اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العلمانية على النمط الإنجليزي: دولة أخرى، وأخلاق أخرى؟

العلمانية على النمط الإنجليزي: دولة أخرى، وأخلاق أخرى؟

نشر في: 19 ديسمبر, 2023: 09:21 م

مايكل كيلي

ترجمة: عدوية الهلالي

على الرغم من أن تتويج الملك تشارلز الثالث يشير إلى تأثير ديني قوي، إلا أن إنجلترا تتجه نحو مجتمع علماني.فقد يعتقد أولئك الذين شاهدوا تتويج الملك تشارلز الثالث في آيار2023 أن المملكة المتحدة بعيدة عن ملامح الدولة العلمانية إذ تلقى رئيس الدولة الجديد ولايته في كنيسة وستمنستر، من رئيس أساقفة كانتربري، وبالتالي أصبح رئيسًا لكنيسة إنجلترا. ومع ذلك، فالمظاهر خادعة.

إن الوضع الحالي معقد، ويعتمد على التناقضات والتسويات في التاريخ البريطاني. ففي الأساس، أصبحت إنجلترا مجتمعًا علمانيًا، ولكن دون ان تتبنى المبدأ الفرنسي للعلمانية.وكثيرا ما نستشهد بالفيلسوف الأمريكي تشارلز تايلور الذي يميز ثلاثة عناصر رئيسية في علمنة المجتمعات الغربية: تراجع المعتقد الديني، ومفهوم الدين كخيار شخصي للمؤمن، والفصل بين الكنيسة والدولة.وفيما يتعلق بالعنصرين الأولين، فإن فرنسا وإنجلترا قريبتان جدًا.

وهكذا، لم تقدم الكنيسة الأنجليكانية سوى أربع جنازات وحفل زفاف واحد في عام 2020. ومن ناحية أخرى، تكثر الطقوس البديلة إذ أصبح من الممكن والمقبول الآن الزواج، أو إضفاء الطابع الرسمي على الاتحاد المدني، خارج الكنيسة أو مكتب التسجيل: في فندق، ولكن أيضًا في الحديقة، أو على متن قارب، أو على الشاطئ، أو في أي مكان آخر وفقًا لخيال الزوجين.. وفي المملكة المتحدة، نرى أنه في كثير من الأحيان يكون الإنسانيون، الذين ينتمون إلى الحركة غير الدينية، هم الذين يترأسون حفلات الزفاف والطقوس الأخرى بدلاً من الكهنة، فبدلاً من تقديم الأسرار المقدسة، فإنهم يحتفلون بأهم لحظات حياة الإنسان في احتفالات جماعية ويمكن استدعاؤهم لحفلات الزفاف والجنازات.

وفي مؤسسات اجتماعية أخرى، يمكننا أن ندرك نفس الاتجاهات. ففي المحاكم، على سبيل المثال، حيث كان الناس في الماضي يقسمون على الكتاب المقدس، صار يمكن للمتهمين أو المحلفين أيضًا أن يقسموا على كتاب ديني من اختيارهم، مثل القرآن أو التوراة أو البهاغافاد غيتا (النص الرئيسي للهندوسية). أو يمكنهم ببساطة تقديم إعلان رسمي. وبالتالي فإن الاختيار الديني هو خيار شخصي، لكنه لا يغير شيئا في مسار العدالة.

وفيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية، تتمتع فرنسا والمملكة المتحدة باقتصاد مختلط يشمل المدارس العامة والخاصة. وفي المملكة المتحدة، يلتحق 6% من الشباب بالتعليم الخاص مقارنة بنحو 17% في فرنسا. ولا تتلقى المدارس الخاصة البريطانية أي دعم مالي مباشر من الدولة، في حين أن الغالبية العظمى من المدارس الخاصة الفرنسية "متعاقدة" مع الدولة، وتتلقى إعانة عامة كبيرة.في المملكة المتحدة، ثلث المدارس الحكومية هي مدارس دينية، وغالبيتها مدارس ابتدائية. أما في فرنسا، فيتم التعليم الديني بشكل رئيسي في المدارس الخاصة، وغالبيتها العظمى (97%) هي مدارس كاثوليكية.

وفي المدارس الحكومية تظهر الاختلافات. فنحن نعلم مدى إصرار المدارس الحكومية في فرنسا على استبعاد العلامات والممارسات الدينية. ويختلف الوضع في المملكة المتحدة عبر إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، حيث أن كل دولة من "الدول الأربع" مسؤولة عن تعليم مواطنيها الشباب.

وفي إنجلترا، على سبيل المثال، تتمتع ثلث المدارس الحكومية (بما في ذلك المدارس المتوسطة والثانوية) بوضع ديني (أغلبيتها أنجليكانية وكاثوليكية، ولكنها أيضًا يهودية ومسلمة وهندوسية وسيخية). وهذا يعني أن المدرسة، أو المدرسة الثانوية، تابعة لمنظمة دينية، وتقدم دورات تعليمية دينية وتحافظ على ثقافة مستنيرة بالدين المعني. ويمكن للمدرسة قبول الأطفال من الديانات الأخرى، أو بدون دين، والذين يمكنهم إثبات انتمائهم الخاص مع احترام الثقافة الدينية للمدرسة.

علاوة على ذلك، تفسر المدارس هذه الالتزامات بطريقتها الخاصة. على سبيل المثال، يمكن أن يتخذ "فعل العبادة" شكل تجمع يركز على الحياة المدرسية (النجاح الأكاديمي أو الرياضي، والحدث المهم، والانضباط والسلوك). والدورات حول الدين يمكن أن تغطي المعتقدات والممارسات بجميع أنواعها.

ويثير الفصل بين الدولة والكنيسة في المجال السياسي والقانوني أسئلة أكثر حدة. ولاتتلقى الكنيسة الأنجليكانية أي تمويل من الدولة، ولكن تم "تأسيسها" باعتبارها كنيسة إنجلترا منذ إصلاح هنري الثامن في القرن السادس عشر.واليوم، لا يزال الملك هو رأس هذه الكنيسة، حتى لو كانت القرارات تتخذ فعليًا من قبل الحكومة المسؤولة، فالموقف السياسي للكنيسة رمزي بالدرجة الأولى، إلا أنها تمارس دور الناطق الرسمي باسم القيم الروحية والأخلاقية، مما يمنحها تأثيراً معيناً في الرأي العام.

وفي الوقت الحالي، أصبح انتقاد الدين منتشرًا على نطاق واسع للغاية، وتعرب أقلية متزايدة عن تأييدها لاستبعاد امتيازات الأديان في الحياة الجماعية. وفي المملكة المتحدة، هناك جمعيتان رئيسيتان تمثلان هذا المنظور: جمعية الإنسانيين في المملكة المتحدة والجمعية العلمانية الوطنية.ويقدم الإنسانيون أنفسهم كمفكرين أحرار، غير متدينين، يقدمون رؤية عقلانية وأخلاقية للعالم. وهي تعتمد على تقاليد أوروبية وحتى دولية طويلة، وتشجع النقاش حول المسائل الفلسفية والاجتماعية. بينما في فرنسا يمكن ادعاء الإنسانية من قبل العديد من الميول الفكرية، فإن استخدام هذا المصطلح في المملكة المتحدة يقتصر عمليًا على غير المؤمنين.

ويشكل الإنسانيون شبكة دعم،وهم قريبون من الجمعية الوطنية العلمانية، التي تناضل من أجل "ديمقراطية علمانية حيث يتم التعامل مع الجميع على قدم المساواة، بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم". وتهدف هذه الجمعية بشكل خاص إلى تعزيز الفصل بين الكنيسة والدولة، وإلغاء المدارس الدينية، واستبعاد الدين من المؤسسات الصحية، والتأكيد على المساواة بين الجميع أمام القانون، دون تمييز في المعتقد. ولذلك فإن وجهات نظره تتوافق بشكل وثيق مع تفسيرات معينة للمبدأ الفرنسي للعلمانية.

ويمكننا أن نزيد من تعقيد الوضع الحالي إذ تميل الاختلافات بين "أمم" المملكة المتحدة الأربع إلى أن تصبح أكثر وضوحًا مع صعود النزعة القومية في اسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كنيسة إنجلترا هي جزء من المجتمع الدولي الذي يجمع 46 كنيسة أنجليكانية حول العالم، خاصة في المستعمرات السابقة. ونجد وجهات نظر متنوعة للغاية، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاجتماعية (دور المرأة، والعلاقات مع الدولة ومع الديانات الأخرى)، وتوجد تعقيدات مماثلة في مناطق فرنسا التي لها علاقة مختلفة بالعلمانية، وهذا يعزز فكرة أن إنجلترا وفرنسا تواجهان نفس التحديات.

ومع ذلك، لا يزال هناك عمل كبير يتعين القيام به للوصول إلى النقطة التي يمكن فيها لكل من البلدين فهم تجربة الآخر بشكل أفضل. وتختلف الطرق التاريخية بين فرنسا والمملكة المتحدة اختلافًا كبيرًاعلى الرغم من قربها الجغرافي. وتسري هذه الاختلافات في مؤسساتهم وهياكلهم السياسية والاجتماعية والفكرية ولغاتهم. وإذا كان البلدان يواجهان في كثير من الأحيان مشاكل مماثلة، مثل مكانة الدين في المجتمع الحديث، فمن الواضح أن كل منهما سيتعين عليه إيجاد الحلول المناسبة وفقا لثقافته وتاريخه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram