على النبوة المحمدية ولا للاستدلال على اليوم الآخر، وإنما في سياق دعم الدليل لا إنشائه ، فهو يستدل أو يلجأ إلى جمال الطبيعة ليثير الوجدان المساند لدليل النّظم على وجود الخالق ، كذلك يلجأ إلى العلوم الطبيعية لينطق شهادتها على الحركة والتغير والتنوع ليسند أحقية وأصالة الدليل المستفاد من التغير والحركة والتنوع على وجود الخالق سبحانه ، وهكذا في دليله على نبوة محمد ، فإن من غير المعقول اللجوء إلى دليل قرآني مباشر ، فإن آفة الدور هنا تزيّف المحاولة .
وأين كتاب الله من المحاولة؟
من خلال سياحتي الروحية مع المحاولة هنا وهناك يمكني أن الخِّص موقفه في هذه النقطة بالمقتربات الثلاث التالية: ـ
الاولى: يستعين بمنهجية القرآن الاستدلالية على الأنباء الثلاثة .
الثانية : يستعين بالدليل القرآني بشرط أن يكون دليلا عقليا، فيكون الاستدلال ليس بالقرآن مباشرة ، بل بدليل عقلي وظّفه القرآن .
الثالثة : يستخدم القرآن اسنادا وتعضيدا وليس تأسيسا وإنشاء.
ولكن ها هنا ملاحظة فارقة في منهج السيد الكريم في إثبات الدين وأنبائه الثلاث الكبرى .
صاحب المحاولة هنا (مُعتقد ) ، وفي ذات الوقت ( مبشِّر) بما يعتقد ، وفي نهاية المحاولة يؤلف بين أحقية طرحه ، او أحقية مرتكزاته العقدية بمجمل مصير الإنسان ، فهو ليس طرحا باردا ، مجرّدا ، بل طرحه رغم نكهته العقلية الجامدة بيد أنه طرح يلامس مصير الاجتماع والعالم ، فالاساس إعتقاد بموضوعات خاصة وعن طريق الاستدلال العقلي ولكنه اعتقاد منتِج إنسانيا بكل معنى الكلمة .