بغداد – 964 - حسام السراي
كاظم نصّار من المخرجين العراقيين الذين لديهم تجربة طويلة وغنية في المسرح العراقي، منذ أول عمل أخرجه عام 1993، بعنوان "حياة مدجنة" في مهرجان منتدى المسرح ببغداد، وحتى آخر عروضه الذي جاء باسم "حياة سعيدة" وقدمه الشهر الماضي من على خشبة المسرح الوطني ببغداد.
نصّار عمل مع جيل الروّاد من المسرحيين العراقيين، أمثال صلاح القصب وسامي عبد الحميد وبدري حسون فريد، وظل يقدم من بغداد عروضه ومساعيه التجريبية في المسرح.
مراسل شبكة 964 أجرى حواراً مع نصّار عن أحوال المسرح العراقي اليوم وما يتطلّع إليه مع قرب حلول عام جديد وموسم مسرحي آخر.
هل هناك تراجع فعلي في إقبال الجمهور العراقي على العروض المسرحية الجادة؟
هناك تغيرات بطيئة وسريعة حدثت خلال الأعوام العشرين الماضية في البنية الاجتماعية وتأثيرات التحول السياسي وخاصة دخول التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي؛ لذا شهد مزاج مشاهدة المسرح تغيراً واضحاً وحاسماً، حيث اختفت تقاليد اجتماعية وبرزت تقاليد أخرى، لكن المسرح كمكان، بقيت مشاهدته محصورة بفئة النخبة، خاصة بعد اختفاء العروض التجارية التي شاعت في التسعينات، وانحسار مساحة الإنتاج المسرحي والتوجه الكلي للعمل في الدراما التي تنتجها شركات وفضائيات، وتمنح شهرة ومالاً سريعين عكس المسرح الذي يحتاج إلى كد وتعب وزمن وتفكير، فضلاً عن شحة ما يتقاضاه ممثل المسرح قياساً بممثل الفضائيات، فالقصة متشابكة لكنني شخصياً مكتفٍ بالعدد الذي يأتي لعروضي وأشعر أن رسالتي تصل بهذا العدد أو غيره.
إنتاج العمل المسرحي في ظل هذا التطور الذي يلف مناحي الحياة ككل، هل بات أسهل أم العكس؟
الإنتاج كان صعباً على الدوام في الحرب وفي الحصار والآن، لكنني غالباً ما أعزو الأزمة إلى قلة الإيمان بالمسرح وعدم وجود استراتيجية وغياب إدارات تعمل بشكل صحيح ومهني ونزيه إلا نادراً وغيرها من العوامل.
هناك أموال ضخمة صُرفت للمسرح منذ 2003 وحتى اليوم، إلا أن النتائج لا توازيها وخاصة في "بغداد عاصمة الثقافة" وغيرها من مناسبات، لقد تسلمنا ملايين الدولارات خلال تلكم السنوات لكن ما لذي حصل، خذ مثلاً أنا كمخرج محترف ومنذ سنوات أكثر مبلغ دخل لي من تلك الملايين الدولارية هو مليون ونصف دينار عراقي أي ما يعادل 1000 دولار مقابل جهد يستمر شهوراً رواحاً ومجيئاً وتعباً وسهراً ووسائط نقل وإلخ.
هنالك أموال لكنها تذهب بالاتجاه غير الصحيح وغير السليم وحين تبدأ المحاسبة يشمر الآخرون عن سواعدهم للدفاع والتضامن، القضية ليست فردية إنها قضية نسق وهنا تكمن الصعوبة.
البعض يؤشر على العروض المسرحية بعد 2003، إنها استغرقت في تفكيك الماضي (الحرب، الدكتاتورية)، لكنها فضّلت عدم مواجهة بواعث الخراب الجديد؟
ليست كلها، هناك عروض استغرقت في الحاضر أيضاً لكنها قدمت رؤى آيديولوجية منحازة، الفنان منقب وباحث ويقرأ الظواهر والأحداث بمنظار المفكر وليس المنحاز، الانحياز الأول لهذه البلاد وثقافتها وسيرتها وقراءة الظواهر مثل الهجرة والعنف والإقصاء السياسي والإرهاب والاستبداد وهذه ظواهر ليست مرتبطة بالحاضر فقط وانما تشكلت عبر تاريخ هذه الدولة.
قدمت عبر عروضي مثل تلك الظواهر وقدمت الحاضر من دون أن أنسى الماضي ورعبه وحتى تأثيراته الحالية.. هناك من لا يزال يعيش في الماضي تفكيراً وسلوكاً ورؤية حتى عندما يمشط شعره.
قدمت عروض "نساء في الحرب" عن الهجرة و"خارج التغطية" عن الإرهاب والعنف و"مطر صيف" عن الاستنساخ السياسي و"أحلام كارتون" عن تصارع الأنماط الثقافية وعن تاريخ الموت في "سينما" وهكذا.
أي نص هذا الذي يجعل العرض المسرحي يعبر حدود النخبة إلى الجمهور العام؟
أقدم خلاصات مكتوبة من مؤلفين على درجة من الوعي والبحث وهي نصوص تؤشر عمق الأزمة التي نعيشها كمجتمع أولاً متأثراً بما تفرزه السياسات المتحولة، وحينما أقول أزمة مجتمعية أقصد حتى السياسيين؛ لأن ما بعد 2003 لم يعد هناك خط فاصل بين السلطة والمجتمع، فالمجتمع أيضاً هو سلطة ومن يتزعم مجموعة لم يأتِ من ساحل العاج إنه بالأحرى خرج من هذه القصبات والقرى والمدن حتى الفقيرة منها.
هناك نزعة تسلّط متجذرة ونزعة "شعرة من جلد خنزير"، وهذه المفاهيم خلقت مجتمعاً يصفق للفاسدين وهذه مسؤولية الكاتب الحاذق والمخرج وفريق العمل في إبرازه وتأشيره.
عرضك الأخير "حياة سعيدة" فيه عودة إلى مصائر الأفراد ورفض الموت والضياعات الشخصية، هل اكتفى مسرحك من العناوين الكبيرة؟
لم أشبع بعد من عناويننا الكبيرة ولو منحت عمراً آخر لما اكتفيت بالتنقيب عنها وتأشيرها، لكن التنوع مطلوب وخاصة في لب الأزمة المجتمعية وإفرازاتها.
في "حياة سعيدة" وجدت ضالتي في هذا المنحى المجتمعي الذي تغيّر وتغيرت أولوياته وتغير مزاجه وتغيرت اهتماماته وتغيرت زوايا نظره.
مجتمع يتحول وتسحقه التدخلات الخارجية ومساربها، مجتمع يفضل العيش في بلاد غير بلاده المليئة بالخيرات والثروات لكنها بأيدي من لا يجيدون صناعة مجتمع أمل وجمال.
ما الذي تنتظره من قدوم عام 2024؟
في الغالب أنتظر الأمل وأن يعيش الناس بأمان في هذه البلاد، والبلد المستقر ينتج ثقافة مستدامة متحركة تراعي كل تلكم الظواهر والإفرازات وتكتب عنها وتعالجها.
وشخصياً أتمنى ألا أكرر نفسي وأن أظل على الخشبة المقدسة إلى الأبد ليس بصفتي كمخرج وإنما كمراقب ومنقب في هذا الفضاء الجمالي.
ينتظرنا عرض "حياة سعيدة" مطلع الشهر المقبل والسنة الجديدة في مهرجان المسرح العربي، وهو مهرجان وتظاهرة هامة لتجليات المسرح العربي عروضاً وندوات فكرية ونقدية، سيكون عرضنا يوم 16 من الشهر المقبل على مسرح الرشيد ضمن المسابقة الرسمية، ولدينا تطلع للمنافسة والتأثير إن شاء الله، عدا هذا آمل أن يكون للمسرح العراقي مسار آخر غير الذي شهدناه خلال الأعوام الماضية، بأن ينتهي الارتجال وتبدأ فترة أخرى قائمة على الحرص والاحترافية والضمير والشرف.