TOP

جريدة المدى > عام > التنبؤ بزوال الرأسمالية.. مغامرات فكرية منذ أيام كارل ماركس

التنبؤ بزوال الرأسمالية.. مغامرات فكرية منذ أيام كارل ماركس

نشر في: 24 ديسمبر, 2023: 10:51 م

عرض / علاء المفرجي

الرأسمالية تخضع للمحاكمة هذه الأيام. إن مصيرها وبدائلها -الماضي والحاضر والمستقبل - محل نقاش مكثف. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018،

تناول مجلس المستشارين الاقتصاديين بالبيت الأبيض هذا الموضوع، وأصدر تقريرًا بعنوان "تكاليف الفرصة البديلة للاشتراكية". والتقرير في حد ذاته عبارة عن مزيج من المغالطات الواقعية والبيانات المقدمة بطريقة متحيزة لإظهار كيف أن مستوى المعيشة الذي حققه الأميركيون في ظل حكومتهم المحدودة أعلى منه في ديمقراطيات الرفاهية الأوروبية ودول الشمال على وجه الخصوص. ولكن المثير للاهتمام في هذه الوثيقة هو لهجتها المنزعجة.

من هنا يأتي كتاب (التبؤ بزوال الرأسمالية.. مغامرات فكرية منذ أيام كارل ماركس) الصادر عن دار المدى لمؤلفه فرانشيسكو بولديزوني وبترجمة أحمد الزبيدي.

يناقش هذا الكتاب نبوءات حول نهاية الرأسمالية. الغرض من هذه المناقشة ذو شقين. فمن ناحية، يجب فهم سبب فشل المنظرين الاجتماعيين في أوروبا وأمريكا الشمالية باستمرار في التنبؤ بمسار التطور التاريخي للرأسمالية. ما هي مشكلة التنبؤ؟ والهدف الثاني هو فهم ما هو المميز تاريخيا في كيفية عمل الرأسمالية. وما هو أساس مرونتها ومتانتها؟ يؤكد المؤلف أن المجتمع قد وضع دائمًا حدودًا للقوة المفرطة للرأسمالية، ولكن من أجل القيام بذلك بفعالية، من الضروري فهم الخداع الذاتي للفكر الاجتماعي.

ويشير المؤلف إلى أنه على الرغم من أن هذا الكتاب يعتمد على بحث أكاديمي، إلا أنه يستهدف جمهورًا واسعًا. وبالفعل، نجح المؤلف بالتأكيد في كتابة كتاب مثير للاهتمام ومقروء بشكل بارز. من أبرز جوانب الكتاب قدرة المؤلف على نقل المناقشات المعقدة بطرق واضحة للغاية. وهذا إنجاز رائع. ومع ذلك، يعاني الكتاب أيضًا من فهم تحديثي قديم ولكنه حي جدًا للرأسمالية، وهو فهم إشكالي ويشير إلى رؤية محدودة لعالم النظرية الاجتماعية.

إن مناقشة النبوءات المختلفة حول نهاية الرأسمالية وتطورها مع مرور الوقت أمر مثير للاهتمام للغاية. لكن الأمر يبدو طويلًا بعض الشيء لأن المؤلف لم يوضح أبدًا المعايير المستخدمة لاختيار المنظرين الذين يدرجهم في الكتاب. تبدو بعض الخيارات واضحة – على سبيل المثال، ماركس، وبعض المناقشات داخل الماركسية، أو أقرب إلى عصرنا ومن منظور مختلف، أنتوني جيدينز أو فرانسيس فوكوياما. لكن آخرين، مثل بيتر دراكر أو دانييل بيل، أقل وضوحا. وبالمثل، ليس من الواضح سبب ذكر بعض المؤلفين، مثل أنطونيو غرامشي أو روزا لوكسمبورغ، دون مناقشتهم بشكل شامل.

النقطة المهمة في الكتاب هي مناقشة سبب ازدهار النبوءات وفشلها. يجادل المؤلف بأن التنبؤ كنوع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتفكير الطوباوي. التنبؤ هو شكل من أشكال ترشيد المدينة الفاضلة على أساس الإيمان بالعقل والبحث عن قوانين التطور الاجتماعي. لقد جلب عصر التنوير إلى أوروبا الإيمان بالعقل والتقدم الذي ألهم المفكرين الاجتماعيين لمحاولة تمييز خطوط التغيير التاريخي والمستقبلي مع تطور المجتمع إما نحو اليوتوبيا المرغوبة أو نحو الديستوبيا المخيفة. ويقول بولديزوني إن هذه الممارسة غير مجدية. وهو يزعم، وهو محق من وجهة نظري، أن الرأسمالية كنظام تاريخي لا بد أن تنتهي عند نقطة ما، لكننا لا نستطيع أن نعرف كيف ومتى سيحدث هذا وما الذي سيحل محله. ويحذرنا من أنه ليس هناك ما يضمن أن أي نظام سيحل محل الرأسمالية سيكون نظاما أفضل.

ويؤكد بولديزوني أنه بدلاً من القلق بشأن التنبؤ بالمستقبل، من الأفضل التفكير في كيفية تحسين الرأسمالية في الوقت الحاضر. وهنا يلقي دعمه وراء تجديد الديمقراطية الاشتراكية الأوروبية. يرى بولديزوني أن التقدميين بحاجة إلى إعادة التواصل مع العمال والطبقات الاجتماعية الضعيفة، وأنه حتى داخل الاقتصاد المعولم هناك مجال لإجراءات إعادة التوزيع التي تقوم بها الدولة. ومن المهم التأكيد على أن اقتراحه السياسي يقتصر على أوروبا (وربما أميركا الشمالية). يرى بولديزوني أن “الديناميكيات العالمية يجب أن تكون منفصلة عن تلك التي تتكشف في قلب النظام الرأسمالي”. وذلك لأنه يعتقد أن الرأسمالية هي ظاهرة تاريخية أوروبية بحتة. ويؤكد "... خارج الغرب هناك نقص في العناصر الثقافية لدعم الرأسمالية".

يرى بولديزوني أن الرأسمالية متجذرة في عنصرين عميقين. العنصر الأول، وهو العنصر الهيكلي، هو التسلسل الهرمي، الذي يرتبط بتنظيم الاقتصاد حول الأسواق، والملكية الخاصة، والعمل المأجور. أما العنصر الثاني، وهو العنصر الثقافي، فهو الفردية. بالنسبة لبولديزوني، فإن التطور الثقافي للفردية هو الذي يجعل الرأسمالية فريدة ومتميزة. ويضيف أن مشكلة أساسية في كثير من نبوءات...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

في مديح الكُتب المملة

مقالات ذات صلة

في مديح الكُتب المملة
عام

في مديح الكُتب المملة

كه يلان محمدرحلة القراءة محفوفة بالعناويــــن المـــــــؤجلة مواجهتُها، ولايجدي نفعاً التسرعُ في فك مغاليقها.لأنَّ ذلك يتطلبُ مراناً، ونفساً طويلاً وتطبيعاً مع المواضيع التي تدرسها تلك الكُتــــب.لاشــكَّ إنَّ تذوق المعرفة يرافقه التشويق باستمرار،لكن الـــدروب إلى...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram