غالب حسن الشابندر
خصائص الإله
وفيما ينتهي من مرحلة إثبات النبأ الاول، الله، يعرج على خصائص الإله، والمصطلح يصدم القاريء الرسمي، بل يصدم أهل الشأن في الموضوع. ..
خصائص الإله!
المعمول به مدرسيا: صفات الله.
ولست أعرف مخرجا لهذا الاستعمال الغريب، ولكن الذي يخفف الخطب إن القاريء يدرك من الوهلة الأولى ان السيد هنا جعل من ثيمة (خصائص الإله) بمثابة المعادل الموضوعي لـ (صفات الله) ، ويبرر لنفسه مثل هذا البحث (خصائص الإله ــ صفات الله) من منطلق مفاده إن معرفة الله ينبغي أن تقترن أو تستدعي بشكل وآخر التعامل مع هذا (الإله) ، فكما أن معرفتنا بالذرة تقودنا إلى التعامل مع الذرة كذلك إن معرفة الإله إثباتا تستدعي ضرروة التعامل معه، وهنا المدخل، حيث لكي يكون هذا التعامل صحيحا يجب معرفة خصائص المعروف، والمعروف هنا ـ إثباتا ـ هو النبا الاول، الله، خالق الكون جلّ وعلا.
يقول في ص 7 من كتابه (خصائص الإله) طبع دار البذرة في النجف ما يلي: ـ
(على أن الباعث للإنسان على معرفة الإله ـ فضلا عن بُعده المعرفي حد ذاته ـ هو معرفة التعامل الصحيح واللائق مع هذا الإله، فإن التعامل مع أي كائن يتوقف على الإطلاع على صفاته وخصائصه، لدخالة ذلك في رسم التعامل اللائق معه، ثم يجب على الإنسان من المنطلق النظري الاهتمام بمعرفة صفات الإله وخصائصه، لتحديد التعامل المناسب والحكيم معه) .
ورغم أن الفكرة ينتابها بعض التشوش، حيث أن اصل التفكير بالاله ليس لمعرفة التعامل الصحيح معه، وبالتالي، يجب معرفة (خصائصه) كي يهتدي إلى التعامل الصحيح معه، وإنما هو دافع فطري، حيث يضطر الانسان وهو الكائن العاقل للتساؤل عن علّة هذا الكون، هذه هي البداية، وليس كما يطرح السيد المصنِّف، ولكن رغم هذه المفارقة فإن الغاية وراء جهد المصنّف هو رسم التعامل مع الله، عبر معرفة خصائصه، وبالتالي، هو بحث غائي.
ويستهل جهده الجهيد بترقيم هذه الخصائص، وكان في مقدمتها (وحدة الإله) ، ضمن 14 خصيصة، بعضها لم تكن ضمن خانة الصفات بلغة علم الكلام، وربما بعضها يندرج تحت بعض، ومن جملة الابحاث المهمة في هذا الشان، والذي حقا يتطلبه التعامل مع الله بما يقتضي الحق، هو علاقة الاله بألخلق، حيث ينقش لنا هنا فكرتين مهمتين: ـ
الأولى: دوام فعله ـ فعل الخالق ـ في إيجاد الكائنات.
الثانية: جريان فعل الاله على نظام الاسباب والمسبّات
ويرى المصنّف إن المنهج يجب أن يكون برهانيا، فمن (الطبيعي أن يشتمل البحث عن خصائص الإله على الادلة الوجدانية، والعقلية، والفطرية) ، بيد أن هناك خصائص نسبتها الكتب السماوية إبى الإله، قد لا نجدها في قائمة الخاصئص التي يكتشفها العقل، كما هو القول باتصاف الخالق بالقيم الاخلاقية، وهو مما يجب الاستعانة به أيضا لرفع الأبهامات التي قد تطرأ على الوجدان! !
وهما يكن فإن الغائية واضحة كل الوضوح من جهد المُصنّف، غائية أخلاقية وسلوكية، فهو يقول بما نصّه: ـ
(فالمخاطَب بهذا القسم هو نفسه المخاطب بالقسم الأول ـ وجود الإله ـ وهو الإنسان الساعي إلى التبصّر في شأن الكون وآياته، وفي شأن الإنسان وأبعاده) ص 10.
وكما كان يقول بأن العلم يثبت وجود الإله، كذلك يرى أن العلم يثبت صفات الله، خصائص الإله، والذي افهمه من ذلك، إن العلم يثبت الذات والصفات بالاعتماد على مباديء عقلية فطرية أولى، كالسببية والكل يساوي مجموع أجزائه، والنقيضين لا يجتمعان ولا يرتعان، وليس مقصودة الإثبات التجريبي، وللتوضيح فإن من الدلائل على وحدة الاله هذا التناسق الكوني المذهل، فإذا كان هناك أكثر من إله لما حصل مثل هذا التناسق المنسجم، ولكن العلم يساهم هنا في الدليل من طريق غير مباشر، حيث يقدم لنا كمّا هائلا من المعلومات والاسرار الكونية، ويكشف عن تعاضد كوني رائع بين كل مكوناته وأجزائه وحركاته.
ويدخل المصنّف في نقاش جميل عن علاقة الإله بالكون، أو بما خلق، حيث يرى الدين إنها علاقة استمداد وديمومة، فلا مناص من سريان الفعل الالهي الدائم في مخلوقاته، فيما يرجيء بعض العلماء حركة الخلْق إلى قانون الاسباب والمسبّبات، فإذا كان الإسناد الإلهي للوجود حقيقة فهو الإسناد العام، فيما في عقيدة أهل الدين فضلا عن ذلك هناك الاسناد الخاص، فكل شيء من الله وبالله وإلى الله.
ما هو موقف العلم؟
في تصور المصنف إنه لا يتبنى فكرة الاسناد العام، ولا ينفي فكرة الاسناد الخاص، والسبب في ذلك كما يقول: (لانه ـ العلم ـ لا يعلم كنه الاشياء التي يرصدها، وإنما يرصد ظاهرها، وخواصّا فيها، ولا يعلم مدى تقوّمها باستمدادها من خالقها، في وجودها ومسارها) ص 16.
لكن ما الدليل على الاسناد الخاص المستمر؟
دليل عقلي. .إن الكون حادث وباق، والحادث محتاج إلى علّة وجود وكذلك علّة بقاء... فلا فرق من حيث الحاجة إلى مُمّد بين الحدوث والبقاء. ..