اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراق: بين الدولة الهشة والسعي إلى الاستقرار

العراق: بين الدولة الهشة والسعي إلى الاستقرار

نشر في: 26 ديسمبر, 2023: 10:44 م

بيرتيل دومالين

ترجمة : عدوية الهلالي

في الحادي عشر من سبتمبر 2001، كانت القوة الرائدة في العالم ضحية للهجمات على مركز التجارة العالمي، رمز النجاح الاقتصادي الليبرالي الأمريكي. ورداً على ذلك، قامت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بوضع قائمة بالدول التي تشكل "محور الشر" ومن بينها العراق.

وتم اعتبارحزب البعث الذي يتزعمه صدام حسين، والذي يتولى السلطة منذ انقلاب عام 1968، متهما بحيازة أسلحة الدمار الشامل ويرتبط بتنظيم القاعدة، وهو منظمة إرهابية إسلامية. ومن أجل ضمان السلام وتعزيز الديمقراطية على نطاق عالمي، تبنت الولايات المتحدة، بعد أن أصبحت شرطي العالم، سياسة واقعية وأطلقت العملية العسكرية لتحرير العراق في 20 اذار2003.

ولكن في الواقع فإن التدخل الأميركي لم يحقق الاستقرار أو الرخاء. بل على العكس من ذلك، فإن التشكيك في النظام الدولي اصبح أكثر بروزاً، مما أدى إلى تآكل الدولة العراقية واستمرار حالة عدم الاستقرار فيها.

ومن خلال تدخلها الأحادي الجانب، دون موافقة الأمم المتحدة، افترضت الولايات المتحدة الحق في استخدام القوة، مما أدى إلى تساؤل عالمي حول الأسس التي تقوم عليها المنظمة الدولية، وخاصة الحفاظ على السلام والأمن في العالم. وعلى الرغم من إنشاء المؤسسة بحيث تتعاون الدول وتحل صراعاتها سلميا، فقد سلطت القوة العالمية الرائدة الضوء على عدم قدرة المجتمع الدولي على التحرك ضد الدولة العراقية، التي تعتبر خطيرة ومستعدة لاستخدام القوة .

وبعيداً عن التشكيك في فعالية الأمم المتحدة، تدخلت إدارة بوش من خلال التحايل على المعارضة لاستخدام القوة التي عبر عنها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باسم الحرب الوقائية، مما فتح الطريق أمام سابقة يمكن لبعض الدول الاستفادة منها والإلهام في المستقبل من أجل تبرير تدخلها في دولة ثالثة. فمن خلال التأكيد على ضرورة أخلاقية، وفي قلبها رؤية المحافظين الجدد "الثورية"، تنافست الولايات المتحدة مع دور الأمم المتحدة من خلال الاعتماد على رؤية جديدة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين.

وكانت إحدى العواقب الرئيسية لهذا الإصلاح الشامل للنظام الدولي تكمن في ظهور "البعد الأمني على وجه التحديد لانهيار الدولة". والحقيقة أنه في أعقاب هجمات الحادي عشر أيلول 2001، شهدت استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، والتي طورها البيت الأبيض فضلاً عن العديد من الأجهزة الأمنية، تطوراً عميقاً. وفي قلب هذه الأخيرة، سادت فكرة أن أمن القوة العالمية الرائدة وكذلك حلفائها يمكن أن يصبح موضع شك بسبب التهديدات الجديدة للسلام، أي مراكز عدم الاستقرار الناتجة عن البلدان التي أضعفتها الحرب أو حتى الفقر المدقع. وقد حظيت هذه الأيديولوجية بدعم قوي من خلال انتشار موجة عقائدية جديدة تتعلق بما يسمى الدول "الهشة". ووفقا لأوليفييه ناي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس ، فإن مفهوم الدول الهشة "يستخدم في أغلب الأحيان لتعيين الدول التي لا تملك القدرة أو الإرادة السياسية للاستجابة للاحتياجات الأساسية لسكانها". . ويشير، على نطاق واسع، إلى جميع البلدان التي أضعفتها الحروب أو الأزمات المؤسسية المتكررة أو الفقر المدقع، والتي لم تعد فيها المؤسسات الحكومية قادرة على الحفاظ على ظروف الاستقرار السياسي والتنمية الكافية لضمان الأمن ورفاهية السكان.

وهكذا، فإن الخطاب الإنساني الذي استخدمه البيت الأبيض خدم مصالح السلطات السياسية والاقتصادية في بعض البلدان الشمالية التي تدخلت عسكريا في البلاد. وعلى العكس من ذلك، أدى الاحتلال العسكري، وهو مصدر لتصاعد التوترات والصراعات، إلى الاستخدام المكثف للمساعدات الإنسانية وكذلك المساعدات التنموية، مما سمح لبعض الجهات الفاعلة بتأكيد نفوذها بشكل كبير في البلدان التي تعاني من أوضاع هشة. وفي العراق، تأثرت جميع مكونات الدولة، أي المساحة المحددة بالحدود، ومجموعة اجتماعية معينة (مواطنيها)، فضلاً عن السلطة السياسية المستقلة (التي تضمن تماسك الكل فقط). وشهد عام 2003 قطيعة بسبب انهيار جهاز الدولة، مما أدى، على المدى القصير والمتوسط والطويل، إلى إضعاف المجتمع العراقي إلى حد كبير.

وعلى مدى 35 عاماً، أدت مواقف صدام حسين الضعيفة والعدائية على المستوى الإقليمي إلى تدهور القطاعين الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العراقي. وأدى هوسه بتعزيز السلطات السياسية والأمنية، إلى جانب التشكيك في استدامة الدولة، إلى تحويل العراق تدريجياً من دولة قوية، يقوم ضمنها العقد الاجتماعي على سلطة الدولة المطلقة مقابل أمن المواطنين، إلى دولة فاشلة تجاه سكانها ومعزولة من قبل المجتمع الدولي.

ومنذ عام 2003، استفادت الولايات المتحدة من هذا السياق، حيث فازت بالحرب في ثلاثة أسابيع. إلا أن افتقار إدارة بوش إلى استراتيجية طويلة الأمد أدى إلى إنشاء نظام سياسي لا يتناسب مع واقع البلاد. وعلى الصعيد السياسي، لم يعرف العراق سوى الدكتاتورية، وسرعان ما تحول بين عشية وضحاها إلى ديمقراطية شاحبة تحكمها سلطة التحالف المؤقتة، التي قادها في البداية جاي جارنر، ثم بول بريمر. فالأخير لا يسعى إلى إعادة بناء البلاد، كما وعد الرئيس جورج بوش، بل ينتحل لنفسه حق إقامة نظام قانوني وسياسي واقتصادي يضمن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية.

ولتحقيق هذه الغاية، قامت الحكومة الانتقالية بتفكيك جهاز الدولة وأنشأت نظامًا سياسيًا قائمًا على الطائفية العرقية. فقد عادت السلطات التي جسدت المعارضة في المنفى في عهد صدام حسين إلى البلاد وحظيت الأحزاب السياسية، بدعم وتمويل من الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، فإن فرض نظام اقتصادي جديد ينقل العراق من اقتصاد يعتمد على تدخل الدولة إلى اقتصاد السوق النيوليبرالي والمخصخص، أدى إلى إضفاء الطابع المؤسسي والمنهجي على فساد النخب في البلاد.وقد شجع هذه الظاهرة وجود نظام سياسي فاسد في كل مكان كان يفضل إفلات النخب العراقية من العقاب. وقد نجحت الحكومات المتعاقبة في إثراء نفسها من خلال تطبيق مبادئ الحكم المتساهلة، وخاصة من خلال نهب أموال النفط العراقي بمباركة السلطات الأميركية.وهكذا، فإن القطيعة القسرية التي فرضتها الولايات المتحدة تتعارض مع بناء دولة عراقية شاملة.

لقد أدت الهيكلة الجديدة للبلاد إلى تغذية نظام فاسد، يعتمد بشكل أساسي على المحاصصة في السلطة من خلال السيطرة على المناصب والموارد الرئيسية.

وعلى الرغم من الانتخابات التي أجريت منذ عام 2005 والتغيرات في الأغلبية، إلا أن قلب اللعبة السياسية بقي ولا يزال حتى اليوم في أيدي عدد قليل من الأحزاب. وقد أدى وجود قياداتها التنفيذية في كافة المؤسسات إلى عرقلة المجال السياسي، دون أن يؤدي إلى إدارة فعالة لشؤون الدولة اليومية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأخيرة تكون بانتظام سببًا للخلافات بين الأطراف، مما يؤدي إلى التماس، أو حتى تدخل، جهات فاعلة أخرى، مثل الهيئات الدينية، من أجل حل النزاعات.

وبعيدًا عن ارتباك السلطات، فإن شلل النظام السياسي الفاسد، قد صرف انتباه القادة عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية، التي تعتبر مع ذلك ضرورية لبقاء السكان. وبالإضافة إلى عدم فعالية الخدمات العامة، أو حتى عدم وجودها، فإن غياب المستقبل الذي ذكره الشباب، الذين يمثلون حالياً 60% من سكان العراق، قد غذى الشعور بالتخلي عنهم. وقد غذى ذلك السعي الدائم للمجتمع المدني، الذي يرعاه السياسيون وميليشياتهم، من أجل تقليص أي معارضة إلى لا شيء.

· مستشار في الامن والمخاطر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram